تعرّض أنصار جماعة الإخوان المسلمين في مصر ومعارضو انقلاب الـ3 من يوليو لأبشع مجزرةٍ في التاريخ الحديث، في الـ14 من أغسطس عام 2013، حسب تصنيف منظمة هيومن رايتس ووتش لما جرى في ميدان رابعة العدوية والنهضة قبل خمس سنوات.
خلال هذه الأعوام الخمس، فشلت الجماعة في صياغة مشروعٍ واقعي للخروج من أزمتها، وهي الأزمة التي نتجت عن تحالفٍ إقليمي قادته الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، وتحالف مصري داخلي بقيادة المؤسسة العسكرية التي انقلبت على الدكتور محمد مرسي بدعمٍ مالي ودبلوماسي من الجارتين الخليجيتين، واستمر نزيف الجماعة منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم، اعتقالاتٌ لا تتوقف وقمعٌ مستمر على كل الأصعدة ومصادرة الممتلكات والأموال ومنع الأسر والعائلات من السفر والملاحقة القانونية لبعض الرموز خارج مصر عن طريق الإنتربول والدول الموقعة على اتفاقيات تسليم الملاحقين.
ولا شك أن ما تعرضت له الجماعة، مثّل صدمةً لها ولمؤيديها على كل المستويات، خصوصًا أن هذه الأزمة عصفت بالجماعة بعد عامين من ثورة يناير التي خرجت الجماعة خلالها بكامل قوتها للشارع، وأعلنت عن نفسها بشكل زاد من نسب توقع ردود فعل الجماعة.
ففي أيام مبارك، كانت الجماعة تتحرك في الخفاء، لا تعلم الدولة عددها ولا مصادر تمويلها ولا مصارف أموالها ولا حاصلاتها، وكانت هناك العديد من الإجراءات الصارمة التي اتخذتها الجماعة في هذه الفترة، حمتها من الانهيار من ضربات نظام مبارك التي اشتدت في سنوات حكمه الأخيرة، لكن طوال هذه الفترة التي مرت بأوقات صعودٍ وهبوط لسير أنشطة الجماعة في المجتمع المصري، إلا أنها كانت تنهض سريعًا بعد كل انعطافةٍ قوية، وسريعًا أيضًا ما كانت تلملم شتات صفوفها، وهنا لا يمكننا إغفال الفرق الواضح بين الضربات التي تلقتها الجماعة إبان حكم مبارك وتلك الأزمة العاصفة التي تعيشها منذ عام 2013.
هناك مشاهد عدة يمكنها أن تلخص لنا حالة الجماعة بعد خمسة أعوام من المذبحة، حيث أذاعت قناة وطن التابعة رسميًا لجماعة الإخوان المسلمين، ما سُمّي بـ”المحاكمة”، وهي محاكمة رمزية لعبد الفتاح السيسي، وهو ما تضمن شكلًا دراميًا متواضعًا ومباشرًا لا يحمل أي رسالة ولا يَشِي بأي شيءٍ
تعيش الجماعة اليوم الأزمة الأقسى في تاريخها منذ التأسيس وما يمكن الإطلاق عليه “المحنة الكبرى”، فعلى مر العصور، لم تكن الجماعة تحت طائلة القمع بهذه الدرجة، حتى المحنة التي عايشوها في أثناء حكم جمال عبد الناصر لم تكن بالقسوة التي عليها اليوم، لكن ورغم هذا الظرف الخارجي، فإن الجماعة تعيش أيضًا هذه الأيام، مشكلتها الأهم في بنيتها الأساسية وتراتبيتها الإدارية التي طالما تفاخرت بها وبكوادرها ومدى جاهزيتهم وثقافتهم، ليس لقيادة الجماعة فحسب، بل لقيادة العالم الأجمع، كما كانت تسوق الجماعة نفسها طيلة العقود الماضية.
مرت قبل أسابيع الذكرى الخامسة لمجزرة فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة، التي تعتبر رأس هرم أسباب الانتهاكات التي تعرضت لها الجماعة وأنصارها، وفي هذه الذكرى أصدرت الجماعة ما يمكن تسميته بمبادرة للخروج من الأزمة، تضمنت عددًا من البنود، لكنك فور قراءتها ستفهم أن النظام المصري لن يوافق بها أو عليها، وهنا تكمن واحدة من المشكلات التي تعاني منها الجماعة اليوم، وهي فهم الواقع، ألم يطرح قادة الجماعة على أنفسهم السؤال الواجب عليهم قبل التفكير في إصدار هذه الورقة: لماذا يتصالح النظام مع الجماعة بعد كل هذا؟
وشِئنا أم أبينا، فإن في البلاد رئيسًا، يخطب في الأمم المتحدة كل عام، يلتقي قادة العالم الأول، يعقد صفقات سلاح بلا أي مشكلة، ويعتقل “طوب الأرض” في البلاد حتى إن بريطانيا تحذر مواطنيها الزائرين لمصر من الحديث عن السياسة المصرية في أثناء سياحتهم بالبلاد، فكيف للجماعة أن تخرج بهذه المبادرة في هذا التوقيت؟ وما الفائدة منها؟
أعتقد أن هناك مشاهد عدة يمكنها أن تلخص لنا حالة الجماعة، بعد خمسة أعوام من المذبحة، أذاعت قناة وطن التابعة رسميًا لجماعة الإخوان المسلمين، ما سُمّي بـ”المحاكمة”، وهي محاكمة رمزية لعبد الفتاح السيسي، وهو ما تضمن شكلًا دراميًا متواضعًا ومباشرًا لا يحمل أي رسالة ولا يَشِي بأي شيءٍ سوى عدد ساعات جديدة من المكلمة التي تحدث في هذه القنوات الإعلامية منذ سنوات، حيث إعادة كلام مكرر ومحفوظ، يدفعك لطرح سؤال أكثر عمومية، هل هذا ما تقدمه الجماعة إعلاميًا لمؤيديها بعد خمس سنوات من المذبحة الكبرى؟ فمن الصعب أن يكون هذا الخطاب المسكن هو المسيطر على عقلية الجماعة وأدواتها الإعلامية، كذلك من غير المنطقي أن الجماعة حتى هذه اللحظة لا تمتلك أداةً إعلامية متوازنة غير تلك المنصات التي أضحت موضع سخرية أنصار الجماعة أنفسهم.
استمرار الجماعة بشكلها الحاليّ بالتزامن مع عدم تنفيذ آليات جديدة للخروج من الواقع المؤسف الذي تعيشه لن يكون أثره إيجابيًا على الجماعة في ظل عدم وجود مبادرة واحدة جدية
قبل أيام، أذاع التليفزيون العربي، حلقة وثائقية ضمن برنامج “مآلات النص” المهتم بعرض أفكار وفلسفات الحركات الاجتماعية والسياسية والإسلامية في العالم العربي والشرق الأوسط، حلقة عن الإخوان المسلمين في مصر، وتقريبًا أجمع جُل المتحدثين في الحلقة، من منتمين للحركة سابقًا وحاليًّا ومحللين مهتمين بالحركات الإسلامية، أن الجماعة حتى الساعة ورغم ما مرت به من أحداث، ما زالت تقف متجمدة عند أفكار مؤسسها الأول حسن البنا وأفكار سيد قطب، التي أنكر بعضها قادةٌ للجماعة سابقًا، وأنها حتى الساعة تقف عاجزة عن اللحاق بركب التطور الفكري والحركي الذي خاضته حركات إسلاميةٌ أخرى، كحركة النهضة في تونس وحزب العدالة والتنمية في المغرب وكذلك التطور الذي حدث لحزب العدالة والتنمية التركي في تجربته في الصعود للحكم.
هذه المشاهد تنعكس بكل وضوح على تحركات الجماعة في محيطها المصري والعربي والعالمي، ما يعني أن استمرار الجماعة بشكلها الحاليّ بالتزامن مع عدم تنفيذ آليات جديدة للخروج من الواقع المؤسف الذي تعيشه لن يكون أثره إيجابيًا على الجماعة في ظل عدم وجود مبادرة واحدة جدية للمراجعات أو التطوير أو تنقيح الأفكار والفلسفات والمراجع وإعادة صياغتها لتناسب الواقع، لأن هذه المراجعة بالتأكيد، ستُنتج أفكارًا واقعية لقراءة حالة الجماعة، بدلًا من هذا الجمود، وإلا فإن قطار الزمن لن ينتظر الإخوان كثيرًا.