ترجمة وتحرير: نون بوست
نحن في خضم لحظة ثقافية غريبة تتعلق بصحة الأمعاء، فقد انتشر الحديث عن متلازمة القولون العصبي على وسائل التواصل الاجتماعي، من مقاطع الفيديو على تيك توك إلى المنشورات على إنستغرام وإكس وغيرها من المنصات، وظهرت خلال السنوات القليلة الماضية لوحات إعلانية في لوس أنجلوس ومدن أخرى كُتب عليها “الفتيات الجذابات مصابات بمتلازمة القولون العصبي“.
نتيجة لذلك، تحوّل الموضوع الذي كان من الصعب مناقشته اجتماعيًا إلى أمر طبيعي. تقول أخصائية أمراض الجهاز الهضمي الدكتورة روشيني راج، الأستاذة المساعدة في كلية غروسمان للطب بجامعة نيويورك ومؤلفة كتاب (تجديد الأمعاء): “إنها بالتأكيد ظاهرة جديدة. فهو موضوع يشعر المزيد من الناس بالراحة في الحديث عنه، كما أن المزيد من الناس أصبحوا أكثر اهتمامًا بصحة أمعائهم”.
ما هو القولون العصبي؟
يعد القولون العصبي اضطرابًا وظيفيًا في الجهاز الهضمي، ويتميز بأعراض مثل الانتفاخ والغازات وآلام البطن والتقلصات والإمساك والإسهال. وتعد هذه المتلازمة أكثر شيوعًا بين النساء؛ حيث تؤثر على أكثر من ضعف عدد النساء مقارنة بالرجال، لكن الرجال يعانون منها أيضًا.
وبفضل منشورات وسائل التواصل الاجتماعي، قد يكتشف الناس إصابتهم بمتلازمة القولون العصبي بناءً على الأعراض التي يعانون منها، أو قد يلفتون انتباه أطبائهم إليها.
تقول الدكتورة شابنام ساركر، وهي أستاذة مساعدة في قسم أمراض الجهاز الهضمي والكبد في المركز الطبي بجامعة فاندربيلت: “عندما يشارك الناس قصصهم، يزداد الوعي [بمرض القولون العصبي]، ومع هذا الانتشار، يدرك الناس أن الأعراض التي يعانون منها ليست طبيعية، ويدركون أن الأمر غير صحي”.
يوافق الدكتور بريان كورتين مدير مركز طب الجهاز الهضمي العصبي والحركة المعوية في معهد ميليسا ل. بوزنر لصحة الجهاز الهضمي وأمراض الكبد في مركز ميرسي الطبي في بالتيمور على ذلك، ويقول: “إن الجانب الإيجابي لهذا الانفتاح في مناقشة القولون العصبي هو أنه لم يعد أمرًا مخجلًا، وأن الأشخاص الذين يعانون من هذه الحالات أصبحوا يشعرون بوحدة وعزلة أقل”.
كيف تعرف ما إذا كنت تعاني من القولون العصبي؟
على الرغم من عدم وجود اختبار عادي أو كيميائي لمرض القولون العصبي، إلا أن هناك معايير محددة لتشخيصه، وتسمى معايير روما، وتشمل هذه المعايير ألم البطن الذي يتكرر بمعدل يوم واحد على الأقل أسبوعيًا خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، إلى جانب تغيرات في عدد مرات ومظهر البراز (من بين أعراض أخرى). تشمل الأنواع الفرعية لمتلازمة القولون العصبي: القولون العصبي الذي يغلب عليه الإمساك، والقولون العصبي الذي يغلب عليه الإسهال، والقولون العصبي المختلط، ومتلازمة القولون العصبي غير المصنفة.
بعبارة أخرى، تشخيص القولون العصبي هو تشخيص سريري يعتمد على التاريخ الطبي للشخص والفحص البدني ومجموعة الأعراض الشخصية. ولكن نظرًا لأن اضطرابات الجهاز الهضمي الأخرى – مثل الداء البطني وأمراض الأمعاء الالتهابية مثل مرض كرون – يمكن أن يكون لها أعراض مشابهة للقولون العصبي، فغالبًا ما يطلب الأطباء إجراء اختبارات لاستبعادها قبل تشخيص القولون العصبي.
وبعيدًا عن الوسوم الرائجة على وسائل التواصل، فإن أحدث الأبحاث تشير إلى أن متلازمة القولون العصبي أكثر انتشارًا، حيث تؤثر على 6.1 بالمئة من الأشخاص في الولايات المتحدة. ويقدر الخبراء أن ما يصل إلى 10-15 بالمئة من الأشخاص في الولايات المتحدة يعانون من متلازمة القولون العصبي، وقد يكون الكثير منهم غير مشخص، كما تقول راج.
لماذا تزداد حالات الإصابة بمتلازمة القولون العصبي؟
الجهاز الهضمي جهاز معقد، والسبب الدقيق للقولون العصبي ليس مفهومًا بشكل جيد حتى الآن، فقد يكون مرتبطًا بمشاكل في حركة الأمعاء أو نفاذيتها، ويعتقد العديد من الخبراء أن له علاقة بنوع النظام الغذائي الذي يتبعه الشخص واختلال تنظيم ميكروبيوم الأمعاء، بما في ذلك البكتيريا، التي تعيش بشكل طبيعي في الجهاز الهضمي.
قد يكون الأمر مرتبطًا أيضًا بالتوتر، وتوضح ساركر: “القولون العصبي هو اضطراب في محور الدماغ والأمعاء. فالأمعاء تحتوي على الكثير من الأعصاب، والطريقة التي تعمل بها الأعصاب تؤثر على حركة الأمعاء والألم والانتفاخ. تلعب الضغوطات النفسية دورًا كبيرًا في متلازمة القولون العصبي، وقد ازدادت هذه الضغوطات كثيرًا منذ الجائحة”.
ويقول الدكتور دارين برينر، أخصائي أمراض الجهاز الهضمي وأستاذ الطب والجراحة في كلية الطب بجامعة نورث ويسترن فاينبرغ في جامعة نورث ويسترن للطب، إن زيادة انتشار القولون العصبي قد تكون مرتبطة أيضًا بكوفيد-19 لأن “الأمراض الفيروسية يمكن أن تحفز اضطرابات الجهاز الهضمي”. في الواقع، وجدت مراجعة أجريت سنة 2023 لدراسات حول هذا الموضوع أن الإصابة بفيروس كوفيد-19 ارتبطت بإصابات جديدة بالقولون العصبي؛ وكان هذا منتشرا بشكل خاص بين النساء والأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب أو القلق.
وعلى الرغم من أن القولون العصبي لا يهدد الحياة، إلا أنه قد يكون تجربة صعبة ويؤثر سلبًا على جودة حياة الشخص. تقول ساركر: “القولون العصبي قد يؤدي إلى تغير في سلوك الكثير من الناس للتغلب على الأعراض التي يعانون منها”. قد يدفعهم ذلك إلى رفض الدعوات لحضور الحفلات أو المناسبات الاجتماعية الأخرى لأنهم قلقون من الإصابة بنوبة، أو قد يدفعهم ذلك إلى تجنب النشاط البدني.
طرق العلاج
وجدت الأبحاث أن أحد عيوب الحديث عن متلازمة القولون العصبي على وسائل التواصل الاجتماعي هي أن بعض المعلومات التي تتم مشاركتها ليست صحيحة، فإذا بدأ الأشخاص الذين يعانون من أعراض القولون العصبي في التصفح المفرط، فقد يزداد قلقهم وتوترهم المفرط، مما قد يؤدي إلى تفاقم أعراضهم، كما قد تغريهم المنتجات التي تُباع عبر الإنترنت، والتي تعدهم بالقضاء على الانتفاخ، لكنها قد لا تكون ذات فائدة تُذكر.
ونظرًا لأن أعراض القولون العصبي وشدته يمكن أن تختلف من شخص لآخر، فلا توجد استراتيجية علاج واحدة تناسب الجميع، يقول برينر: “الشيء الجيد هو أن لدينا العديد من البدائل العلاجية، لذا يمكن للناس اختيار علاجهم. ولكن لا يوجد علاج نهائي لهذا الاضطراب، والأعراض تزداد وتنقص، ولكن لدينا عدة طرق يمكنها تحسين الأعراض ونوعية الحياة”.
يشمل ذلك تعديل النظام الغذائي مثل زيادة تناول الألياف والماء وتجنب الأطعمة المحفزة المحتملة مثل الغلوتين ومنتجات الألبان. تقول ساركر: “قد يكون الاحتفاظ بقصاصات غذائية أحد الأمور التي تساعد في تحديد محفزات القولون العصبي”.
وقد تشمل العلاجات الأخرى المستحضرات النباتية (مثل زيت النعناع، الذي يمكن أن يقلل من التشنجات المعوية)، أو المعدلات العصبية (مثل بعض مضادات الاكتئاب)، أو المضادات الحيوية، أو الأدوية التي تؤثر على حركة الأمعاء. يمكن أن تكون الأساليب العقلية الجسدية – مثل العلاج السلوكي المعرفي والتأمل والتنويم المغناطيسي الموجه للأمعاء – مفيدة أيضًا لأن “علاقة الأمعاء والدماغ حقيقية جدًا وأكثر وضوحًا لدى الأشخاص المصابين بمتلازمة القولون العصبي”، كما تقول راج.
ويعتبر الحصول على قسط وافر من النوم وممارسة التمارين الرياضية بانتظام مفيدًا أيضًا في السيطرة على القولون العصبي. وقد يعتمد العديد من الأشخاص المصابين بمتلازمة القولون العصبي على مجموعة متنوعة من الاستراتيجيات العلاجية لعلاج هذه الحالة.
تقول ساركر: “لا يوجد علاج نهائي للقولون العصبي. ولكن يمكننا التحكم فيه والوصول بك إلى نوعية حياة أفضل بكثير”.
المصدر: تايم