للمرة الثالثة على التوالي، نفذ تنظيم الدولة الإسلامية هجومًا دمويًا جديدًا استهدف العمق الإيراني، بعد أن قام ثلاثة من مقاتليه بالهجوم على عرض عسكري في منطقة الأحواز جنوب غربي إيران، أسفر عن سقوط عدد كبير من القتلى والجرحى.
الهجوم الجديد لتنظيم الدولة الذي لم يحمل بصماته خلال الساعات الأولى من تنفيذه، لم يكن الأول الذي يستهدف العدو اللدود للتنظيم، فقبل 14 شهرًا من الآن، وتحديدًا في 7 من يونيو 2017، نفذ “انغماسيون” من التنظيم هجومين متزامنين ضد البرلمان الإيراني وضريح روح الله الخميني، مما أسفر عن مقتل 17 شخصًا وإصابة 40 بجروح.
قبل هجومه الأخير على العرض العسكري الذي أسفر عن مقتل 25 شخصًا، غالبيتهم من عناصر الحرس الثوري الإيراني، سبق أن وجه تنظيم الدولة تحذيرات وإشارات للمسؤولين الإيرانيين بنيته نقل المعركة إلى عمق بلادهم جزاء تدخلها العسكري في العراق وسوريا ودورها في سقوط “الخلافة” التي أعلنها أبو بكر البغدادي قبل 4 سنوات من الآن من مدينة موصل، ولكن ذلك لم يحدث لعدد من الأسباب التي سبق ذكرها في مقال سابق.
منذ سنوات طويلة، كان تنظيم الدولة يتفادى مهاجمة العمق الإيراني بأوامر من القيادة المركزية لتنظيم القاعدة وعلى رأسها أيمن الظواهري
لكن عدم نجاح نقل المعركة إلى العمق الإيراني، قابله 3 محاولات يتيمة من بعض “الانغماسيين” الذين نجحوا في تنفيذ هجمات كان لها وقع نفسي كبير على المسؤولين الإيرانيين المفتخرين بقدرة بلادهم على المحافظة على استقرارها الداخلي ومنع الإرهاب والإرهابيين من اختراق حدودها الجغرافية مع العراق وأفغانستان ناهيك عن اقتحام برلمان وضريح وعرض عسكري على التوالي.
إن المتأمل في ماهية الأهداف التي اختار التنظيم مهاجمتها يلاحظ انتقاءً دقيقًا ومدروسًا لها، فالهجمات الثلاثة التي نفذها تنظيم الدولة لم يكن وقعها التدميري وعدد القتلى الذي أوقعته كبيرًا مقارنة بهجمات أخرى نفذها في مدن غربية عدة على غرار نيس وباريس الفرنسيتين، لكن رمزية الأهداف المستهدفة وطبيعة العدو الذي تم مهاجمته تبدو أهم بكثير من عدد القتلى الذين سقطوا.
منذ سنوات طويلة، كان تنظيم الدولة يتفادى مهاجمة العمق الإيراني بأوامر من القيادة المركزية لتنظيم القاعدة وعلى رأسها أيمن الظواهري، ولكن الأمور تغيرت شيئًا فشيئًا بعد القطيعة بين التنظيمين أواسط العام 2013 على خلفية الخلاف بين “دولة العراق الإسلامية” و”جبهة النصرة”، لتصبح إيران “هدفًا مشروعًا” لتنظيم الدولة الإسلامية، لم ينجح سريعًا في استهدافه داخليًا رغم نجاح الأول في نقل المعركة إلى مناطق نفوذه وتسببه في إسقاط “الخلافة”.
خلال الساعات الأولى لتنفيذ الهجوم، اختار تنظيم الدولة التريث قبل تبني العملية، تاركًا المجال لحركة النضال العربي لتحرير الأحواز، لتبني عملية ضخمة، لم يسبق لها أن قامت بتنفيذ عُشُرِها منذ عقود من التهديد والوعيد وعشرات البيانات الصادرة في الغرض، في وقت يعلم المطلعون أبجديات التعاطي الإعلامي للتنظيم مع تبني الهجمات الكبرى، أن الأخير لطالما تبنى عديد من العمليات بعد ساعات طويلة من تنفيذها للأسباب عديدة.
تتطابق صور المهاجمين الثلاث الظاهرين في فيديو “أعماق” مع صور أخرى بثها ناشطون ووسائل إعلام إيرانية، تظهر منفذي الهجوم بعد مقتلهم، ما يعزز صحة بيان تبني تنظيم الدولة للعملية
بعد دقائق قليلة من تبني وكالة أعماق التابعة للتنظيم لهذا الهجوم، خرج المشككون لنفيه رغم صدور بيان أكثر تفصيلاً من “ولاية خراسان”، ليتبعه مقطع فيديو قصير يظهر ثلاثة من منفذي العملية يرتدون أزياءً عسكرية يستعدون لتنفيذ الهجوم على العرض العسكري، اثنان منهما يتحدثان العربية وآخر يتحدث الفارسية، قاطعًا الشك باليقين ومؤكدًا صحة تبني الهجوم غير المسبوق في تاريخ المواجهة الجهادية الإيرانية.
تتطابق صور المهاجمين الثلاث الظاهرين في فيديو “أعماق” مع صور أخرى بثها ناشطون ووسائل إعلام إيرانية، تظهر منفذي الهجوم بعد مقتلهم، ما يعزز صحة بيان تبني تنظيم الدولة للعملية التي زعزعت الداخل الإيراني وأحرجت مسؤولين خليجيين سبق أن رحبوا بها في مرحلة ما قبل تبني التنظيم للعملية، لكن السؤال المطروح الآن داخل إيران وخارجها: كيف نجح المهاجمون في اختراق هذا العرض العسكري؟ ومن أين جاؤوا؟
لحد اللحظة لا يمكن الجزم بأن المهاجمين أصيلو منطقة الأحواز أو من خارجها، لكن يمكننا تأكيد نجاح عملية التمويه التي أسفرت عن اختراق العرض العسكري خاصة أن الصور الظاهرة في الفيديو الذي نشرته أعماق، تظهر حصول منفذي الهجوم على أزياء قتالية للحرس الثوري الإيراني، ما يطرح أكثر من تساؤل هنا: هل حصلوا عليها من الداخل الإيراني أم وصلتهم من العراق وسوريا أم أنها أزياء مقلدة وغير أصلية؟
مهما كانت الإجابات، فإن ما حدث كان فشلاً أمنيًا واستخباراتيًا وعسكريًا كبيرًا لإيران، الدولة التي طالما افتخرت بنجاحها في تحييد داخلها من هجمات وتفجيرات الجهاديين رغم مشاركتها في جميع الحروب عليهم، فشل قد يعيد ثقة خلايا تنظيم الدولة النائمة في نفسها، وقد يعجل بتنفيذ هجمات وتفجيرات جديدة، قد تعيد خلط الأوراق في العراق وسوريا، بل ربما في المنطقة العربية بأسرها.