مبادرة جديدة لتعليم مليون فتاة، حملها تميم بن حمد أمير قطر، على رأس أجندة مشاركته بالجمعية العامة للأمم المتحدة المنعقدة في مدينة نيويورك الأمريكية، لتبقى جذر الأمل والإفادة الحقيقية التي سيحصل عليها المجتمع الإنساني من بين أغلب المشاركات العربية التي تركزت في مجملها على التحريض والتحريض المتبادل، وإعادة تذكير العالم بالأزمة الدائرة بين قطر والرباعي العربي، وفق ثقافة قبلية متصحرة لا تتغير، تبدد الطاقات والأموال، وتذهب بها طواعية للدول الكبرى التي أصبحت تفضل العمل مع المنطقة في سمسرة الأزمات، والاكتفاء بالتربح من ريع الخوف على العروش والكراسي، الذي تتحصل من خلاله على أرباح خيالية، بدلاً من الاستثمار والاجتهاد مدفوع الثمن في خدمة الشعوب.
تفاصيل المبادرة التي تعهد بها الأمير القطري لتوفير تعليم ذي جودة، لمليون فتاة حول العالم بحلول عام 2021، جاءت خلال مشاركته في مائدة مستديرة انعقدت على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك بعنوان “حوار القادة.. معًا من أجل تعليم الفتيات في سياق النزاعات والظروف الهشة” ،بدعوة من دولة رئيس وزراء كندا جاستن ترودو، وكشفت تفاصيلها وكالة الأنباء القطرية الرسمية.
سمو أمير البلاد المفدى يعلن عن تعهد دولة قطر بتوفير تعليم جيد لمليون فتاة بحلول 2021 ، جاء ذلك خلال مشاركة سموه في المائدة المستديرة التي عقدت بعنوان "حوار القادة: معا من أجل تعليم الفتيات في سياق النزاعات والظروف الهشة" pic.twitter.com/S4V4iN9gfy
— وكالة الأنباء القطرية (@QatarNewsAgency) September 25, 2018
المائدة المستديرة التي فاجأ أمير قطر من خلالها نساء العالم، ضمت مجموعة من القادة الذين لديهم هم مشترك، في ضرورة توفير أفضل السبل لمواجهة المعوقات التي تحول دون وصول الفتيات والنساء لتعليم جيد، وكيفية تطوير مهارتهن عبر تعليم عالي الجودة، وخاصة بالمناطق التي تشهد نزاعات وأزمات وظروف غير آدمية بالمرة، وهو ما يتماشى تمامًا مع القيمة المتعاظمة التي تعطيها قطر للتعليم، واعتباره صاحب الأولولية القصوى في سياساتها الداخلية، فمنذ سنوات وهي تعبره جوهر برنامجها للمساعدات الإنمائية الدولية.
كانت رؤية قطر الوطنية 2030 التي أطلقها الأمير السابق، وضعت التنمية البشرية أهم ركيزة لها
كانت مجموعة الدول الصناعية السبعة، قد أصدرت هذا العام ما يسمى بإعلان شارلوفوا، المعني بضرورة توفير تعليم جيد للفتيات والنساء في البلدان النامية، وقدم الدعم للمباردة بعض قادة العالم من مجموعة السبع، وعلى رأسهم أمير قطر الذي نفذت بلاده مبادرة ليست أقل في الضخامة وحجم التأثير، وهي مبادرة “علِّم طفلاً” التي ساعدت 10 ملايين طفل، في تلقي تعليم ابتدائي بجودة عالية، كان لقطر نصيب الأسد في الدعم، حيث وفرت ثلث الميزانية المطلوبة، التي توزع على 82 شراكة في 50 دولة بمبلغ 1.8 مليار دولار، ضمن جهود عالمية بين القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني والدولي.
لذا أعلنتُ تعهّد دولة قطر بتوفير تعليم جيد لمليون فتاة بحلول ٢٠٢١، وعن دعمنا لإعلان شارلوفوا لتعليم الفتيات والنساء pic.twitter.com/9UybogaeFY
— تميم بن حمد (@TamimBinHamad) September 25, 2018
لماذا كل هذا الاهتمام القطري؟
منذ عقود، وقطر تولي التعليم أهمية خاصة، ويمكن التأريخ لازدهار هذه الأفكار منذ بداية تولي الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، والد الأمير الحاليّ الذي رسم أغلب سياسات مستقبل البلاد على الأصعدة كافة، وتطرح قطر مكاسبها الآن.
حرص حمد على رئاسة المجلس الأعلى للتعليم بنفسه، حتى يضمن سير القضية نحو الاهتمام المطلوب لأمة لا تملك الكثير من مقومات القوة الإستراتيجية، وعبر جميع أجهزة الإعلام، قدم الرجل تأهيلاً فكريًا للمجتمع، حتى يتشرب مبدأ مهم، لا يحيد عن اعتبار التعليم حجر الأساس للنهضة القطرية الشاملة، في المجالات كافة، وضّمن ذلك في الدستور القطري الذي ينص على أن التعليم دعامة أساسية من دعائم تقدم المجتمع، تكفله الدولة وترعاه وتسعى لنشره وتعميمه.
كانت رؤية قطر الوطنية 2030 التي أطلقها الأمير السابق، وضعت التنمية البشرية أهم ركيزة لها؛ فلا تقدم دون تعليم متطور وتدريب عالي الجودة، يتلاءم مع حاجة سوق العمل وطموحات وقدرات كل فرد، وبهذه الرؤية الإصلاحية النموذجية المنهجية، استطاعت قطر في وقت قصير، حجز مكانة إقليمية ودولية بارزة، تحدت بها عوائق الجغرافيا، لتصبح الدولة الصغيرة بحجم الكليومترات، في مصاف الدول المتقدمة، من خلال مساهماتها الدولية الرائدة، ومشاركتها حمل هموم المجتمع الدولي المتزايدة، وعلى رأسها “التعليم“.
خلقت قطر نظامًا تعليميًا على أعلى مستوى، ويصنف حاليًّا ضمن أفضل الأنظمة التعليمية العالمية، خاصة أنه يتضمن برامج تدريب، تستجيب لحاجات سوق العمل الحاليّة والمستقبلية، ولا تتوقف بل تستمر مدى الحياة وبشكل متاح للجميع، واستطاعت بذلك غلق الفجوة القبلية القديمة في تلقي العلم بين الذكور والإناث، بعدما كانت أزمة مستعصية في بداية انطلاقة التعليم الحديث في قطر.
المدقق لمشوار تطور التعليم القطري، سيقف حتمًا عند العديد من الخطوات المحورية التي تؤكد كيف كان الأمير السابق للبلاد بعيد النظر وذي فكر ورؤية تدخض كل ما أشيع عنه من الدولة المناهضة لبلاده، فالرجل كان وراء إطلاق مبادرة تطوير التعليم عام 2002، وألزم الدولة بدارسة خطط عالمية لإعادة هيكلة التعليم وفق المستويات المستقبلية التي تناسب حجم ثروات بلاده وتطلعاتها على جميع المناحي.
بجانب الإعلام، استطاعت قطر تسويق نفسها عالميًا، والربط بينها وبين التعليم المتقدم في الذهنية العالمية، دعمت هذه الصورة دائمًا عبر تسويق منتجاتها في الدوريات العلمية المختلفة
بدأت قطر روشته الإصلاح، بتحويل المدارس الحكومية إلى مدارس مستقلة متعددة البرامج، بما يضمن مخرجات تعليمية تليق بالمواطن القطري، بداية من الإتقان المتميز لللغتين العربية والإنجليزية على وجه التحديد، بجانب باقي العلوم الأخرى، وبعد عامين فقط من وضع الخطة، افتتح أمير قطر ١٢ مدرسة، وأسرع الخطى في إكمال البرنامج، ليفتتح بعد عامين آخرين ٤٦ مدرسة أخرى، وهو رقم كبير بالنظر إلى عدد القطريين إجمالاً في ذلك التوقيت، الذي لم يكن يتجاوز 750 ألف نسمة.
استمرت المدارس الحكومية في أداء مهامها بجانب المستقلة، رغم تطور الأخيرة وجذبها لأفضل العناصر التعليمية بمستوياتها كافة من داخل وخارج البلاد، لتتحول الدولة إلى نظام المدارس المستقلة بشكل كامل، بعدما أثبت نجاحه وقدرته على مسايرة الأفكار التقدمية في التعليم، وحتى تكون قطر على مستوى الحدث، ألغت وزارة التربية والتعليم، بشكلها المركزي الشمولي، وغيرتها مسمى وخصوصيات إلى المجلس الأعلى للتعليم الذي يترأسه حاليًّا الشيخ تميم بن حمد، أمير البلاد، بما ضمن لقطر قفزة نوعية نحو تعليم متطور على مستوى عالمي.
ومن أجل الطموحات المتزايدة في التعليم، ارتفعت ميزانيته بشكل ضخم من عام لآخر، حيث زادت مخصصاته إلى ٢٢ مليار ريال قطري بحلول عام 2013، ليقفز الرقم إلى 55 مليار عام 2015، قبل أن يعود إلى 19 مليار مرة أخرى بعد أن تكونت البنية العلمية والأصول الثابتة على مدار العقدين الماضيين، وأغلب الموازنة الحاليّة تخصصها البلاد، لمشاريع التعليم الإلكترونية التي تهدف لخلق أجيال تواكب جنون التقدم التكنولوجي.
قطر.. الأقوى عربيًا وعالميًا
بجانب الإعلام، استطاعت قطر تسويق نفسها عالميًا، والربط بينها وبين التعليم المتقدم في الذهنية العالمية، دعمت هذه الصورة دائمًا عبر تسويق منتجاتها في الدوريات العلمية المختلفة، لتقفز من التربع على عرش التعليم في المنطقة إلى أفضل المعدلات العالمية، واستطاعت احتلال المرتبة الرابعة عالميًا والأولى عربيًا في تقرير جودة التعليم العالمي، ﺍﻟﺼﺎﺩﺭ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﻨﺘدىﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻱ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻲ ﻓﻲ ﺩﺍﻓﻮﺱ ﻟﻌﺎﻡ 2015- 2016
قطر ترى جيدًا متطلبات القرن الحادي والعشرين والفرص التي يطرحها، وكذلك التحديات التي ينبغي أن يطوع لمواجهتها المنهج التعليمي الذي ترعاه الدولة بمنتهى الالتزام والحسم والثبات
ملامح التطور القطري المتسارع، كشف الكثير منه، مؤتمر الاستثمار بالتعليم في قطر الذي عقد العام الماضي، واستعرض مسؤولو الدولة اللوجستيات التي وفروها للقطاع الخاص لتشجيعه على الاستثمار في هذا القطاع الحيوي، بداية من الإعفاءات الجمركية ورسوم الكهرباء والماء ومنح الأراضي والمباني المدرسية وتوفير الكتب المدرسية والمنح التعليمية للطلبة القطريين، لتكشف قطر عن بنيتها التحتية التي تضم 23 منهجًا تعليميًا، ومعلمين من دول مختلفة، واستثمارات من جنسيات عديدة.
يمكن القول إن قطر ترى جيدًا متطلبات القرن الحادي والعشرين والفرص التي يطرحها، وكذلك التحديات التي ينبغي أن يطوع لمواجهتها المنهج التعليمي الذي ترعاه الدولة بمنتهى الالتزام والحسم والثبات، لا سيما أنه تطور بما يكفي للاعتماد على ما يسمى باقتصاد المعرفة الذي يتطلب ما هو أكثر من المعرفة، عبر فهم المعرفة ذاتها واستيعابها، والاحترافية في التمكن من أساليبها وتطبيقاتها، لإيجاد حلول خلاقة ومبدعة للمشاكل والأزمات، وتخليق أساليب جديدة لإنجاز الأعمال والأهداف والطموحات، التي يبدو أن لا حدود لها عند قطر وقادتها وأبنائها.