ترجمة وتحرير: نون بوست
إن اختيار وزراء مثل برونو روتايو وعثمان نصرو وأستريد بانوسيان-بوفيه وباتريك هيتزل، يوضح مدى تفشي كراهية الآخرين، التي كرسها إيمانويل ماكرون، في السنوات الأخيرة. خلال حضوره على قناة “تي إف 1” الفرنسية، أكد وزير الداخلية الفرنسي الجديد برونو روتايو هوسه بقضية الهجرة.
في تصريح يعود إلى 2013، يقول عثمان نصرو الذي عُيّن مؤخرا في منصب وزير الدولة المكلف بالمواطنة ومكافحة التمييز لدى وزير الداخلية: “أنا لا أقول إن العنصرية ورهاب المثلية غير موجودين. لكنهما حكر على أقلية صغيرة”، هذا التصريح مخجل.
وقد أكد الإعلان عن الحكومة الفرنسية الجديدة يوم السبت المعلومات الرائجة في وقت سابق، حيث شكل رئيس الوزراء حكومة يمينية متشددة، يُعرف العديد من وزرائها بمعاداة الأشخاص المختلفين والمسلمين والمهاجرين.
من جانبها، قالت الجمعية النسوية المناهضة للعنصرية والمدافعة عن حقوق المرأة المسلمة، المعروفة باسم “لا لاب”: “مع هذه الحكومة الجديدة، نواجه تنكرا للديمقراطية وهو استمرار لما شهدناه من قبل، كجمعية وعلى نطاق أوسع كنساء مسلمات”.
تعتبر المنظمة، التي دأبت “على مدى ثماني سنوات على إدانة المناورات السياسية التي تؤدي إلى التعبير عن الإسلاموفوبيا والعنصرية والتمييز الجنسي على جميع المستويات الحكومية”، أن التهديد أصبح اليوم “غير مسبوق بالنسبة للمسلمين، وخاصة النساء المسلمات في فرنسا”.
من جانبه، يشير ماثيو باستور، عضو “مسيرة التضامن”، إلى “الوضع الكارثي”، قائلا: “نحن نلاحظ في كل هذا تهديدا كبيرا. لقد ناضلنا ضد قانون جيرالد دارمانين، الذي كان بمثابة بداية تحالف الماكرونيين مع فاشيي التجمع الوطني، الذين صوتوا لصالح هذا القانون معًا. واليوم، تم تعيين الرجل المسؤول عن تشديد هذا القانون”.
استغلال الهجرة
باعتباره معارضا لفكرة استضافة المهاجرين والأجانب دعا ميشيل بارنييه خلال حوار مع صحيفة “لوفيغارو” عام 2021 إلى وقف الهجرة، معربًا عن أسفه لما أطلق عليه “الهجرة المفروضة”. وقد اختار رئيس الوزراء تعيين العديد من الوزراء الذين أثارت تصريحاتهم حول هذا الموضوع جدلا واسعا، على غرار برونو روتايو، الذي يبدو تعيينه على رأس وزارة الداخلية بمثابة مكافأة لكل الذين ينشرون الكراهية ضد المهاجرين.
في خطاب عنصري صريح قال برونو روتايو الذي عين خلفا لجيرالد دارمانين خلال حضوره على قناة “تي إف 1” : “لدي ثلاث أولويات: استعادة النظام، والثانية استعادة النظام، والثالثة استعادة النظام. سأجمع في غضون أيام قليلة المحافظين في المقاطعات العشر التي تشهد أكبر قدر من اضطرابات الهجرة، لأطلب منهم طرد المزيد من المهاجرين وتجاهل تسوية أوضاعهم”.
يسير برونو روتايو على خطى الجبهة الوطنية منذ سنوات، من خلال اعتماد اعتماد عبارات مثل “فرنسيين على الورق”، وبالتالي خلق فئة منبوذة تضم جميع المهاجرين، على الرغم من ولادتهم في فرنسا، والذين حصلوا على الجنسية الفرنسية فقط “للاستفادة” من وثائق الهوية الفرنسية والمزايا الاجتماعية، حسب تعبيره.
كما افتخر زعيم حزب الجمهوريين في مجلس الشيوخ بتشديده إلى حد كبير مشروع قانون اللجوء والهجرة، الذي قدمه وزير الداخلية السابق جيرالد دارمانين، عند عرضه أمام مجلس الشيوخ. وبين إنهاء حق المواطنة بالولادة أو الغاء الجنسية لبعض مزدوجي الجنسية، أو إلغاء المساعدة الطبية التي تقدمها الدولة، أكد ريتايو أن “نص قانون جيرالد دارمانين لم يعد موجودا”.
كما بادر ريتايو بتقديم مشروع قانون في آيار/ مايو 2023، بالتوازي مع مشروع قانون الهجرة، حول “سيادة فرنسا وجنسيتها والهجرة واللجوء” يهدف إلى “وقف الهجرة الجماعية”، ولا سيما الدعوة إلى فكرة اعتماد عدد معين من المهاجرين في السنة، وطرد أي شخص يمثل “تهديدًا للنظام العام” أو تمت إدانته. وفيما يتعلق باللجوء، فهو يدعم الاستعانة بأطراف من خارج الاتحاد الأوروبي.
للدفاع عن مشروع القانون الجديد، وإظهار عدم موافقته على مشروع قانون دارمانين، صرح عثمان نصرو، الذي سيشغل منصب المسؤول عن المواطنة ومكافحة التمييز في وزارة الداخلية الفرنسية، في أيلول/ سبتمبر 2023: “إذا أردنا التحكم في تدفقات الهجرة، فإننا لا يجب أن نوفر مناخا ملائما لذلك، أي تقديم تصريحات إقامة جديدة”. متبنيا بذلك نظرية يروج لها اليمين المتطرف لا تمت للواقع بصلة، مفادها أنه كلما استُقبل اللاجئون بشكل أفضل، زاد عدد الذين يتوافدون على فرنسا.
وأضاف قائلا: “هناك بالفعل بعض التسويات. إذن ما فائدة هذه المادة رقم ثلاثة الشهيرة؟ برسالة مفادها: تعالوا بشكل غير قانوني إلى فرنسا، سيتم تسوية أوضاعكم”. لقد نسي أن يوضح أن نسبة ضئيلة فقط من العمال غير المسجلين يمكن أن يتأثروا بهذا الإجراء المثير للجدل، فأولئك الذين يقيمون في فرنسا بشكل مستمر لمدة ثلاث سنوات على الأقل ويعملون لمدة ثمانية أشهر على الأقل في القطاعات التي تعاني من نقص… وفقا لذلك القانون، فإن القادمين الجدد لن يكون بإمكانهم الاستفادة منه.
فيما يتعلق بأعمال الشغب التي اندلعت في الضواحي بعد وفاة الشاب نايل، الذي قُتل على يد ضابط شرطة في نانتير في حزيران/ يونيو 2023، أعلن برونو ريتايو مؤخرا عبر إذاعة “فرانس أنفو” قائلا: “بالتأكيد، إنهم فرنسيون، لكنهم فرنسيون بهويتهم ولسوء الحظ بالنسبة للجيلين الثاني والثالث، هناك نوع من التراجع نحو أصولهم العرقية”، مما يربط بشكل مباشر بين الهجرة والاضطرابات في الضواحي. ومثله تماما، أكد مود بريجون، المتحدث الرسمي باسم الحكومة الجديد، أن هناك “صلة بين انعدام الأمن والهجرة”.
يوم الأحد 22 أيلول/ سبتمبر، أعربت المديرة العامة السابقة لجمعية “فرنسا أرض لجوء”، دلفين روييو، عن “قلقها” وأشارت إلى “التصريحات المضحكة الكثيرة التي أدلى بها ريتايو وبارنييه بشأن قضايا الهجرة. نود أن لا تكون أداة لتحقيق أهداف سياسية، ولكن يبدو أن الأمور تسير في الاتجاه الخاطئ… في المقام الأول، الخشية الواضحة من عودة الرعب الذي أدخله مجلس الشيوخ (بقيادة ريتايو) في قانون الهجرة إلى النقاش العام”.
إطالة أمد هوس “اليسار الإسلامي”
أشار وزير التعليم العالي الجديد، باتريك هيتزل، في تصريحات أدلى بها في نيسان/ أبريل 2024 قائلا: “إن الأيديولوجية اليسارية الإسلامية أصبحت أكثر تحررا”. يقدم هذا “المحافظ المزعوم” مع ميشيل تابارو، مقترح قرار لصالح إحداث ما يسمونه “لجنة تحقيق تتعلق بالاختراق الأيديولوجي وانحرافات الإسلام-اليساري في التعليم العالي”.
يتم تعريف الإسلام-اليساري، وهو مصطلح مستحدث في الإعلام والسياسة، تروج له خصوصًا حركة “الربيع الجمهوري”، بأنه “ديكتاتورية أيديولوجية تخفي أهدافها السياسية وتوجهاتها الاجتماعية خلف مقاومة الاستعمار الحديث، والأصالة، وأفكار حركة الاستيقاظ (wokeism)”.
ويمكن أن نجد هذه المصطلحات في المعجم الذي أسسه جان ميشيل بلانكر وزير التربية والتعليم، وفريديريك فيدال وزيرة التعليم العالي، خلال فترتهما الوزارية (2017-2022). وكانت فيدال قد أكدت أيضا أنها أطلقت “تحقيقًا حول اليسار الإسلامي في الجامعة”، قبل أن تضطر إلى الاعتراف في سنة 2023 بأنه لم يتم التكليف بأي تحقيق من هذا النوع.
وقد أعربت الباحثة آن لور أميلات ساري في ذلك الوقت عن أسفها في تصريح لـ ميديابارت، قائلة: “لقد وقع الضرر، وساهمت تصريحات فيدال وبلانكير في إضفاء الشرعية على هذا المصطلح الذي كان حتى الآن مقتصرا على اليمين المتطرف”.
جهة برونو روتايو فالمعركة واضحة، حيث أكد لصحيفة “لو جورنال دو ديمانش” في سنة 2022، على سبيل المثال، أن “اليمين يجب أن يقود المعركة ضد أولئك الذين يريدون تدمير حضارتنا: أولئك الذين يتبعون أيديولوجية ‘الاستيقاظ’، واليساريين الإسلاميين، والمجتمعيين”.
كما نجد عثمان نصرو، منغمسا هو الآخر في هذا المعجم، على غرار هذه المقال الذي نشره في آذار/ مارس 2024 في مجلة “فالور أكتويل”، والذي يحدد فيه أن ثقافة “الاستيقاظ” من شأنها أن “تهز الجامعات الفرنسية”. وقبل شهر من ذلك، أكد أنه يرى “خطرا هوياتيا” يتبلور في فرنسا.
التحكم في أجساد النساء المسلمات
في تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، أعرب ميشيل بارنييه عن تأييده لحظر الحجاب داخل الجامعات و”في الأماكن العامة”، وهو إجراء يتبناه بشدة حزب التجمع الوطني، ودافعت عنه مارين لوبان حتى سنة 2022، قبل أن تخفف من تصريحاتها بين الجولتين الانتخابيتين للانتخابات الرئاسية. وأكد برونو روتايو، الذي كافح لمحاولة إدراج حظر الحجاب في الأماكن العامة في “قانون الانفصالية” سنة 2021، أن “الحجاب هو علامة الفصل العنصري الجنسي”.
وأضاف أن “الحجاب الإسلامي ليس مجرد قطعة قماش. إنه اليوم راية لأيديولوجية ترفض الاختلاط والمساواة بين الرجال والنساء والعلمانية الفرنسية”.
بالتالي، فإن حظر العباءة في المدرسة، وهو الإجراء الرئيسي الذي تبناه غابرييل عتال عند وصوله إلى وزارة التربية، لاقى أيضًا نجاحا كبيرا، في ذلك الوقت، بين أعضاء الحكومة الجديدة. استنكرت أستريد بانوسيان-بوفيه، وزيرة العمل الجديدة، في آب/ أغسطس 2023، “رمزية الملابس التي تغطي جسد المرأة في الإسلام”.
ومن جانبه، دعا وزير الداخلية الجديد، المتمسك بالنهج ذاته، غابرييل عتال إلى “الذهاب إلى أبعد من ذلك” في القمع.
ولم يعد البوركيني والحجاب بمنأى عن ذلك أيضًا، حيث نشر ينس فيلومسن، وهو مدير مكتب عثمان نصرو في منطقة إيل دو فرانس، عدة منشورات على على موقع فيسبوك ضد البوركيني. التزم فيلومسن، المنخرط منذ سنوات عديدة في اليمين المتطرف، منذ سنة 2016 بمعارضة حملة “يوم الحجاب” الذي ينظمه معهد الدراسات السياسية بباريس، معتبرا أنه “استفزاز صريح وتحريض مجتمعي”.
وقالت الجمعية النسوية المناهضة للعنصرية والمدافعة عن حقوق المرأة المسلمة: “نحن نعلم أنه يتعين علينا الاستمرار في الضغط وتطوير أنشطتنا النسوية ومكافحة العنصرية وتنظيم أنفسنا من أجل إنشاء مجتمع أكثر عدلاً للجميع”.
وتؤكد الجمعية من خلال “مسيرة التضامن”، التي اعتبرت تجمعا “ضد الفاشية” و”من أجل التضامن ضد العنصرية” في نهاية هذا الأسبوع، على أهمية تكاتف الجهود وحشد التأييد.
في هذا الخصوص، يقول ماتيو باستور: “نحن ذاهبون للكفاح. لم يبق لنا سوى الشارع، يتعين علينا الاتحاد ضد العنصرية، والمطالبة بالمساواة في الحقوق والتضامن مع جميع المهاجرين”، معربا عن أسفه لعجز اليسار عن معالجة هذه القضايا، وحالة الجمود الطاغية على الجمعية الوطنية الفرنسية، حيث تتضاءل استراتيجيات التأثير أمام 143 نائبًا من اليمين المتطرف.
المصدر: ميديابارت