استُهدف السبت الماضي 22 من سبتمبر/أيلول 2018، عرض عسكري في ولاية كوزخستان الواقعة داخل منطقة الأحواز ذات الكثافة العربية، وكان العرض قد نظم بمناسبة ذكرى الحرب العراقية ـ الإيرانية، حيث تعتبر إيران ذاتها منتصرةً على العراق.
ولم يمر الهجوم مرور الكرام، في ظل وقوعه بحضور الرؤوس السياسية والعسكرية الإيرانية، ما أحدث عدة تساؤلات عن طبيعته وأهدافه ومن يقف خلفه؟
هل المنفذ منظمة مسلحة أم الاستخبارات الإيرانية؟
بينما تبنى تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” وحركة النضال العربي لتحرير الأحواز، مسؤولية تنفيذ العملية، مال بعض المحللين لترجيح سيناريو ضلوع الاستخبارات الإيرانية بهذا العمل.
لكن يبدو أن سيناريو تنفيذ المنظمات المسلحة، دون القدرة على تأكيد ما المنظمة الضالعة بالهجوم، هي التي تقف وراء الهجوم، لعدة أسباب، أهمها:
1ـ مس الهجوم بالهيبة الدبلوماسية والعسكرية لإيران، لا سيما في ظل استهداف الهجوم لأقوى مؤسسة عسكرية فيها، فلا يعقل أن تكون الاستخبارات الإيرانية قد تعمدت مس هيبة بلدها ببثٍ حي كان يشاهده العالم أجمع.
2ـ عدم قدرة أي دولة حول العالم تعلم كل الأمور المتعلقة بذاتها والدول المجاورة، أي أن هناك بعض الثغرات في أي دولةٍ حول العالم، يمكن استغلالها من المخططين لتنفيذ أي عمل اختراقي، وقد تم ذلك من خلال ارتداء المنفذين للهجوم زي قوات “الباسيج”، وفي الحقيقة، يوحي هذا التخطيط باحتمال وجود جهاز استخبارات إقليمي أو دولي ساهم في التخطيط للهجوم.
ترمي إيران إلى الاستفادة من مزامنة الحدث للاجتماع السنوي الدوري للجمعية العامة التابعة للأمم المتحدة، في سبيل إرسال رسالة للعالم مفادها: “تحركنا داخل حدودنا أو خارجها يأتي في إطار محاربة المنظمات الإرهابية التي تحاول استهداف أمننا القومي”
3ـ توقيت الهجوم وحاجة المنظمات المسلحة المستمرة لإحداث اضطرابات وقلاقل تمس مؤسسات الدولة، تقول رئيسة وزراء بريطانيا السابقة مارغريت ثاتشر: “الدعاية والإعلام هما أكسجين المنظمات المسلحة”، وفي ظل تقوقع حالة تنظيم “داعش” الذي يريد أن يخاطب مناصريه، وبالأخص الذئاب المنفردة، بأننا “لا زلنا على عهدنا في إكمال مشوارنا ضد الدول المعادية”، وفي ضوء حاجة الحركات الأحوازية لشحذ عواطف الجماهير العربية الأحوازية، واستجداء الدعم الإقليمي والدولي، يصبح سيناريو قيام المنظمات المسلحة بالهجوم هو الأكثر رجوحًا.
كيف استفادت إيران من الهجوم إعلاميًا ودبلوماسيًا؟
على الرغم من النتيجة السلبية التي أحدثها الهجوم، جراء مسه بهيبة إيران العسكرية، فإن إيران تحاول، حسب ما يبدو، الاستفادة منه إعلاميًا ودبلوماسيًا في تحقيق التالي:
ـ انطلاقًا من جغرافية الحدث، أي منطقة الأحواز، اتجهت إيران نحو مهاجمة الدول التي تدعم الحركات الأحوازية، سواء ماديًا أم من خلال السماح لهذه الحركات بالإقامة، فكانت هولندا والدنمارك وبريطانيا والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، في مقدمة الدول المهَاجمة، حيث أرادت إيران، حسب ما يبدو، إحراج هذه الدول على الساحة الدولية، ودفعها لتخفيف دعمها لهذه الحركات التي تقوم “بالأعمال الإرهابية”.
ـ انطلاقًا من توقيت الحدث، ترمي إيران إلى الاستفادة من مزامنة الحدث للاجتماع السنوي الدوري للجمعية العامة التابعة للأمم المتحدة، في سبيل إرسال رسالة للعالم مفادها: “تحركنا داخل حدودنا أو خارجها يأتي في إطار محاربة المنظمات الإرهابية التي تحاول استهداف أمننا القومي”، أي أنها تحاول إضفاء “شرعية” على تحركها خارج حدودها القومية، وقد تحاول أن تهاجم الولايات المتحدة على وجه التحديد، من خلال اتهامها بدعم منظمات إرهابية تستهدف إيران التي تحاول إنقاذ الاتفاق النووي المبرم بينها وبين دول 5+1.
الهجوم أدى إلى نتائج إيجابية لصالح إيران، رغم مسه بهيبتها الدبلوماسية والعسكرية
أيضًا، تحاول إيران إرسال رسالة إلى الدول الأوروبية مفادها: “كما ترون هناك إرهابيون يحاولون تقويض أمننا القومي، لذا لا بد أن نتحرك هنا أو هناك من أجل الدفاع عن أمننا القومي”، وفي ضوء ذلك أيضًا، قد تحاول إيران توظيف هذا الحدث في دعم تحركها المباشر أو غير المباشر في دول المنطقة، وبالأخص المنطقة المجاورة للدول الخليجية، أي اليمن، من أجل تقوية روافعها ووكلائها في عمليات التسوية التي تشهدها الدول الواقعة تحت إطار نفوذها، لا سيما أنها تشهد عملية “تحجيم” دولية إقليمية، فقد يفيد ذلك إيران في سبيل الدفاع عن سبب محاولتها للانتشار في دول المنطقة.
وفي إطار تهديد إيران من رؤوس الدولة، وخاصة المرشد العام علي خامنئي، المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، يتوقع أن تتجه إيران نحو استهداف السيادة الإقليمية، أي داخل حدودها القومية، أو السيادة المؤسسية؛ أي السفارات والمؤسسات الخارجية التابعة لها، مما يجعل هذه الدول مضطرة لأخذ هذه التهديدات على محمل الجد.
في المحصلة، يبدو أن الهجوم أدى إلى نتائج إيجابية لصالح إيران، رغم مسه بهيبتها الدبلوماسية والعسكرية، إذ إنها قد توظف هذا الحدث على نحو إيجابي يشرعن تحركها في إطار إستراتيجيتها القائمة على التحرك الاستباقي الوقائي الهجومي خارج حدودها القومية، على أقل تقدير.