على الرغم من كثرة ثرواتها الطبيعية التي تصلح لأنْ تكون عوامل جذب قوية، من الشواطئ المثالية والمحميات الطبيعية والسافانا وجولات السفاري إلى القرى التي تزخر بالثقافة وتاريخ الحضارات التي تخبرنا أنّ لديها الكثير لتقدّمه، لا تزال القارّة الإفريقية تجذب ما يقارب 4.2% فقط من السيّاح في العالم.
تظهر دول إفريقيا في العقل الجمعيّ العالميّ ضحية التصوّرات والصور النمطية فيما يخصّ انعدام الأمان وكثرة النزاعات والجماعات المسلحة والهجمات الإرهابية وانتشار الأمراض والأوبئة وتأثيرات الجفاف والتغيرات التنظيمية الأخرى، ما يؤثر بشدّة على كلّ التوجهات المتعلقة بالسفر والسياحة اللذين يعتمدان بقوّة على درجة الأمان في تلك البلدان.
تقدّم ملحوظ: إفريقيا كأكبر الوجهات السياحية القادمة
تتوقع منظمة السياحة العالمية مستقبلًا مشرقًا لإفريقيا على مدى العشر سنوات القادمة، إذ ترى في توقعاتها أن يقفز عدد السياح الوافدين إليها من حوالي 50 مليون إلى 130 مليونًا. وتأتي هذه الأرقام نتيجة اتجاه عدد متزايد من البلدان الإفريقية لاتخاذ خطوات مدروسة لجعل السفر والسياحة أسهل وأكثر أمانًام وبساطةً ممّا هي عليه الآن.
تتوقع منظمة السياحة العالمية أن يقفز عدد السياح الوافدين إلى القارة من حوالي 50 مليون إلى 130 مليونًا خلال العشر سنوات القادمة
فعلى الرغم من أنّ أزمة الإيبولا قد غرست الخوف بين السيّاح والمسافرين في الفترة بين العامين 2014 و2015، إضافةً إلى الاضطرابات السياسية في معظم الدول، إلا أنّ ثمة مساعيَ حكومية حقيقية تعمل على جعل إفريقيا الوجهة التالية الكُبرى للسيّاح، وقد بدأت تلك المساعي بتسهيل الحصول على فيزا سياحية وتوسّع رحلات شركات الطيران وانخفاض أسعارها، إضافةً إلى النموّ الملاحَظ في مجال الفنادق ومواقع السكن المؤقت مثل airbnb.
أما فيما يتعلّق بالتنقّل بين الدول الإفريقية، فتسعى شركات الطيران منذ فترة طويلة إلى تسهيل التنقل بين تلك الدول بأسعار أرخض وأكثر زهدًا داخل القارّة نفسها. وتأتي هذه المساعي تحت اتفاقية “السماوات المفتوحة” أو “open skies” التي تهدف إلى توحيد النقل الجوّي الإفريقي في 23 دولة، أي فيما يقرب أكثر من نصف القارّة.
سجلت القارة الأفريقية ارتفاعًا ملحوظًا كبيرًا في عدد السياح خلال العام 2017، إذ استقبلت ما يقارب 901 مليون سائح دوليّ بزيادة 56 مليون عن نفس الفترة في عام 2016
كما ستدعم خطوط السكك الحديدة التي يتمّ إنشاؤها بتعاون ودعم الصين النموّ السياحيّ، إذ ستربط كينيا بنيروبي لتواصل طريقها إلى أوغندا ورواندا المجاورتين. كما أنها ستعمل على تحسين التجارة والوصول إلى الأسواق بني هذه البلدان، ما يعني تطورًا اقتصاديًا سريعًا بالمحصّلة.
ورجوعًا للأرقام، فقد سجّل مقياس منظمة السياحة العالمية “UNWTO” للسياحة في القارة الإفريقية ارتفاعًا ملحوظًا كبيرًا في عدد السياح خلال العام 2017، إذ استقبلت ما يقارب 901 مليون سائح دوليّ بزيادة 56 مليون عن نفس الفترة في عام 2016، أي بزيادة ما نسبته 7% أعلى من النمو الذي شهدته في السنوات السابقة. وبناءً عليه، كان النموّ السياحيّ الأفريقي هو الأقوى إذ سجلت كلٌ من أوروبا وآسيا ارتفاعًا بنسبة 6% أما الشرق الأوسط فكان بنسبة 5% والأمريكيّتان بنسبة 3% فقط. جديرٌ بالذكر أنّ هذا النموّ يُعزى بشكلٍ أساسيّ وكبير إلى الانتعاش القوي في شمال إفريقيا بنسبة 1٪ ، وأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى بنسبة 5%
محرّك اقتصاديّ ومولّد للعمالة
أصبحت السياحة في إفريقيا صناعة مزدهرة تدعم أكثر من 21 مليون وظيفة، أو وظيفة واحدة من 14 وظيفة في القارة، وذلك وفقًا لما جاء في تقرير “التنمية الاقتصادية في إفريقيا لعام 2017“. ونظرًا لأنّ هذه الحصة تبقى دون المتوسط العالمي، أي وظيفة واحدة من كلّ 11 وظيفة، فترتئي الحكومات والشركات المعنية بالوصول إلى المتوسط العالميّ خلال السنين القادمة. فقد استحدث قطاع السياحة 8.8 مليون فرصة عمل بصورة مباشرة، ومن المتوقع أن تقفز إلى 7.11 مليون فرصة عمل في الفترة ما بين 2016 إلى 2026 ما يعني زيادة سنوية بنسبة 5.2%.
مدن أفريقية تنافس بقية مدن العالم
تشير الإحصاءات أنّ هناك أداءً بارزًا لكلٍ من تونس ومصر، اللتين تتعافان من آثار الفترات، في عام 2017 بزيادة 33.5% و24.8% على التوالي. كما استقبلت المغرب وتونس دفعة كبيرة من الوافدين من الصين بزيادة 450٪ و 250٪ على التوالي بعد تخفيف قيود التأشيرات السياحية المتبادل بينهنا وبين الصين.
في كينيا، يكافح قطاع السياحة لاستعادة صحته ونشاطه بعد الأزمة الناجمة عن الهجمات المتكررة بين عاميْ 2012 و2013
ومع ذلك، ممّا لا شكّ فيه أنّ هناك تقدّمًا ملحوظًا في بقية الدول الإفريقية التي كانت خلال عام 2017 من أكثر المقاصد والوجهات السياحية في العالم. فعلى سبيل المثال، تشهد دولة جنوب إفريقيا ارتفاعًا مطّردًا في السياحة نظرًا للعديد من عوامل الجذب فيها مثل الطبيعة والمناخ والتنوع الثقافي والأنشطة السياحية والرياضية والطقوس الدينية. فبالمقارنة مع الكثير من دول إفريقيا تعتبر البنية التحتية والمرافق في جنوب إفريقيا حديثة ومتطورة، فمدن مثل كيب تاون وجوهانسبرغ وبريتوريا، دوربان، كنيسنا، والعديد من المدن الأخرى لديها نظام متكامل من الخدمات والسبل الترفيهة، ولا عجب في ذلك فقد استضاف تلك البلد الجميل نهائيات كأس العالم 2010.
أما موريشيوس ، البلد الإفريقي متعدد الثقافات من سكان ينحدرون من عدة مجتمعات: آسيوية وأفريقية وأوروبية، تشكّل وفرةً سياحية مميزة تسجّل بثبات نموًا جيدًا، فقد سجّلت بالفعل زيادة بنسبة 6٪ في النصف الأول من عام 2017 مقارنةً بما قبله، إذ تُعتبر وجهةٍ مميزة لكلّ أولئك السياح الذي يحبّون قضاء عطلاتهم تحت أشعة الشمس الساخنة.
جزيرة موريشيوس الأفريقية
وفي كينيا، يكافح قطاع السياحة لاستعادة صحته ونشاطه بعد الأزمة الناجمة عن الهجمات المتكررة بين عاميْ 2012 و2013، لا سيّما بعدما قامت الدول الأوروبية والأمريكية بنصح سكّانها بعدم الذهاب إلى هناك. ونتيجةً لذلك، تسعى الحكومة الكينية لتعزيز الأمن والسلامة في المواقع السياحية، كما تتبع استراتيجيات محددة لجذب السياح ووكالات السفر. في الوقت الحاضر، تعد الولايات المتحدة أكبر سوق مصدّر للسياحة في كينيا، تليها بريطانيا والهند والصين، لكن ووفقًا للعديد من التوقعات، ستكون الصين أكبر مصدرٍ للسيّاح الأجانب القادمين إلى كينيا خلال الثلاث سنوات القادمة.
ولمحبّي رحلات السفاري الحماسية، تعدّ تنزانيا واحدة من وجهات السفر المفضّلة للكثيرين، ويمكن فهم الأمر نظرًا للمساحات الشاسعة التي تضمّ تجمعات كبيرة للحيوانات البرية المختلفة في العالم.
قطيع من حمير الوحش في تانزانيا
وقد سجّلت أثيوبيا نموًا ملحوظًا بزيادة قدرها 5.7 ٪ عام 2017 مقارنةً بما قبله. ومع تسع مواقع مصنفة في قائمة اليونسكو للمواقع التراثية في العالم، تهدف إثيوبيا إلى أن تصبح بحلول عام 2020 واحدة من أفضل خمس وجهات سياحية في إفريقيا، وأنْ تستقبل 2.5 مليون سائح. وتعمل الحكومة من خلال الصلات الدولية الجيدة وتوسيع طاقة المطار في أديس أبابا وزيادة سلاسل الفنادق في العاصمة والمدن الأخرى، والاهتمام بالسياحة التجارية والدبلوماسية إلى النهوض بقطاع السياحة جيًدا حتى ذلك العام.
معبد حجري يعود للعصور الوسطى في مدينة لاليبيلا الإثيوبية
كما تتمتع إثيوبيا بملف سياحي مثير للاهتمام، لا سيما في العاصمة أديس أبابا وقصورها القديمة. أما مدينة لاليبيلا، المدينة الرهبانية المصنفة كتراث عالمي للبشرية، فتشتهر بكنائسها الـ11 المنحوتة في الصخر في القرن الثاني عشر. ومدينة هرر المُدرجة في قائمة التراث العالمي في عام 2006 من قبل منظمة اليونسكو لاحتوائها على 82 مسجدًا التي تعود ثلاثة منها إلى القرن العاشر، وكنائسها الحجرية العائدة إلى العصور الوسطى.