ترجمة وتحرير: نون بوست
كم تبلغ قيمة طفل يمني؟ يبدو أنها لا تساوي الكثير، ففي حال اعتمدنا على حسابات إدارة ترامب، تبلغ قيمة الطفل اليمني حوالي 400 دولار. وتشير المنظمة الخيرية “أنقذوا الأطفال”، التي تتخذ من المملكة المتحدة مقرا لها، إلى أن خمسة ملايين طفل يمني معرضون لخطر المجاعة. وقد ارتفع هذا الخطر بشكل ملحوظ، نتيجة تخوّف إدارة ترامب من تقويض مبيعات الأسلحة التي تصل قيمتها إلى ملياري دولار والموجهة نحو المملكة العربية السعودية والإمارات.
وفقا لتقرير نشر في صحيفة وول ستريت جورنال، كان استمرار بيع الأسلحة للمملكة العربية السعودية عاملا رئيسيا وراء شهادة وزير الخارجية، مايك بومبيو للكونغرس التي تفيد بأن كلا من الرياض وأبوظبي بصدد اتخاذ تدابير فعالة بغية حماية أرواح المدنيين، وهو ما سمح لواشنطن بمواصلة تزويد كلا البلدين بالوقود الجوي والدعم العسكري. وقد جاء ذلك، بعدما أطلقت طائرة سعودية أو إماراتية صاروخا أمريكيّ الصنع استهدف حافلة تقل تلاميذا يمنيين خلال الشهر الماضي.
يأتي إعادة الإدلاء بهذه الشهادة في وقت حرج بالنسبة للمملكة العربية السعودية والإمارات، حيث تدعم كلاهما مختلف المليشيات في محاولة للسيطرة على الحديدة التي تقع تحت قبضة الحوثيين. وتعتبر المدينة التي تضم 600 ألف نسمة في مرحلة حرجة، حيث يتم استيراد حوالي 70 بالمائة من المواد الغذائية التي تصل إلى اليمن عبر مينائها.
على الرغم من أن خسارة الحديدة ستكون بمثابة ضربة استراتيجية مهمة ضد الحوثيين، إلا أنها لن تكون السبب في إنهاء عمليات القتل
لقد بدأ الهجوم، بقيادة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، على الحديدة قبل شهرين، ليتوقف في وقت لاحق قبل أن تُستهدف المدينة مرة أخرى في الوقت الراهن. من جهتها، تزعم القوات التي تقاتل الحوثيين أنها بصدد تحقيق تقدم، على الرغم من أنه من المتوقع أن تستغرق هذه المعركة أسابيع أو أشهرا.
في الأثناء، سيتم إما إبطاء شحنات المواد الغذائية الموجهة لليمن أو منع وصولها. في المقابل، يبدو أنها هذه هي الاستراتيجية المعتمدة من قبل الرياض وأبوظبي لدحر الحوثيين، التي تتمثل في تجويعهم، حتى وإن كان ذلك يعني الموت البطيء للآلاف أو الملايين من المدنيين. عموما، استهدفت الرياض المزارع اليمنية، فضلا عن أفضل الأراضي الزراعية والبنية التحتية المدنية منذ بداية الحرب في آذار / مارس سنة 2015.
على الرغم من أن خسارة الحديدة ستكون بمثابة ضربة استراتيجية مهمة ضد الحوثيين، إلا أنها لن تكون السبب في إنهاء عمليات القتل. في الحقيقة، من المرجح أن تكون خسارة المدينة بداية فصل جديد من حرب يمنية أشد فتكا، تشهد سنتها الرابعة. وحتى في حال تمكنت الميليشيات المدعومة من قبل الرياض وأبوظبي من الاستيلاء على ميناء الحديدة، فلن يعوق ذلك بشكل كبير قدرة الحوثيين على القتال.
على العموم، يواصل الحوثيون السيطرة على المناطق الشمالية الغربية الوعرة في اليمن، وهي منطقة تعتبر مثالية لحرب العصابات التي طال أمدها. وعلى بعد 40 ميلا فقط من داخل الحديدة، تمتد الجبال بداية من السهل الساحلي لتشكل جدارا منيعا. علاوة على ذلك، هناك القليل من الطرق التي يتم الإشراف عليها من خلال سلسلة من القمم التي يتم الدفاع عنها.
لقد استغرقت الميليشيات المدعومة من الرياض وأبوظبي حوالي السنتين حتى تشق طريقها نحو الساحل اليمني المطل على البحر الأحمر، وهي المنطقة المسطحة التي يمكن تموينها بسهولة. فكم من الأشهر أو السنوات ستستْغرق نفس المجموعة من الميليشيات، المتنافسة والمعارضة لبعضها البعض، حتى تشق طريقها عبر جبال اليمن باتجاه العاصمة صنعاء؟ في الأثناء، ستكون هناك كميات أقل من الطعام والمساعدات التي تتجه نحو مرتفعات اليمن التي أصبح اليمنيون فيها بالفعل يتناولون أوراق الشجر.
كانت الإمارات بفضل كفاءتها في تسيير جيشها الضخم من المرتزقة أكثر عنفا وعدوانية في اليمن مقارنة بحليفتها، التي تقوم ببناء القواعد العسكرية خارج كل من مدينة المكلا الساحلية وجزر بريم وسقطرى اليمنية
ربما لا تعد الجبال من بين المشاكل الرئيسية التي تواجه المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، خاصة وأن المناطق التي تسيطر عليها قواتهما بالوكالة، بصورة شكلية، بعيدة كل البعد عن الاستقرار. وعموما، تعاني عدن، المدينة الساحلية الرئيسية الأخرى، من عنف يشمل القيام بعمليات اغتيال وبشن تفجيرات بصفة أسبوعية تقريبا. كما لم يتم استعادة الخدمات الأساسية في المدينة، التي تضم 800 ألف نسمة، حيث لا تزال البطالة متفشية.
وتجدر الإشارة إلى أن المناطق الجنوبية التي تهيمن عليها كل من السعودية والإمارات هزتها الاحتجاجات المناهضة لكلا البلدين. بالإضافة إلى ذلك، أعرب العديد من اليمنيين عن امتعاضهم مما يشاهدونه من سرقة أراضيهم وانتزاعها حتى تحول إلى مناطق استعمارية جديدة، حيث أرست كل من أبوظبي والرياض مجالات نفوذ في هذه المناطق. ومن جانبها، ادعت الرياض سيطرتها على محافظة المهرة الواقعة في أقصى شرق اليمن، حيث تعتزم إنشاء خط أنابيب سيسمح لها بتجاوز مضيق هرمز. وفي المحافظة، ما فتأ السكان يحتجون ومنعوا حتى الآن مواصلة عملية بناء قاعدة عسكرية سعودية.
لقد كانت الإمارات بفضل كفاءتها في تسيير جيشها الضخم من المرتزقة أكثر عنفا وعدوانية في اليمن مقارنة بحليفتها، التي تقوم ببناء القواعد العسكرية خارج كل من مدينة المكلا الساحلية وجزر بريم وسقطرى اليمنية. وقد كانت هذه الجزر في يوم من الأيام بمنأى عن البشر وتندرج ضمن مواقع التراث العالمي لليونسكو. في حين لم يتمكّن السعوديون والإماراتيون من تحقيق الاستقرار في المناطق التي يسيطرون عليها بالفعل بشكل غير رسمي، فكيف سيضْمنون أن القوات المتعصبة، التي يدعمونها، ستتمكن من حكم مدينة الحديدة؟
والجدير بالذكر أن نسبة كبيرة من القوات التي تقاتل الحوثيين من أجل السيطرة على مدينة الحديدة هم من الانفصاليين الذين يعانون من مظالم مشروعة وطويلة الأمد تجاه شمال اليمن. وفي الواقع، يريد البعض منهم فصل جنوب اليمن. وعوضا عن الاستمرار في قتال الحوثيين بعد أن سيطروا على ميناء الحديدة، من المرجح أنهم سيقاتلون بعضهم البعض.
يعد الملايين من اليمنيين معرضين إلى خطر المجاعة في إطار ما يمكن اعتباره أكبر أزمة إنسانية في العالم بحسب الأمم المتحدة
يشكل المقاتلون السلفيون، الذين إما يتعاطف العديد منهم أو يتحالفون سرا مع تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، كذلك جزءا من القوات المعارضة للحوثيين. لكن ما الذي يجب فعله لمنع هؤلاء السلفيين من إرساء حكمهم في مدينة الحديدة تماما كما فعلوا، إلى حد ما، في عدن وفي أجزاء أخرى من اليمن التي يسيطر عليها التحالف؟ من جانبهم، سيواصل الحوثيون بالتأكيد القتال. وعلى الرغم من أنهم لا يحظون بدعم شعبي إلى جانب تفشي الفساد والقمع بشكل متزايد في المناطق التي يسيطرون عليها، إلا أن الحرب ضدهم تمنحهم الشرعية الكافية، للحفاظ على التحالفات التي من شأنها أن تسمح لهم بالحفاظ على نفوذهم في شمال غرب اليمن.
يحيل هذا الأمر بشكل مؤكد إلى أن كمية أقل بكثير من الغذاء والمساعدات ستصل إلى المدنيين الذين يُعتبرون في أمس الحاجة إليها. وكما حذرت الأمم المتحدة، يعد الملايين من اليمنيين معرضين إلى خطر المجاعة في إطار ما يمكن اعتباره أكبر أزمة إنسانية في العالم. عموما، يجب أن تجبر جلّ هذه المعطيات صناع القرار في الولايات المتحدة على طرح الأسئلة التالية: كيف يساعد دعم دولة الإمارات والسعودية، اللتين تواصلان الحرب، اليمنيين؟ وكيف يساهم ذلك في تعزيز الاستقرار الإقليمي أو مصالح الأمن القومي الأمريكي. باختصار، يصب دعم هذه الدول في مصلحة الشركات المصنعة للأسلحة الأمريكية والأجنبية.
حول هذه المسألة، يبدو أن إدارة ترامب توافق مذيع قناة السي إن إن، وولف بلتزر، الرأي أخيرا. ففي مقابلة أجريت في أيلول/سبتمبر سنة 2016، مع السيناتور راند بول، الذي شكك في نوايا الولايات المتحدة إزاء دعمها للحرب في اليمن، قال وولف بلتزر ردا على انتقادات السيناتور بول: “بالنسبة لك تعد هذه المسألة أخلاقية نظرا لأنك تعلم أن الكثير من الأشخاص سيخْسرون عملهم إذا ما توقف التجار عن بيع الطائرات الحربية والمعدات الأخرى المتطورة للمملكة العربية السعودية. لذلك، ستشهد الولايات المتحدة خسارة كبيرة في عدد مواطن الشغل، وفي حجم إيراداتها. فهل يعد ذلك أمرا ثانويا من وجهة نظرك؟”.
من الواضح أن بول يهتم بحياة الملايين من الأطفال أكثر من مبيعات الأسلحة، فلماذا لا تتخذ كل من إدارة ترامب والكونغرس الموقف ذاته؟
المصدر: ذي أمريكان كونسرفاتيف