عادت حركة فتح من جديد لإطلاق سهام التهديد والوعيد تجاه قطاع غزة، بعد أسابيع قليلة فقط من التحرك المصري في ملف المصالحة الداخلية الذي وصل لطريق مسدود بعد أن كان قاب قوسين أو أدنى من إحداث اختراقه جوهرية، قبل عيد الأضحى المبارك.
المهلة المتبقية لقطاع غزة، هي 4 أيام فقط، وذلك بحسب آخر تهديد صدر عن القيادي في حركة فتح ومسؤول ملفها في الحوار الوطني الداخلي عزام الأحمد، الأمر الذي أشعل خلافات جديدة مع حماس، وأثار حالة من القلق لدى سكان غزة، وفتح هذا التصريح معه باب التساؤل واسعًا، عن المصير المجهول الذي ينتظر غزة، بعد تاريخ 1 من أكتوبر المقبل.
وكان عزام الأحمد قد قال خلال مقابلة أجراها التليفزيون الفلسطيني، قبل يومين: “أبلغنا الأشقاء في مصر وبقية الفصائل واللجنة التنفيذية، بأنه لن نبقى ننتظر حماس لإنهاء الانقسام”، مؤكدًا أنه سيتم الانتظار حتى الأول من الشهر المقبل، مضيفًا “إذا بقيت حماس تماطل في تحقيق الوحدة، فلا مفر، وسيتم تقويض سلطتها في قطاع غزة”، بحسب تعبيره.
دعمً للتهديدات التي أطلقها عزام الأحمد تجاه قطاع غزة، يقول عضو المجلس الثوري لحركة فتح يحي رباح: “حماس أمام فرصة ذهبية للعودة إلى طريق المصالحة الوطنية والشراكة أو تحمّل فرض المزيد من العقوبات عليها”
هذه التصريحات التي لاقت استنكارًا وغضبًا فلسطينيًا كبيرًا، كشفت فعليًا حجم الخلاف العميق والشائك بين حركتي فتح وحماس، ويظهر مدى فشل مصر في إحراز أي تقدم بملف المصالحة الذي تتوسط فيه حصريًا، منذ ميلاد الانقسام الفلسطيني منتصف عام 2007.
عقوبات صارمة وحساسة
ودعمًا للتهديدات التي أطلقها عزام الأحمد تجاه قطاع غزة، قال عضو المجلس الثوري لحركة فتح يحيى رباح إن “حماس أمام فرصة ذهبية للعودة إلى طريق المصالحة الوطنية والشراكة أو تحمل فرض المزيد من العقوبات عليها”.
ويضيف رباح أن الإجراءات لن تكون مرتبطة بالشعب الفلسطيني الذي يعتبر الرئيس محمود عباس أحرص الناس عليه، متابعًا: “هذه الإجراءات ستكون بحق الطرف الذي كلما وقعنا معه اتفاقًا يذهب نحو نقضه”.
وأوضح القيادي في حركة فتح أن حركته ردت على الأفكار المصرية الأخيرة منذ فترة طويلة وتم التعاطي بنسبة تتجاوز 90% وبصورةٍ إيجابية، إلا أن حماس لم تجب حتى اللحظة على الورقة وتتهرب من الرد على المصريين وتكتفي بالهجوم على حركة فتح والسلطة الفلسطينية، بحسب وصفه.
وواصل رابح قائلاً: “حماس فضلت التهدئة على حساب المصالحة الداخلية وإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة وعلينا اتخاذ الإجراءات الكفيلة لمنع جعل الانقسام خفيف الثمن”، مشددًا على أن أي إجراءات جديدة ستتخذ سيجري وضع الأطر القيادية كالمجلس المركزي والقيادة الفلسطينية وحتى المجلس الوطني في صورتها.
وعن طبيعة العقوبات أو الإجراءات الجديدة التي تهدد حركة فتح باتخاذها ضد قطاع غزة، بعد تاريخ 1 من أكتوبر المقبل، رفض يحيى رباح الإفصاح عنها، ولكن كشف “نون بوست” نقلاً عن قيادي آخر في الحركة، أن العقوبات ستكون اقتصادية وصارمة وقد تتسبب في شل الحياة بأكملها في القطاع.
عباس اتخذ مطلع أبريل الماضي، عقوبات مشددة على قطاع غزة على خلفية التفجير الذي استهدف موكب رئيس حكومته بغزة
وأضاف القيادي الفتحاوي لـ”نون بوست” إن “شهر أكتوبر المقبل سيكون حاسمًا جدًا، وقد تؤزم الخطوات العقابية المنوي اتخاذها ضد غزة، الأوضاع الداخلية بأكمله، وسيتم تنفيذ التهديدات السابقة التي هدد باتخاذها قبل شهرين لإجبار حماس على تسليم غزة للحكومة والسلطة”.
مصير قطاع غزة
القيادي الفتحاوي أوضح أيضًا أن العقوبات الجديدة ستمس بشكل أكبر المواطنين في غزة، وذلك بتقليص الميزانية المالية المخصصة لقطاع غزة، وسيترتب عليها تقليصات على الرواتب التي تصرف لموظفي السلطة، وستصل إلى أقل من 30%، بعد أن كانت تصل إلى 50%، إضافة لفرض خطوات صارمة في تعامل البنوك الرسمية بغزة وإغلاقها وتعليق التحويلات المالية بشكل تدريجي من غزة وإليها.
ولفت إلى أن الخطوات القادمة ستشمل كذلك تقليصًا كبيرًا لمخصصات الشؤون الاجتماعية التي تصرف للأسر المعوزة في قطاع غزة، وخطوات أخرى تتعلق بفرض رسوم جمركية إضافية وكبيرة على عمليات تصدير واستيراد البضائع من غزة.
ورأى القيادي الفتحاوي أن تلك العقوبات، إضافة إلى العقوبات السابقة، من شأنها أن تشل الحياة بشكل كامل في قطاع غزة، متوقعًا أن يكون لحركة حماس خطوات للرد على تلك الإجراءات بالإسراع نحو مصر ومحاولة إبرام تهدئة طويلة الأمد مع “إسرائيل” مقابل تخفيف الحصار المفروض على غزة.
الجدير بالذكر هنا، أن عباس اتخذ مطلع أبريل الماضي، عقوبات مشددة على قطاع غزة على خلفية التفجير الذي استهدف موكب رئيس حكومته بغزة، وشملت ما باتت تسمى بـ”عقوبات أبريل” خصمًا يتراوح بين 40% و50% من رواتب موظفي السلطة، وتقليص كمية الكهرباء التي تراجع عنها بعد عدم خصمها من أموال المقاصة والتحويلات الطبية، وإحالة الآلاف إلى التقاعد المبكر الإجباري، وتأخير متعمد في صرف رواتب الموظفين، ممَّا ضاعف الأزمة والمعاناة في غزّة.
هذه المعطيات دفعت، عضو المكتب السياسي لحركة حماس خليل الحية، إلى الإعلان بشكل حاسم أن “أي عقوبات جديدة سيفرضها رئيس السلطة محمود عباس على أبناء شعبنا في قطاع غزة، سيقابلها إجراءات فصائلية وشعبية ما يكافئ هذه العقوبات ليرتد السهم على راميه”.
وفي السياق ذاته، جاء تأكيد الناطق باسم حماس فوزي برهوم أن ارتكاب أي حماقات بحق غزة الثائرة لعب بالنار وسيكون لها ما بعدها، وستدشن لمرحلة جديدة “ستتجاوز حدود تفكيرهم وتخطيطهم”، كما وصف.
سياسة التجويع والضغط
من جانبه، أكد عضو اللجنة المركزية للجبهة الشعبية ماهر مزهر، رفضه المُطلق لفرض المزيد من الإجراءات العقابية على الشعب الفلسطيني، واصفًا الإجراءات المفروضة بـ”الظالمة والإجرامية”. وقال مزهر: “ننظر بخطورة بالغة للتلويح بالعصا الغليظة تجاه فرض مزيد من العقوبات على شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة”، مشيرًا إلى أن الأجدر تعزيز صمود الفلسطينيين والتصدي لصفقة ترامب لا تجويعهم.
قائد أركان جيش الاحتلال غادي آيزنكوت: “رئيس السلطة محمود عباس يخنق قطاع غزة عمدًا بهدف السعي لحرب بين “إسرائيل” وحماس، وبالتالي ضرب عصفورين بحجر واحد”
وأوضح مزهر أن التهديد بالعقوبات لا يعزز قدرة الشعب الفلسطيني على الصمود، وإنما يرسخ فكرة الانفصال السياسي والوطني بين غزة والضفة الغربية المحتلة. كما بيّن أن إجراءات عباس لن تصب في مصلحة المشروع الوطني ولن تؤسس للشراكة السياسية بين الفصائل الفلسطينية، موضحًا أن اللغة التي يتحدث بها عباس لا تليق برئيس للسلطة، “فالأصل أن يقدم لهم العون، لا أن يفرض عليهم سياسة التجويع”.
ووفق تسريبات نشرتها صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية، الجمعة الماضية، قال قائد أركان جيش الاحتلال غادي آيزنكوت: “رئيس السلطة محمود عباس يخنق قطاع غزة عمدًا بهدف السعي لحرب بين “إسرائيل” وحماس، وبالتالي ضرب عصفورين بحجر واحد؛ الأول أن تضرب “إسرائيل” حماس بقوة، أما الهدف الآخر فيتمثل في عودة عباس إلى العناوين ومحاولة اتهام “إسرائيل” في العالم بارتكابها للمجازر”.
يذكر أن قطاع غزة، وضعه الاقتصادي المتدهور، جراء الحصار الإسرائيلي المستمر منذ 12 عامًا، لا يحتمل أي عقوبات جديدة من الرئيس عباس، فـ80% من سكانه يعتمدون على المساعدات المقدمة من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، وسط تحذيرات محلية ودولية من تقليص خدماتها.
ويسود الانقسام السياسي أراضي السلطة الفلسطينية منذ منتصف يونيو 2007، في أعقاب سيطرة حماس على غزة بعد فوزها بالانتخابات النيابية، في حين تدير حركة فتح التي يتزعمها الرئيس محمود عباس، الضفة الغربية.