أعاد قرار وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمغرب، تعقب حسابات أئمة المساجد والعلماء على مواقع التواصل الاجتماعي، الجدل في المملكة المغربية بخصوص الرقابة المفروضة على رجال الدين في البلاد واستخدام السلطات الحاكمة للمؤسسات الدينية لخدمة توجهاتها الرسمية.
إحصاء شامل للأئمة
من المنتظر أن يبدأ مندوبو وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمغرب، في إعداد إحصاء شامل للأئمة والأئمة المرشدين والمرشدات الذين لديهم حسابات على مواقع فيسبوك وتويتر وإنستغرام وجوجل بلس، استجابة لطلب الوزارة منهم ذلك.
الوزارة طلبت أيضًا من السابق ذكرهم وفق مذكّرة وقع تعميمها عليهم، بموافاتها بنتائج هذا الإحصاء قبل نهاية أكتوبر/تشرين الأول المقبل، وفي تفسيرها لهذا الإجراء قالت الوزارة إنها تشجع كل ما يرد من جهة العلماء والأئمة في منابرهم الإلكترونية مما يتوافق مع الثوابت وما يناسبها من شرح أحكام الدين ومكارمه، لكنها – في المقابل – ستتعامل مع ما يرد في هذه المنابر مما ينأى عن هذه الثوابت والالتزامات بالتنبيه عليه من جهة المؤسسة العلمية التي لها الصلاحية وحدها للحكم على المضمون”.
رغم منع السلطات، الخطباء من الخوض في السياسة، فإنها كثيرًا ما تسخّرهم للترويج لخطاب الدولة في العديد من الشؤون
وأضافت “لن يترتب عنه أي إجراء إلا بقدر الإصرار على المخالفة التي تجعل لصاحب المنبر الإلكتروني حديثين: حديثًا ملتزمًا في المسجد، وحديثًا “مناقضًا” يصدر عن الشخص نفسه الذي يعرفه الناس في المسجد”، وفق ما جاء في البيان التوضيحي.
ونبهت الوزارة إلى أن مهمة العلماء والأئمة والخطباء والوعاظ كانت وستبقى هي التواصل مع الناس، وتكنولوجيا التواصل الاجتماعي تعد نعمة كبرى إذا استعملت في التبليغ النافع، ووفق وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أحمد التوفيق، فإن هذا الدليل يحمي المساجد من التشويش الذي ينافي الطمأنينة التي يتطلبها عامة الناس.
استمرار لسياسة الرقابة
هذه الخطوة، أثارت استياء الكثير من الأئمة في المغرب، فلئن رفض عدد كبير منهم التحدّث لنون بوست خوفًا من “غضب” وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية وفق قولهم، فقد عبّر عدد قليل منهم عن خشيتهم من أن يطالهم “العقاب” نتيجة ما يكتبون في صفحاتهم الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي.
عدد من الأئمة رفضوا الإفصاح عن أسمائهم، اعتبروا هذه الخطوة استمرارًا لسياسة الرقابة وتكميم الأفواه التي تنتهجها السلطات منذ فترة في تعاملها مع الأئمة والخطباء وعلماء الدين، فمؤسسات الحكم في المملكة ترفض خوض الأئمة في المجال السياسي الذي يهم البلاد أو حتى الدول الأخرى، وتهدف إلى التحكم في الفاعلين الدينيين والممارسات الدينية، عن طريق مختلف آليات الضبط والتحكم (المجلس الأعلى، المجالس المحلية، هيئة الفتوى…).
ويخضع الحقل الديني في المغرب للرقابة، حيث يتحكم الهاجس السياسي والأمني في سلوك مؤسسات الدولة إزاء الدين، وينتج المغرب الخطاب الديني من خلال المؤسسات التي تشرف عليه ومن خلال الأجهزة والرموز (إمارة المؤمنين، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، الرابطة المحمدية للعلماء، دار الحديث الحسنية).
نص المراسلة
سبق أن قرّر العاهل المغربي سنة 2014، حظر النشاط السياسي على القائمين على الشأن الديني، ومنع خطباء المساجد من الخوض في السياسة وأمورها، حيث يعتبر العاهل المغربي أعلى سلطة دينية في البلاد وهو يحمل لقب “أمير المؤمنين” بموجب الدستور.
ورغم منع السلطات، الخطباء الخوض في السياسة، فإنها كثيرًا ما تسخّرهم للترويج لخطاب الدولة في العديد من الشؤون، والترويج لبعض المشاريع السياسية التي تطلقها، وهو ما يتنافى مع قرارها فصل السياسة عن المساجد، وتسعى السلطات المغربية إلى بناء أو على الأقل توظيف بعض الفاعلين الدينيين من أجل ترويج توجهاتها.
عدد من الأئمة في المغرب يرون، أن لا حول لهم ولا قوّة فوق المنبر، فهم ملزمون بقراءة ما هو مكتوب على الورق الذي تبعثه وزارة الأوقاف لهم كل أسبوع دون زيادة ولا نقصان حتى لا يختل المعنى المراد إيصاله للمصلين من الوزارة.
الخوف من مواقع التواصل الاجتماعي
أكد قرار وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربية الأخير، خشية السلطات من خروج الخطاب الديني عن سيطرتها، في مواقع التواصل الاجتماعي، فهي إلى الآن تتحكم فقط في المساجد وتسعى بهذا القرار إلى التحكم أيضًا في مواقع التواصل الاجتماعي تحت تعلة “الخوف على الأمن العام” و”مس الهوية الدينية الرسمية للمملكة”.
وتكتسب مواقع التواصل الاجتماعي على غرار موقع “فيسبوك” و”توتير” و”يوتيوب”، مكانة مميزة في المغرب، ذلك أن معظم المغاربة يستعملون الإنترنت، وتستعمل هذه المواقع للتعبير عن الرأي والمواقف السياسية دون أي تعقيدات، لذلك تخشى السلطات الحاكمة منها.
تسعى السلطات المغربية إلى احتكار السلطة الدينية وتوجيهها وفق الرؤية التي تريد
يقدر عدد مستخدمي الإنترنت في المغرب بـ20 مليون مستخدم، أي ما يمثّل 57.6% من مجموع السكان، ويبلغ عدد مستخدمي موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” 13 مليون مستخدم سنة 2015، وهو ما يمثل 39% من مجموع السكان.
وتعتبر المسألة الدينية بالغة الأهمية بالنسبة إلى سياسة الدولة، ذلك أنها تندرج ضمن إستراتيجيتها العامة التي تتحدد وفق متطلبات المرحلة، وتشتمل على أهداف إستراتيجية، ترمي إلى معاضدة مجهودات الدولة في شتى المجالات وترويج الخطاب الذي تتبناه.
احتكار السلطة الدينية
هذا القرار، يتنزّل وفق عدد من المغاربة في إطار سعي السلطات المغربية إلى احتكار السلطة الدينية وتوجيهها وفق الرؤية التي تريد، فقد انتقلت من تكميم الأفواه وتبخيس دور الإمام داخل المسجد إلى مراقبة نشاطه على شبكة التواصل الاجتماعي، حتى يصبح الإمام بذلك صوتًا للمخزن لا غير.
خلال السنوات الأخيرة، لم تعد المساجد في المغرب، المؤسسة التي تروج لفكر ديني وتنوير المجتمع في أمور تهم الفقهيات، بل أصبحت تنخرط بدورها فيما يروج له النظام نتيجة الرقابة الشديدة للمؤسسة الرسمية التي تمثلها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، بذلك أصبحت المساجد فضاءً يمرر فيه النظام خطبه.
يبلغ عدد المساجد في المغرب 51 ألف مسجد، منها 70% بالمجال القروي، بعض المساجد أنشأها متبرعون والبعض الآخر قامت وزارة الأوقاف بإنشائه، وتتميز هذه المساجد بالفن المعماري الإسلامي الأندلسي الذي تزينه الكثير من الزركشات والنقوش الجميلة.
ارتفاع عدد المساجد في المغرب
فيما يبلغ عدد أئمة المساجد بالمغرب نحو 50 ألف إمام، إلى جانب ألفي إمام مرشد وتسعمئة مرشدة دينية من خريجي معهد محمد السادس لتكوين الأئمة المرشدين والمرشدات الذي تم افتتاحه في مارس/أذار 2015.
ويزيد عدد الأئمة والمرشدين الذين يتلقون تكوينهم في هذا المعهد على 1000 طالب وطالبة، ويستغرق التكوين الذي يتلقاه الطلبة المغاربة سنة واحدة يشترط فيهم أن يكونوا حاملي إجازة جامعية، فضلاً عن حفظ القرآن حفظًا تامًا بالنسبة للذكور ثم يجتازون مقابلات القبول.
وتشكل وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، القناة المركزية التي تترجم السياسة الدينية للمملكة المغربية، حيث تتحمل مسؤولية خدمة المرفق العام وتتمتع بخاصية أداء مهمة رسمية في المجال الديني وتتعلق بشكل مباشر باختصاصات الملك بصفته أميرًا للمؤمنين، وهو ما يفسر أن اختصاصاتها وتنظيمها كان يحدد دومًا بظهير شريف وليس بمرسوم كما هو الشأن بالنسبة لقطاعات وزارية أخرى.
ماذا عن الزوايا والمشرفين عنها؟
قرار الوزارة لم يشمل العاملين في الزوايا رغم أهميتها الكبرى في السياسة الدينية الرسمية للمملكة المغربية، ويفسّر العديد من المغاربة أن السلطات لا تخشى القائمين على الزوايا فهم يأتمرون بأمرها ولا يسمعون كلام سواها، ومن أهم الزوايا في المملكة نجد الزاوية البوتشيشية أو التيجيانية التي لها صيت حتى أعماق إفريقيا رغم تراجع تأثيرها.
وتحتضن المملكة المغربية العديد من الطرق الصوفية التي أضحت مع الوقت الجزء الأبرز ضمن الآليات التي تحافظ بها المملكة على هويتها الدينية، فضلاً عن كونها اليد الطولى للملك ونظامه، التي يسعى من خلالها إلى تثبيت سلطته ونظام حكمه.
مع الوقت تحولت الزوايا الصوفية إلى أجهزة إدارية تابعة لنظام الحكم في المملكة تخدم مصالحها وتدافع عنها
يعود هذا الصعود اللافت للتصوف الطرائقي في المغرب، إلى هجمات 16 من مايو 2003 الإرهابية بالدار البيضاء، حيث تم وضع خطة إعادة هيكلة الحقل الديني التي اتخذت من التصوف السني أحد معالمها الأساسية في ضمان الأمن الروحي للمملكة.
وأصبح التصوف السني في السنوات الأخيرة من مسلمات الخطاب الديني الرسمي في المغرب وعماد السياسة الدينية وأحد الركائز الأساسية في تعريف الهوية والخصوصية الدينية المغربية إلى جانب المذهب المالكي والعقيدة الأشعرية، وتم اعتماده كمحدد مركزي لإعادة هيكلة الحقل الديني.
هذا التوجه الرسمي، انعكس بشكل كبير على عمل وممارسة الطرق الصوفية وعلى حضور التصوف الطرائقي في المشهد العمومي والإعلامي المغربي عبر توسيع مساحات نشاط واشتغال التصوف، ليشمل الثقافة والفن والموسيقى والبحث الأكاديمي.
ويرى العديد من المغاربة، أن طبيعة التنشئة السياسية التي يتلقاها مريدو الزوايا والطرق الصوفية تكرس بشكل متزايد الثقافة السياسية القائمة على الانكفاء والانشغال بالدين بمفهومه الطقوسي والشعائري بعيدًا عن الاهتمام والخوض في أمور الشأن العام، فمع الوقت تحولت الزوايا الصوفية إلى أجهزة إدارية تابعة لنظام الحكم في المملكة تخدم مصالحها وتدافع عنها وتبررها أمام الناس وتسهم في تحقيق أهدافها وسياساتها، وتجعل من نفسها أداة ووسيلة للدفاع عنه وتكريس شرعيته.