شغل الجمال ولا يزال بال المعماريين الساعين إلى الكمال، لأن من غايات الوجود البشري كما يعرفها البعض هي السعادة، والجمال من أسرار السعادة، أو كما يقول الكاتب الفرنسي ستندال: “الجمال هو وعد السعادة”، وكما يقول الفيلسوف الفرنسي آلان دو بتن: “المباني التي نعجب بها هي في نهاية المطاف تلك التي، بطرق متنوعة، تمجد القيم التي نعتقد أنها جديرة بالاهتمام – والتي تشير سواء من خلال المواد أو الأشكال أو الألوان، إلى مثل هذه الصفات الإيجابية الأسطورية مثل الصداقة واللطف والبراعة والقوة والذكاء، إن إحساسنا بالجمال وفهمنا لطبيعة الحياة الجيدة متشابكان”.
والجمال هو واحد من أكثر المواضيع الثابتة للفلسفة الغربية، أو كما وضح فيترفيوس من قرون عديدة في كتابه المعماري الأشهر أن العمارة تعتمد على ثلاث قواعد ألا وهي: الصلابة والفائدة والجمال.
وللأسف امتلأ عصرنا الحديث بالكثير من الصور المعادية للجمال، ويرجع ذلك إلى أسباب عدة منها تدهور الأحوال الاقتصادية مما حول الأولويات إلى أشياء رآها البعض أكثر أساسية من الجمال، أو إلى انحطاط الذوق العام مما أدى لرفع بعض القيم عن قيم أخرى، أو إلى طغيان العصر الصناعي والتكنولوجي الذي أهمل النواحي الجمالية وأحاطنا من كل جهة بأشباح آلية بعيدة كل البُعد عن روح الإنسان.
نستعرض في هذا المقال عدة محاولات قام بها معماريون وفنانون لتحسين الوضع الحاليّ، بإضفاء لمسة جمالية على مكونات موجودة بالفعل لتوجيه رسالة مفادها أن الجمال ممكن حتى في أقبح القبيح!
مشروع طلاء “الفافيلا”
قام الفنانان جيورين هاس ودري أورهاهن بمشروع طلاء أحد الأحياء السكنية العشوائية بريو دي جانيرو في البرازيل، باسم “فافيلا” وذلك خلال الفترة بين 2005 إلى 2016، وجاءتهم تلك الفكرة بعد ذهابهم هناك عام 2005 لتصوير أحد الأفلام الوثائقية، بعد مشاهدة الانقسام الاجتماعي الهائل بين الأشخاص الذين يعيشون في تلك العشوائيات وأجزاء أخرى من المدينة، تخيلوا إمكانية بناء جسر للتفاهم من خلال الفن.
كان حلمهم مجرد الطلاء ورسم فافيلا لتعطي من بعيد إحساس بكتل تنضح بالفن بأكملها جنبًا إلى جنب مع السكان، وظن الفنانان أن المشروع سيعطي سكان تلك الأحياء العشوائية فرصة لإعادة تشكيل البيئة المعيشية بالفن الملون مع تحسين المنازل، ومن ثم توفير فرص جديدة للعمل وتحفيز الاقتصاد المحلي.
بيت هيميروسكوبيوم
هل تخيلت يومًا العيش في طريق سريع؟ استخدم مصمم هذا المنزل الصبات الخرسانية التي تستخدم في إنشاء الطرق السريعة، تم إنشاء هذا المنزل بالعاصمة الإسبانية مدريد، في سبعة أيام فقط بسبب استخدام العناصر المسبقة الصنع، ولكن تم التصميم والتفكير في حسابات المنزل وإنشاء الخرائط المعمارية خلال سنة كاملة كما يدعي المعماري.
كيف يمكن لمحطة معالجة مياه الصرف الصحي أن تبدو؟
عند سماعك لـ”مياه الصرف الصحي” فإن القبح والبشاعة يأتيان إلى عقلك لا مفر، أراد قسم نيويورك لحماية البيئة تغيير تلك الصورة بتجميل محطة معالجة مياه الصرف الصحي وجعلها علامة تتميز بها سماء نيويورك المزدحمة.
أراد المعماريون جعل الهندسة المعمارية تلتقي مع الفن في تجديدهم للبناء، ويظهر ذلك جليًا من خلال استخدامهم لرمز زجاجة المياه بشكل انسيابي يجذب أعين المارة، بالإضافة إلى بناء مركز ترحيبي للزوار بغرض تعريفهم بالمحطة وأنشطتها.
ماذا عن تناول القهوة في أنبوبة خرسانية ضخمة؟
امتلك فندق براهان في أستراليا حانة في الجزء الخلفي من البناء أضيفت له لاحقًا، وكان ذلك الجزء غير متناسق أو متكامل مع البناء الأصلي، وأراد مالكو البناء هدم تلك الإضافة وبناء طابقين مع فناء مركزي، وفكر المعماري في استخدام أنابيب خرسانية كبيرة مكدسة لواجهة الشارع لتضيف العمق للبناء وتجذب نظر المارة، ولكونها حانة فإنها تذكر المارة بالبراميل المكدسة بالخمور!
بناء من الأطلال
يقع متحف نينجبو التاريخي بالصين، وأشرك المعماري وانج شو المحليين في بناء المتحف من الأطلال الموجودة في المنطقة المحيطة بموقع المتحف، ولأن المتحف موضوعه التاريخ، كانت واجهته معبرة بشكل قوي عن فكرته، لم يبك المعماري على الأطلال بل استخدمها لبناء رمز حديث لمدينته!
مدرسة الحاويات!
يتم استخدام حاويات النقل في العمارة مؤخرًا بشكل كبير، ومن الأمثلة البارزة لهذا التيار مدرسة أباب بكوريا الجنوبية التي استخدمت الحاويات بشكل مميز بغرض تنشيط المساحة الترفيهية لواجهة النهر والسماح لزواره بأن يكونوا متفرجين ومشاركين بالمدرسة ذات الأنشطة الفنية.