تستهوي السياحة بأنواعها المختلفة الملايين من الناس حول العالم، يجوبون الأرض بما رحبت متنقلين بين المدن ليكتشفوا ما تخبئه من أسرار ويتعرفوا على قصص البشر والحجر فيها، وتختلف أنواع السياحة حسب الحاجة لها، لكن أنواعًا جديدة منها استلهمت مريديها كالسياحة التطوعية وسياحة العمارة وغيرها.
نستعرض هنا نماذج لثلاثة أنواع مختلفة من السياحة الجديدة في الوطن العربي، التي يقبل عليها شباب عربي في مقتبل عمرهم ساعدهم في ذلك تطور وسائل التواصل، مما أتاح لهم نقل تجاربهم إلى المهتمين بسهولة.
السياحة التطوعية
السياحة التطوعية هي نوع جديد من أنواع السياحة ذاع اسمها مع تطور الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، الهدف الأساسي منها مساعدة الآخرين في المناطق المهمشة حول العالم، بجهد شبابي خالص، ورغم كونها سياحة مُتعبة فإنها محاطة بالمتعة وروح المغامرة، يعززها الشعور بفعل الخير ومساعدة الآخرين.
تجوب الشابة البحرينية فجر مفيز أماكن مختلفة من العالم متجولة بين قاراته، تشارك المُحسنين في حملات تطوعية تستهدف فئات مهمشة من الناس، تُعرف فجر نفسها على وسائل التواصل الاجتماعي بأنها تجذبها بقاع الحروب وأراضي الفقر ومواطن الظلم، في حديث لها مع “نون بوست” عن السياحة التطوعية تقول: “السياحات الأخرى تغير لك الجو، أما السياحة التطوعية فتغير لك حياتك”.
من إحدى رحلات الناشطة فجر مفيز (إنستغرام)
تكون المتعة في السياحة التطوعية خارج سياق الرفاهية المفترضة كما في أنواع السياحات الأخرى، إنها متعة من شكل مختلف تعبر عنها مفيز وتقول: “المتعة في رحلات التطوع هو ما تعطيه الشعوب البسيطة لك من قيم جميلة كالقناعة والفرحة والتعاون، فجأة تكتشف كيف أن الناس البسطاء أسعد وأجمل ما في الحياة”.
وسائل التواصل الاجتماعي ساهمت بكسر الصورة النمطية لرحلات السياحة التطوعية وساعدت في تقبل الأهل والمجتمع لها
وتعتبر مفيز أن وسائل التواصل الاجتماعي ساهمت بكسر الصورة النمطية لرحلات السياحة التطوعية وساعدت في تقبل الأهل والمجتمع لها؛ الأمر الذي جعل الكثير من الشباب يفضلونها على السفر غير الهادف في معظم الأوقات، وترى أنها ستكون أسلوب حياة للشباب العربي الواعي في المستقبل القريب.
سياحة العمارة
ارتحل الإنسان منذ القِدم خلف العمارة حيث المدينة والبناء، وتجول في الأرض لزيارة المعالم الحضارية كالتي كانت ترمز للدول في العصور القديمة مثل قصر كسرى جنوب بغداد وأهرامات الجيزة على مشارف القاهرة، وتكون سياحة العمارة بنيّة السفر لمشاهدة المباني التي تدل على التخطيط الحضري الذي يشمل المباني وتخطيط المدن ويعبر عن اختلاف ثقافات الحضارات حسب ما تركوه من تراث معماري كبير في الساحات العامة والأزقة والأماكن الدينية الخاصة بكل زمان، حيث شكلت هذه الأماكن علامات فارقة في التاريخ، وقصدها السياح من ذوي الاهتمامات العلمية والتثقيفية عبر التاريخ.
جمال العطار (فيسبوك)
يدير الفلسطيني جمال العطار مبادرة “صول وجول” كأول مبادرة عربية متخصصة في سياحة العمارة على الإنترنت وتقدم محتوى بصري ومعلوماتي عن سياحة العمارة، بالإضافة إلى تنظيم رحلات سياحية للمهتمين بهذا النوع من السياحة في المدن الأوروبية.
العطار: أن السياحة المعمارية الحديثة لها جمهورها من السياح أيضًا، وتعتبر مقصدًا من مقاصد السفر حول العالم مثل مكتبة الإسكندرية الحديثة، والمباني المصممة بواسطة المعمارية العراقية الراحلة زها حديد
في حديث مع “نون بوست” يقول العطار: “انخفض معدل سياحة العمارة في العالم بعد ظهور ثقافة “السيلفي” التي تهدف إلى المرور على المباني والتقاط الصور معها دون الخوض في غمار الأحداث التي شكلت المكان”، وهذا الأمر ترفضه مبادرة “صول وجول” خلال الرحلات التي تنظمها للسياح العرب المهتمين بالعمارة حول العالم.
أما عن مستقبل سياحة العمارة في الوطن العربي يقول العطار: “الوطن العربي لديه مقومات القيام بنهضة في سياحة العمارة وإعادة تمحوره مرة أخرى، كما كانت مصر محور سياحة العمارة في العالم مع إيطاليا واليونان وإسبانيا”، ويضيف أن الصورة مع الأهرامات خلال القرن العشرين كانت تعتبر الصورة الأساسية لأي رحال في العالم.
ويرى العطار أن السياحة المعمارية الحديثة لها جمهورها من السياح أيضًا، وتعتبر مقصدًا من مقاصد السفر حول العالم مثل مكتبة الإسكندرية الحديثة، والمباني المصممة بواسطة المعمارية العراقية الراحلة زها حديد، وبرج خليفة وأبراج شيكاغو، مع التنويه أن الفروقات بين العمارة القديمة والحديثة واضحة وأن عمارة التاريخ القديم تشكل جذبًا أكبر للسياح لما فيها من عبق التاريخ.
سياحة الذاكرة: “مجازية”
من حساب سارة عسكر (إنستغرام)
“تساءلت يومًا ماذا لو كان هناك متحف للذاكرة؟ متحف يستعرض الأصوات والروائح والوجوه والأمكنة التي عبرناها في حياتنا والتصقت بنا، لم أجد وسيلة أبلغ من الصورة، لتأثيث المتحف، صرت أحمل الكاميرا على رقبتي، في كل جولاتي في المدن، أحبس اللحظة في مشهد، وأوثقها في الكتابة”.
العسكر: ما وجدته كسائحة في المدن العربية هو “الانتماء” لكل شيء، من أصغر قطعة حجر حتى أعظم قبة مسجد
هكذا تحدثت الرحالة الكويتية سارة العسكر إلى “نون بوست” عن جولاتها التي تنشرها في حساب متحف الذاكرة على إنستغرام ويتابعه آلاف المتابعين، وتضيف العسكر: “الذاكرة هي المادة الخفيّة التي تكوّننا، والمتحف يسفر عنها ويكشف تفاصيلها”.
تزور سارة مُدنً شرقية وغربية تُلهمها وتنقل لمتابعيها رائحة الماضي وتفاصيله المختلفة، جامعة بين القديم والحديث، تفتش في بيوت من تركوا لهم بصمة في تاريخ المدن من أدباء وسياسيين وعلماء، وتسرد قصصهم لمن لا يعرفها.
تقول العسكر أن ما وجدته كسائحة في المدن العربية هو “الانتماء” لكل شيء، من أصغر قطعة حجر حتى أعظم قبة مسجد، وأنها مهما شرّقت أو غرّبت، فإن عراقة المُدن تبقى تُطارها وتنتمي إلى أساطيرها.