تهيمن الشركات العائلية على العمود الفقري للعديد من اقتصادات الدول في العالم، حيث تتواجد حوالي 85% من الشركات العائلية الكبيرة -التي تزيد قيمتها عن مليار دولار- في جنوب شرق آسيا، وما بين 65٪ إلى 75٪ منها في الشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية والهند، ما يعني أن نحو ثلثي الأعمال في جميع أنحاء العالم تديرها العائلات، وذلك وفقاً لمعهد الشركات العائلية.
تدلنا هذه البيانات على نموذج مختلف في عالم الأعمال، فالمشاريع العائلية لا تتعامل فقط مع التقلبات الاقتصادية وتحديات السوق، وإنما تواجه على الضفة الأخرى عوائق فريدة لا تتعرقل بها الشركات العادية، وذلك بسبب وجود المشاعر العاطفية والأحكام الاجتماعية التي تضيف نوعًا من الحساسية في أجواء العمل بين أفراد العائلة الواحدة، ولا سيما أن بيئة العمل لا تسير سوى بالقوانين والقواعد التي تهتم فقط في مصلحة العمل.
ماذا يمكن أن تفعل العائلة لتتجنب الإحباطات العاطفية والخسائر المادية في العمل؟
يُقال في الحياة الاجتماعية العامة أن “الأقارب عقارب”، وقد تسقط مصداقية هذه العبارة في بيئة العمل عندما يصبح الأقارب شركاء، ولكن لتحقيق ذلك لا بد من وجود عوامل وشروط إدارية واستراتيجية تضمن الحيادية وتلغي التطفلات العاطفية، ودون ذلك يصبح من الصعب التنبؤ باحتمالية استمرار إنجازاتهم من جيل لآخر، مع العلم أن العمر الافتراضي للشركات العائلية الناجحة هو 24 سنة (متوسط عمر الجيل المؤسس)، وبالتحديد فإن 30٪ من الشركات العائلية تنتقل إلى الجيل الثاني و12٪ للجيل الثالث و3٪ فقط للجيل الرابع.، وهذا بحسب مركز كونواي للأعمال العائلية.
إن بدء مشروع عائلي يستلزم وضع الكثير من التحديات في الحسبان، وأهمها عدم الانضباط، إذ تقول الكاتبة والمحللة التسويقية الرقمية جينيفر تشيويه “قد يعتقد أفراد العائلة أنهم يملكون المشروع، وبالتالي بإمكانهم العمل بمرونة أكثر من الموظفين الاعتيادين، وبهذا يعرقلون مسائل إدارية مهمة مثل الهيكل التنظيمي والبروتوكولات، ما قد يؤدي في النهاية إلى عواقب وخيمة تقصر من عمر الشركة”.
ولذلك يرى المحللون أن أفضل طريقة لتجنب هذه السقطات هو تحديد الرؤية المستقبلية تجاه المشروع نفسه والسيناريوهات التي قد تحدث بعد تأسيسه، فهناك عدة أسئلة ينبغي إجابتها حتى تكون المسيرة المهنية خالية من الاضطرابات التي تضر بالعمل والعلاقات الأسرية، على سبيل المثال، يجب أن تحدد العائلة ما إذا كانت ترغب في الحفاظ على الأعمال التجارية للأجيال التالية، وما الخطوات اللازم اتخاذها لضمان الاستمرارية.
المشاريع العائلية قد تكون في بعض الحالات أرضًا خصبة للمشاكل الأسرية والتي تكون ناتجة عن الغيرة والأحقاد الشخصية والغضب
وعند تحديد الرؤية المستقبلية، يمكن لأصحاب النفوذ في الشركة العائلية أن يمنحوا كل فرد في العائلة منصب يتناسب مع مؤهلاته وتوقعات العمل، كما يجدر عليهم تطبيق القواعد بنفس الطريقة على جميع أفراد العائلة، مع تقديم توصيات واقتراحات منتظمة لإعادة ضبط سيرورة العمل دون الوقوع في فخ الاستكانة والمماطلة، خاصةً أن المشاريع العائلية قد تكون في بعض الحالات أرضًا خصبة للمشاكل الأسرية والتي تكون ناتجة عن الغيرة والأحقاد الشخصية والغضب، وحينها يصعب الفصل بين العمل والأمور الشخصية، ما سيؤثر حتمًا على كل فرد يعمل داخل الشركة.
حيث تساعد هذه الخطوات أفراد العائلة على التكيف بسهولة مع تغيرات العمل والقرارات الإدارية الطارئة، لأنها تضع المصالح التجارية قبل مصالحها الخاصة، وبلا ريب تخفف من الخسائر المادية والعاطفية على حد سواء لأن قوانين العمل واللوائح الإدارية هي الحد الفاصل، وبذلك تضمن الشركة تردد صدى نجاحها للأجيال التالية.
وبشأن هذه المسألة يقول محامي شركات صغيرة تشارلز فيثان:”عندما لا يتم تحديد المسؤوليات والسلطات، يصبح العمل غير مستقر”، كما يقترح تعيين مساعدين استشاريين لمعالجة القضايا الشائكة أو القرارات الحساسة، مثل قرار الطرد الذي قد يتسبب بأذى عاطفي على الصعيد الشخصي.
تفتح الشركات العائلية أبوابًا واسعة من الفرص والإمكانيات التي تساعد الأبناء على دخول سوق العمل بسهولة من خلال الأدوات والخبرات المهنية والمالية الأساسية التي ورثوها مبكرًا عن أجدادهم وآبائهم
جدير بالذكر أن الشركات العائلية تراهن دومًا على عامل الثقة الذي اكتسبته من رابطة الدم، ولكن في أحيان أخرى قد تؤدي هذه العلاقة إلى زعزعة استقرار العمل والعلاقات الشخصية في آن واحد، وخاصةً عندما تحاول العائلة توظيف أبنائها في مناصب لا تتوافق مع طموحاتهم الشخصية أو إذا حاول الجيل المؤسس الضغط على الأجيال التالية لمحاكاة مخططاتهم وتقليد نظرتهم الإدارية دون مراعاة التطورات العصرية ومتطلبات السوق المتغيرة.
وفي أحيان أخرى، تعد الأعمال التجارية العائلية فرصة ذهبية للأبناء، فهي تفتح لهم أبواب واسعة من الفرص والإمكانات التي تساعدهم على دخول سوق العمل بسهولة من خلال الأدوات و الخبرات المهنية والمالية الأساسية التي ورثوها مبكرًا عن أجدادهم وآبائهم، وهذا على العكس من الذين يعتقدون أن المشروع العائلي عبارة عن سجن وحاجز أمام أحلامهم الخاصة.
وبالرغم من أن بيئة العمل لا تتحمل العواطف، فقد وجدت الأبحاث أن عامل المشاعر الذي قد يعيق مسيرتها في ظروف معينة، يمكن أن يساهم في نجاحها واستمرارها أيضًا، ولا سيما عندما تصب الأهداف في مصلحة واحدة، وهذا ما ساعد شركات عالمية على تخطي المنافسة الشرسة في السوق، مثل شركة فولكس فاجن للسيارات التي تبلغ قيمتها السوقية نحو 120 مليار دولار، وشركة سامسونغ للإلكترونيات والتي تزن نحو 174 مليار دولار، وهي أرقام تدل على النتائج التي تستطيع العائلات تحقيقها ما إذا التزمت بقواعد العمل وركزت على المصلحة العامة.