فشل الاجتماع الثلاثي لوزراء المياه والري في السودان ومصر وإثيوبيا بشأن سد النهضة بمشاركة أعضاء اللجنة الوطنية البحثية المستقلة والمكونة من 15 عضوًا، الذي عقد الثلاثاء في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، واستمر لمدة يومين، في التوصل لأي نتائج تذكر حسبما أعلنت وزارة الري المصرية.
الوزارة في بيانها أشارت إلى أن وزراء الدول الـ3 جددوا الالتزام باستمرار المباحثات للتوصل في فترة وجيزة لاتفاق يرضي جميع الأطراف بشأن توقيت وأسلوب ملء بحيرة السد طبقًا لاتفاق إعلان المبادئ، وذلك رغم الفشل في الخروج بتوصيات إيجابية تدفع الجميع إلى جولة جديدة من المفاوضات.
الاجتماع جاء تلبية لنتائج المباحثات الثلاثية بين كل من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره السوداني عمر البشير ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد التي عقدت على هامش قمة بكين وإفريقيا بالصين أغسطس/آب الماضي، وكذلك القمة الثلاثية على هامش اجتماعات الاتحاد الإفريقي الأخيرة بأديس أبابا، التي تعهد خلالها قادة الدول الـ3 بحلحلة الأزمة والوصول إلى نقاط مشتركة، وهو ما لم يحدث حسبما كشفت نتائج اجتماع اليومين الماضيين الذي يضاف إلى سلسلة اللقاءات الفاشلة التي عقدت منذ نشوب الأزمة في مايو/أيار 2011 وحتى الآن.
تفنيد لتصريحات القاهرة
في الـ10 من يونيو/حزيران الماضي داعب السيسي رئيس الوزراء الإثيوبي الجديد خلال مؤتمر صحفي عقد بقصر الاتحادية (القصر الرئاسي) على هامش زيارته للقاهرة قائلًا: “قل والله لن نقوم بأي ضرر بالمياه في مصر” مطالبًا إياه بالقسم، متعهدًا بالحفاظ على حصة المصريين من المياه، وهو ما أقره آبي أحمد حينها.
الإعلام المصري بمختلف مصادره خرج وقتها معلنًا أن أزمة سد النهضة شارفت على الانتهاء، بل بعض المنصات الإعلامية كشفت موعد انهيار السد بسبب مشاكل فنية، فيما أرجعها البعض إلى قوة المفاوض المصري ودبلوماسيته التي نجحت في كسب أحد أبرز الجولات لإقناع رئيس الوزراء الإثيوبي الجديد بصحة موقف القاهرة، في إشارة تذهب إلى تحميل رئيس الوزراء السابق هيالي ديسالين مسؤولية الإخفاق.
عقب الزيارة خرجت بعض المصادر لتشير إلى أن القيادة الإثيوبية الجديدة لديها رغبة في توطيد العلاقات مع مصر أكثر من أي قيادة سابقة، لافتة إلى أن التغييرات التي أجراها آبي أحمد خلال الفترة الماضية في قيادات قطاعات مختلفة في إثيوبيا، كرئيس القيادة العسكرية وجهاز المخابرات، فتحت الباب أمام فرصة النقاش مع مسؤولين جدد، في ظل اللهجة المختلفة التي لمستها القاهرة منذ تولي رئيس الوزراء الإثيوبي الجديد مهماته.
الربط بين تلك التصريحات والاعتراف الرسمي من وزير الخارجية المصري سامح شكري بفشل المسار التفاوضي للسد، التي جاءت قبلها بأيام قليلة، ثم إعلان فشل اجتماعات أمس وأول أمس، لا يعكس إطلاقًا التصريحات الإيجابية التي رددها النظام المصري خلال الأيام الماضية
غير أنه وبعد 10 أيام فقط من تلك التصريحات التي وصفت بـ”التفاؤلية” خرج وزير الري المصري محمد عبد العاطي بتصريحات مقلقة بشأن الوضع الحرج للأمن المائي في مصر، وهو ما أعاد وعود آبي أحمد التي قطعها على نفسه استجابة لرغبة السيسي على السطح مرة أخرى.
عبد العاطي وخلال مشاركته في المؤتمر الدولي رفيع المستوى بشأن المياه من أجل التنمية المستدامة بطاجيكستان قبل 4 أشهر، قال إن حالة المياه في مصر تعد حرجة وفريدة من نوعها، إذ إنها بلد جاف جدًا تقع في منطقة شبه قاحلة، وبلاده وصلت إلى حالة تفرض فيها كمية المياه المتاحة حدودًا على تنميتها الاقتصادية.
تصريحات وزير الري المصري جاءت بمثابة الصدمة للكثيرين ممن ذهبوا إلى أن التوجهات السياسية لرئيس الوزراء الإثيوبي الجديد تجاه القاهرة ستختلف جملة وتفصيلًا مع توجهات سابقه، في محاولة لتهدئة الملفات الساخنة مع دول المنطقة وعلى رأسها مصر والسعودية.
الربط بين تلك التصريحات والاعتراف الرسمي من وزير الخارجية المصري سامح شكري بفشل المسار التفاوضي للسد، التي جاءت قبلها بأيام قليلة، ثم إعلان فشل اجتماعات أمس وأول أمس، لا يعكس إطلاقًا التصريحات الإيجابية التي رددها النظام المصري خلال الأيام الماضية.
العديد من المشاكل الفنية تواجه عملية بناء سد النهضة بحسب بعض الخبراء، منها التعثر المالي والخلافات الفنية بين الشركات المنفذة والتعجل في الانتهاء من عملية البناء كما أوضح الدكتور نادر نور الدين أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة الذي كشف أن السدود الكبيرة تستغرق نحو 12 عامًا لبنائها، وأن أديس أبابا عندما حاولت الإسراع في بناء سد النهضة وقعت في مشاكل فنية كبيرة وأخطاء في التصميمات والتوربينات.
ورغم تلك المشاكل يواصل الجانب الإثيوبي عملية البناء مؤكدًا بين الحين والآخر الانتهاء بداية العام القادم 2019، وهو الموعد المحدد سلفًا لملء الخزان وبدء التشغيل التجريبي لتوليد الكهرباء، غير أن الإعلام المصري الداعم للنظام الحاليّ عزف طيلة الفترة الماضية على وتر قرب انتهاء الأزمة في محاولة لامتصاص غضب المصريين وهو ما يتم تفنيده مع كل مرة يتم إعلان فيها فشل الاجتماعات المقررة بين الدول الـ3.
https://www.youtube.com/watch?v=9z6K2Hfsdio
خلل في إدارة الملف
لا شك أن إثيوبيا في هذه الفترة تعد في أضعف حالاتها فيما يتعلق بمسار عملية بناء السد، حيث النقص الواضح في التمويل لا سيما بعد وقف استثمارات عدد من رجال الأعمال الممولين على رأسهم السعودي محمد العمودي إثر اعتقاله من السلطات السعودية قبل عدة أشهر، هذا بخلاف النزاع بشأن ملف إدارة السد بين إحدى الشركات التابعة للقوات المسلحة والحكومة الجديدة التي تنتوي سحبه لصالح شركات أخرى مدنية، ما دفع رئيس الوزراء الإثيوبي إعلان توقف أعمال السد.
عدم استغلال القاهرة للأزمة التي تواجهها أديس أبابا يشير إلى فشل واضح في إدارة هذا الملف، وخلل بيّن في التعامل مع واحد من أهم وأخطر الملفات التي تهدد حياة عشرات الملايين خلال السنوات القليلة الماضية، إذ كان الأمر يتطلب تدخلًا حازمًا وسريعًا، دبلوماسيًا وشعبيًا، لتحسين موقف مصر التفاوضي.
ما يزيد على 20 جولة من المفاوضات بين القاهرة وأديس أبابا بمشاركة الخرطوم لم تسفر جميعها عن أي تقدم يمكن أن يدعو للتفاؤل حيال المرحلة المقبلة
فريق آخر قلل من تأثير المشاكل الفنية التي تم إعلانها وعلى إثرها تم وقف أعمال السد، لافتًا إلى أنها لا تعدو كونها مناورة إثيوبية لامتصاص غضب الشارع المصري بعد التقدم الملحوظ الذي حققه مسار البناء وأصاب الجانب المصري بالصدمة.
سد النهضة يمثل للإثيوبيين المشروع الأهم والأقوى في تاريخهم الحديث، كونه بوابة جلب الاستثمارات وإنقاذ الاقتصاد الإثيوبي المتردي، بخلاف إمكانية استغلاله لتقوية موقفها التفاوضي بشأن عدد من الملفات الحدودية التي تمثل صداعًا في رأس الحكومة الإثيوبية لسنوات طويلة.
ومن ثم فإن فكرة التخلي عن هذا الحلم ربما تكون مستبعدة ما لم يطرأ طارئ يعوض الجانب الإثيوبي عن وقف هذا المشروع، وعليه فإن ما يتم إعلانه بين الحين والآخر بشأن مشاكل البناء ليست سوى كبسولات تهدئة وتسكين للغضب المصري وهو ما تم بالفعل، لتعود أديس أبابا إلى موقفها المتعنت مرة أخرى وهو ما كشفته الاجتماعات الأخيرة.. هذا ما ذهب إليه بعض الخبراء.
استمرار بناء السد رغم المشاكل الفنية التي أعلنتها أديس أبابا
8 سنوات من المفاوضات الصفرية
ما يزيد على 20 جولة من المفاوضات بين القاهرة وأديس أبابا بمشاركة الخرطوم لم تسفر جميعها عن أي تقدم يمكن أن يدعو للتفاؤل حيال المرحلة المقبلة، إذ كانت المحصلة النهائية لتلك الجولات “صفر” وهو ما دفع البعض إلى ترجيح رفع القاهرة للراية البيضاء معترفة بالأمر الواقع، مستندًا في ذلك إلى بعض الإجراءات التي تذهب في هذا الاتجاه منها تقليل مساحة المحاصيل التي تستهلك كميات مياه كبيرة كالأرز واللجوء إلى الاستيراد لتعويض النقص المتوقع، بخلاف العقوبات المفروضة لمن يخالف هذه التعليمات الجديدة.
البداية كانت في مايو/أيار 2011، حين أطلعت إثيوبيا مصر على مخططات السد لدراسة مدى تأثيره على دولتي المصب مصر والسودان، وعقب ذلك جرى تنظيم زيارات متبادلة لرئيسي وزراء البلدين لبحث الملف، ليتم بعدها بعام تقريبًا تشكيل لجنة أعمال مكونة من 10 خبراء، مصريين وإثيوبيين وسودانيين و4 خبراء دوليين لفحص ومراجعة الدراسات الإثيوبية الهندسية ومدى مراعاتها للمواصفات العالمية وتأثير السد على بقية الدول.
عدم استغلال القاهرة للأزمة التي تواجهها أديس أبابا يشير إلى فشل واضح في إدارة هذا الملف، وخلل بيّن في التعامل مع واحد من أهم وأخطر الملفات التي تهدد حياة عشرات الملايين خلال السنوات القليلة الماضية
وفي 23 من مارس/آذار 2015 كان التاريخ الفارق في بناء سد النهضة، وذلك حين وقع زعماء الدول الـ3 في الخرطوم وثيقة “إعلان مبادئ سد النهضة” التي كانت بمثابة الضوء الأخضر لأديس أبابا للبدء في بناء السد والاعتراف به دوليًا ومن ثم الحصول على الدعم والتمويلات الخارجية اللازمة.
في نوفمبر/تشرين الثاني 2017 وبعد استضافة القاهرة على مدار يومين جولة جديدة للمفاوضات بين وزراء الموارد المائية الـ3، رفضت السودان وإثيوبيا الموافقة على التقرير الاستهلالي الخاص بدراسات سد النهضة، وفي يناير/كانون الثاني 2018 تعيد أديس أبابا رفضها للمقترح المصري بإشراك البنك الدولي في مسار المفاوضات.
وفي أبريل/نيسان 2018 أعلن سامح شكري وزير الخارجية المصري عدم الوصول إلى اتفاق في جولة المفاوضات التي جرت مع السودان وإثيوبيا، لتبدأ مرحلة أخرى من الفشل والإخفاق كللت باجتماع الأمس وأول أمس في أديس أبابا الذي بدوره لم يخرج بجديد.