ترجمة وتحرير: نون بوست
حث المحامي، الذي يُعتبر الحليف الوثيق للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، رودي جولياني، على تنظيم ثورة إيرانية جديدة “والإطاحة” برجال الدين الذين يحكمون إيران، وذلك خلال تجمع للأمريكيين ذوي الأصول الإيرانية المناهضين للحكومة الإيرانية، عُقد يوم السبت الماضي. في الأثناء، تواصل الإدارة الأمريكية تضييق الخناق على طهران.
ألقى جولياني خطابا خلال “قمة الانتفاضة الإيرانية لسنة 2018″، كما أُطلق عليها، التي عُقدت وسط مدينة مانهاتن والتي استضافها كل من المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية (وهو عبارة عن تشكيل يضم جماعات المعارضة في المنفى التي تسعى إلى إنهاء حكم رجال الدين في إيران)، ومنظمة “مجاهدي خلق الإيرانية” (إحدى الجماعات الدينية الإيرانية المناهضة للحكومة، التي كانت على القائمة الأميركية الخاصة بالتنظيمات الإرهابية).
خلال تلك القمة، صرح جولياني أمام الحشود قائلا: “لا أعرف متى ستتم الإطاحة برجال الدين الإيرانيين. قد يكون ذلك في غضون بضعة أيام أو أشهر أو بضع سنوات. لكن ذلك سيحدث عاجلا أم آجلا. وسيتم إسقاطهم، لأن الشعب الإيراني قد ذاق ذرعا بسياستهم”. وأضاف جولياني أن “العقوبات المفروضة على إيران تحقق نجاحا، وستنخفض قيمة العملة الإيرانية بشكل ملحوظ، مما سيهيأ الظروف المناسبة لتنظيم ثورة ناجحة وخالية من العنف”.
تملك منظمة “مجاهدي خلق الإيرانية” خلفية درامية وغريبة بعض الشيء. فقد انضم أعضاءها إلى الثورة الإسلامية في سنة 1979 ولكنهم انشقوا في وقت لاحق عن رجال الدين الحاكمين
في خطاب دام 15 دقيقة، أوضح جولياني أن نهاية المؤسسة الدينية الإيرانية، التي مضى على حكمها 39 سنة، لن تتسبب في تكرار سيناريو الفوضى التي أعقبت الغزو الذي قادته الولايات المتحدة الأمريكية في العراق سنة 2003. وسيعود الفضل في ذلك إلى الجهود التي سيبذلها المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، الذي يضم مغتربين متعددي المهارات.
“حان وقت إنهاء الحكم الملالي”
يعتقد بعض الأمريكيين من أصول إيرانية أن هناك أوجه شبه بين هذا المخطط وسيناريو غزو العراق، حيث يقولون إن العلاقات التي تربط بين إدارة ترامب والمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، الذي ينصب نفسه كحكومة إيرانية قادمة، مثيرة للقلق. وتتمثل أحد أسباب هذا الشعور بالقلق في الرئيسة المنتخبة للمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، مريم رجوي، التي تترأس أيضا منظمة “مجاهدي خلق” المثيرة للجدل، والتي لها خلفية يسارية وتشجع على العنف وتعزز الولاء الأشبه بالعبادة بين أتباعها.
في هذا الصدد، قالت رجوي إن “إيران تمر بفترة حاسمة مع استمرار الاحتجاجات فيها، وقد حان الوقت لوضع حدّ للحكم الملالي. لقد حان الوقت أيضاً كي يعترف العالم بالمطالب المشروعة للشعب الإيراني التي تشمل تأسيس جمهورية حرة تقوم على مبدأ الفصل بين الدين والدولة”.
خلال رسالة مسجلة بالفيديو، حثت رجوي الولايات المتحدة والأمم المتحدة على فرض عقوبات على إيران والضغط عليها، مشيرة إلى أنها رسمت خططا لمكافحة الفقر وتحسين أوضاع حقوق الإنسان في البلاد. كما قدمت وعودا بإجراء انتخابات حرة في إيران في غضون ستة أشهر من الإطاحة بالحكم الملالي. وقد كان حديث رجوي وجولياني موجها للحشود في شوارع نيويورك التي تدعم انتشار موسيقى الروك الإيرانية والموسيقى الكلاسيكية وتساند خطابات الجنرال الأمريكي السابق، جيمس جونز، ووزير الخارجية الفرنسي السابق، برنار كوشنار.
تجمّع لنحو 1500 أمريكي إيراني يرتدون ملابس أنيقة ضد النظام في فندق شيراتون نيويورك
تجدر الإشارة إلى أن كلا من رجوي وجولياني لم يتطرقا إلى الهجوم الذي استهدف عرضا عسكريا لقوات الحرس الثوري ومسؤولين في مدينة الأهواز، التي تقع جنوب غرب إيران، وذلك يوم السبت، ما أسفر عن مقتل 25 شخصا على الأقل. وحيال هذه الحادثة، صرح زعماء إيرانيون أن “الدول الخليجية المدعومة من قبل الولايات المتحدة هي من تقف وراء عمليات القتل”. وقد تحدث أنصار ترامب خلال الفعاليات التي نظمها المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية في السابق، ومن بينهم مستشار الأمن القومي، جون بولتون، الذي قبل توليه منصبه أخبر أعضاء المنظمة أنهم سيحكمون إيران قبل سنة 2019، مؤكدا على ضرورة أن يكون هدفهم هو تغيير النظام.
حتى اللحظة الراهنة، لا يزال العديد من أعضاء منظمة “مجاهدي خلق” الإيرانية عالقين في العراق، حيث فقدت المجموعة دعم حكومة بغداد بعد سقوط نظام صدام حسين
خلال هذا الأسبوع، من المتوقع أن يسلط ترامب المزيد من الضغوط على إيران في الخطاب الذي سيلقيه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة اليوم الثلاثاء، واجتماع مجلس الأمن، الذي سيعقد يوم الخميس، والذي ستكون إيران والتدفق غير القانوني للأسلحة على قائمة محادثاته.
الجدير بالذكر أن إيران شهدت تراجعا في قيمة الريال واضطرابات اقتصادية وموجة من الاحتجاجات التي هزت 80 مدينة منذ شهر كانون الأول/ديسمبر بعد فرض الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية عليها. ومن المتوقع أن تقلص القيود الإضافية التي ستُفرض عليها خلال شهر تشرين الثاني/ نوفمبر حجم صادرات النفط الإيرانية.
في هذا الإطار، أفاد أحد أعضاء المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، علي صفوي، أن مجموعته عادة ما تنظم مظاهرة في الشارع خلال اجتماع الأمم المتحدة السنوي لزعماء العالم، لكنها كثفت نشاطها هذه السنة مع تزايد الضغوط الأمريكية الرامية إلى إضعاف قبضة رجال الدين على السلطة.
منظمة “مجاهدي خلق الإيرانية”؛ مجموعة مثيرة للجدل
تملك منظمة “مجاهدي خلق الإيرانية” خلفية درامية وغريبة بعض الشيء. فقد انضم أعضاءها إلى الثورة الإسلامية في سنة 1979 ولكنهم انشقوا في وقت لاحق عن رجال الدين الحاكمين. كما تتخذ هذه المنظمة من العراق مقرا لها منذ أوائل الثمانينيات، حيث اشتبك مقاتلوها ضد القوات الأمريكية خلال حرب العراق سنة 2003، لكنهم نبذوا سياسة العنف منذ ذلك الحين.
حتى اللحظة الراهنة، لا يزال العديد من أعضاء منظمة “مجاهدي خلق” الإيرانية عالقين في العراق، حيث فقدت المجموعة دعم حكومة بغداد بعد سقوط نظام صدام حسين، مع العلم أن الاتحاد الأوروبي كان يصنف هذه المنظمة ضمن المنظمات “الإرهابية” المحظورة في الفترة الممتدة بين سنة 2002 و2009. كما أدرجت الولايات المتحدة الأمريكية منظمة “مجاهدي خلق” على قائمة المنظمات الإرهابية إلى غاية سنة 2012.
غانجي: “ذهاب جولياني وبولتون إلى هناك لإلقاء بعض الخطابات مقابل الحصول على المال، بصفتهم أعضاء في إدارة ترامب، يوحي بأننا سنستبدل حكومة إرهابية بواحدة أسوأ منها”
من جانبها، تدير رجوي وزوجها مسعود المنظمة على الرغم من أن مقرها لا زال غير معروف إلى حد الآن. وقد أشار تقرير صادر عن مؤسسة راند سنة 2009 إلى الطريقة التي كان أعضاء منظمة “مجاهدي خلق” يقسمون من خلالها “بالولاء لرجوي”. وفي هذا التقرير، تطرق الباحثون إلى “الممارسات الاستبدادية والطائفية” لمنظمة “مجاهدي خلق”، بما في ذلك شرط “الطلاق الإلزامي والعزوبية” المفروض على أعضاء هذه المنظمة، وأن يحل الولاء لرجوي محل “الحب للأزواج والعائلة”.
في حديثه لموقع “ميدل إيست آي” البريطاني خارج فندق الشيراتون، أشار طالب أمريكي من أصل إيراني، يدعى سام غارشاسب، الذي كان قد سافر إلى ميشيغان لحضور الاجتماع، إلى قواعد العضوية الصارمة التي أمرته المنظمة باتباعها والتقيد بها. في هذا الصدد، أفاد غارشاسب، الذي طلب تغيير لقبه حتى لا يتمكن بقية الأعضاء من التعرف عليه، أن “عليه أن يكون مستقيما، وجادا، ولا يمزح مع أحد. كما أن هناك قواعد خاصة أخرى لا يُسمح لي بذكرها”.
عاش غارشاسب، البالغ من العمر 21 سنة، في الولايات المتحدة الأمريكية لمدة خمس سنوات. وقد عبر عن تأييده لإسقاط حكم رجال الدين في إيران ودعمه للعقوبات التي فرضها الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، على الرغم من الصعوبات التي يواجهها أقربائه في الوطن. وقد أكد غارشاسب أنه يدعم منظمة “مجاهدي خلق” الإيرانية، لكن لديه بعض التحفظات عليها.
واجهت المجموعة جملة من الانتقادات الأخرى. ففي سنة 2011، أجرت صحيفة “كريسشان ساينس مونيتور” تحقيقا حول القيادات الكبرى من مختلف الأطياف السياسية التي تُلقي خطابات خلال الفعاليات التي تنظمها منظمة “مجاهدي خلق” الإيرانية. وكشف التحقيق أنه قد تم تقديم عشرات الآلاف من الدولارات للبعض منهم من أجل الإعراب عن دعمهم للمنظمة.
لطالما دعت روكسانا غانجي، الناشطة الأمريكية الإيرانية المؤيدة للديمقراطية، والتي تتخذ من كاليفورنيا مقرا لها، إلى سقوط الحكم الملالي، ولكنها تشكك في الوقت ذاته في المؤهلات الديمقراطية والأخلاقية لمنظمة “مجاهدي خلق”
كما أظهر أحدث استطلاع للرأي العام، أجراه تحالف الشؤون العامة للأمريكيين الإيرانيين، وهي جماعة بحث وضغط في الوقت ذاته، أن 402 من المشاركين الأمريكيين الإيرانيين يميلون بدرجة أقل لرجوي، مقارنة بميلهم للشخصيات السياسية الإيرانية الأخرى. فقد بلغت نسبة المشاركين الذي لديهم مواقف إيجابية تجاه رجوي 7 بالمائة، على غرار نسبة المشاركين الذين يؤيدون المرشد الأعلى، علي خامنئي، التي بلغت 6 بالمائة، في حين أن 55 بالمائة أيدوا سياسات الرئيس، حسن روحاني.
من جانب آخر، أيد 1 بالمائة فقط، من المشاركين في استطلاع الرأي، بقاء النظام الإيراني الذي يقوده رجال الدين، بينما أعرب 8 بالمائة عن رغبتهم في إدخال بعض الإصلاحات عليه. في المقابل، فضل معظم الأمريكيين الإيرانيين (بنسبة 55 بالمائة) إرساء حكومة ديمقراطية علمانية جديدة. في المقابل، يرغب 11 بالمائة منهم العودة إلى نظام حكم الشاه.
من جهتها، لطالما دعت روكسانا غانجي، الناشطة الأمريكية الإيرانية المؤيدة للديمقراطية، والتي تتخذ من كاليفورنيا مقرا لها، إلى سقوط الحكم الملالي، ولكنها تشكك في الوقت ذاته في المؤهلات الديمقراطية والأخلاقية لمنظمة “مجاهدي خلق”. وقد صرحت غانجي أن “الشعب الإيراني يحتقر منظمة مجاهدي خلق”. وأوضحت غانجي أن “ذهاب جولياني وبولتون إلى هناك لإلقاء بعض الخطابات مقابل الحصول على المال، بصفتهم أعضاء في إدارة ترامب، يوحي بأننا سنستبدل حكومة إرهابية بواحدة أسوأ منها”، وفقا لما أفادت به لموقع “ميدل إيست آي” البريطاني.
المصدر: ميدل إيست آي