ترجمة وتحرير: نون بوست
بوصفها أكبر داعم للمعارضة السورية المسلحة، تواجه تركيا حاليا مهمة محفوفة بالمخاطر. فهي مطالبة بنزع سلاح حلفاءها الثوار في محافظة إدلب، والتخلص من الإسلاميين المتشددين في هذه المحافظة، وذلك في إطار اتفاق جديد مع روسيا. وفي حال لم تنجح أنقرة في هذه المهمة، فإن قوات النظام السوري وحلفاؤها الروس يهددون بشن هجوم شرس لاستعادة هذه المنطقة، في معركة تحذر المنظمات الإغاثية الدولية من أنها ستكون ذات تبعات إنسانية كارثية، كما أن أضرارها على تركيا نفسها ستكون كبيرة.
كان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، ونظيره الروسي، فلاديمير بوتين، قد أعلنا في 17 أيلول/سبتمبر عن التوصل لاتفاق في اللحظات الأخيرة، يهدف لحقن الدماء، ويمنح تركيا مهلة زمنية لإقناع حلفائها بنزع السلاح. وبحسب الاتفاق المبرم، فإن القوات التركية والروسية سوف تُسيّران دوريات في منطقة منزوعة السلاح، على امتداد 9 إلى 12 ميلا، وتكون خالية من المتطرفين والأسلحة الثقيلة، ليتم فيما بعد فتح الطرق السريعة في إدلب.
على الرغم من أن هذه التطورات سمحت لحوالي 3 ملايين من سكان إدلب بالتقاط أنفاسهم، إلا أن مصير هذه المحافظة لا يزال غامضا. وتمثل إدلب آخر معقل للمعارضة في سوريا، بعد حوالي 8 سنوات من القتال، كما أنها تتسم بأهمية كبرى بالنسبة لتركيا، لأنها محاذية لحدودها ولديها قوات متمركزة في هذه المنطقة. وفي هذا السياق، قال سام هيلر، المحلل ضمن مجموعة الأزمات الدولية إن “مصالح تركيا معلقة بإدلب بشكل يجعلها هي الأكثر عرضة للخطر”.
كما أضاف هيلر أن “تركيا تمارس نفوذها من خلال المساعدة على إبقاء إدلب تحت سيطرة المعارضة، وهذا يضمن لها مقعدا في المفاوضات الجارية حول المستقبل السياسي لسوريا”. علاوة على ذلك، يجبر التواجد التركي في محافظة إدلب القوات الروسية، التي تعد الطرف العسكري الطاغي في سوريا، على إيلاء أهمية لمصالح أنقرة.
في الوقت الذي تواترت فيه الأنباء بشأن شن عملية عسكرية في إدلب خلال الأسابيع الأخيرة، فر أكثر من 30 ألف شخص نحو مناطق مختلفة من المحافظة
لكن في المقابل، حذر هيلر من أن “الموقف التركي هش بشكل خطير، بما أن انهيار الأوضاع قد تكون له تبعات وخيمة على مصالحها. في هذا الصدد، قد يدفع اندلاع المعارك في إدلب بملايين من اللاجئين نحو الحدود التركية، وهو أمر يخشى المسؤولون من أنه قد يؤدي لتوترات اجتماعية وسياسية داخل تركيا”. وقد ينضاف هذا العدد إلى أكثر من 3 ملايين لاجئ سوري يعيشون حاليا في تركيا، قال عنهم سونر كاغابتاي، مؤلف كتاب “السلطان الجديد: أردوغان وأزمة تركيا الحديثة”، إن “هناك مواضيع قليلة يُجمع حولها كل الأتراك، ومن بينها معارضة وجود اللاجئين السوريين”.
في الوقت الذي تواترت فيه الأنباء بشأن شن عملية عسكرية في إدلب خلال الأسابيع الأخيرة، فر أكثر من 30 ألف شخص نحو مناطق مختلفة من المحافظة، إلا أن البعض منهم عادوا إلى منازلهم على إثر الانفراج الأخير، بحسب ما أكدته منظمة الأمم المتحدة. وتخشى الحكومة التركية أيضا من أن تدفق السوريين المهجرين يمكن أن يمثل فرصة لتسلل المتطرفين، وهو ما يجعل مدن وبلدات تركيا، والدول الأوروبية الأخرى، عرضة للهجمات الإرهابية.
من جانبه، حذر المستشار العسكري التركي السابق، متين غوركان، في مقال له على موقع “المونيتور” الإخباري، من أن الخطر القائم يتمثل في أن المجموعات المسلحة المتطرفة، المعارضة لجهود الوساطة التي قامت بها أنقرة، ستُقدم على معاقبة تركيا عبر تنفيذ هجمات إرهابية على أراضيها. تجدر الإشارة إلى أن تركيا لطالما ساندت الثوار المعارضين للحكومة السورية، ودعمت محافظة إدلب بالقوات والمعدات العسكرية، سعيا منها لفصل المقاتلين المرتبطين بتنظيم القاعدة، عن المعارضة المعتدلة.
مؤخرا، قامت تركيا بتعزيز نقاط المراقبة التي أقامتها في إدلب، في إطار اتفاق أُبرم في وقت سابق مع روسيا وإيران، ينص على نشر دبابات وقوات كوماندوس ومنظومات صاروخية متعددة. ويرى متين غوركان أن هدف تركيا من هذه الخطوات كان إظهار التزامها بحماية إدلب، ودعم قدراتها الدفاعية ضد الهجمات الإرهابية.
اليوم، تواجه تركيا مهلة زمنية ضيقة، يراها البعض غير واقعية، من أجل نزع سلاح حلفاءها الثوار، وإقناع المجموعات المرتبطة بتنظيم القاعدة بالتخلي عن الخيار العسكري
في لقاء مع الصحفيين في جنيف، قال يان إيجلاند، وهو مسؤول رفيع المستوى في الأمم المتحدة إن “الاتفاق الذي تم التوصل إليه في الأسبوع الماضي، رغم أن تفاصيله لا تزال غامضة، مكّن الدبلوماسيين والسياسيين من كسب وقت إضافي، ليقوموا بعملهم ويمنعوا التطورات التي يمكن أن تمثل خطرا كبيرا على المدنيين”. وأضاف إيجلاند أن “هذا ليس اتفاق سلام، بل هو مجرد اتفاق يهدف لتجنب اندلاع معركة شاملة. كما مكن من إيقاف العد التنازلي قبل وقت قصير من اندلاع المعارك، رغم أن موظفي الأمم المتحدة لا يزالون غير مطلعين على التفاصيل، التي يقول المسؤولون الروس والأتراك إنهم لا يزالون بصدد التباحث بشأنها”.
اليوم، تواجه تركيا مهلة زمنية ضيقة، يراها البعض غير واقعية، من أجل نزع سلاح حلفاءها الثوار، وإقناع المجموعات المرتبطة بتنظيم القاعدة بالتخلي عن الخيار العسكري. وتفرض الوثيقة، التي وقّع عليها بوتين وأردوغان، العاشر من تشرين الأول/أكتوبر كموعد نهائي لتواجد الأسلحة الثقيلة، ومن ضمنها الدبابات وقذائف الهاون وسلاح المدفعية، التي يجب سحبها من المنطقة منزوعة السلاح.
بحلول 15 تشرين الأول/أكتوبر، يجب أن تكون كل المجموعات المتطرفة التي تم تحديدها قد انسحبت من المنطقة، ومن بينها هيئة تحرير الشام، الفرع السابق لتنظيم القاعدة، وأكبر فصيل مسلح في إدلب. ويرى الباحث في المجلس الأطلسي رفيق الحريري لأبحاث الشرق الأوسط، آرون شتاين، أن “هذا الاتفاق يفرض على تركيا تواريخ يصعب الالتزام بها، من أجل نزع سلاح حلفاءها والتعامل مع هيئة تحرير الشام. إن نهاية المهلة قريبة جدا”. وكانت هيئة تحرير الشام، التي تضم حوالي 10 آلاف مقاتل، قد وصفت الاتفاق بأنه “محاولة لإضعاف المجاهدين عبر تجريدهم من أسلحتهم”.
على أعمدة صحيفة “مليات” التركية، كتب الصحفي المتخصص في الشؤون التركية الخارجية، سامي كوهن، مقالا يوم الجمعة تساءل فيه: “أين سيذهب الإرهابيون إذا انسحبوا من إدلب؟ وما الذي سيفعلونه هناك؟”. وأضاف كوهن: “هل سيتخلون عن نهجهم ويوافقون على الاندماج في المجتمع السوري؟ إن هناك فرضية أخرى أكثر تشاؤما، وهي أن المجموعات المتطرفة سترفض التخلي عن أسلحتها ومواقعها، وتقاوم الجنود الأتراك”. وفي حال فشلت تركيا في إقناع حلفائها الثوار بالالتزام بالاتفاق المبرم، فإن هؤلاء أيضا قد يتمسكون بالخيارات العسكرية.
كان متحدث باسم الجبهة الوطنية للتحرير، المدعومة من تركيا، والتي تمثل مظلة لتحالف المعارضة في إدلب، قد أكد أن مجموعات المعارضة في “حالة جهوزية قصوى”. وأضاف هذا المتحدث، وهو النقيب ناجي مصطفى: “لا أعتقد أن تركيا سوف تمنح أي شيء لروسيا في هذه المفاوضات، إذ أنها ظلت داعمة للثورة السورية منذ بدايتها”. ولكنه قال أيضا إن “تركيا تعرف جيدا أنه في حال حدوث عملية عسكرية، فإن سكان إدلب لن يعودوا لمناطق سيطرة النظام، بل سيحاولون الذهاب إلى الأراضي التركية، وهو أمر لا تريده أنقرة”.
المصدر: واشنطن بوست