“حياة بلقاسم” اسم شابة مغربية لقيت حدفها مؤخرًا برصاصة قاتلة من حرس سواحل بلادها، في أثناء محاولتها الفرار من الظروف المعيشية السيئة في وطنها والوصول إلى الجنة الموعودة “أوروبا”، وفق تصورها، اسم كشف زيف الادعاءات المغربية وحقيقة تعاملهم مع الشباب الذي ضاق أغلبهم ذرعًا ببلادهم.
تنديد كبير
خوفًا من أي احتجاجات، سارعت السلطات المحلية بمدينة تطوان (شمال البلاد) مسقط رأس “شهيدة الهجرة” كما أطلق عليها في المغرب، في عملية دفن حياة، وسط حضور أمني مكثّف، إلا أن ذلك لم يكن كافيًا للسيطرة على الوضع والحد من غضب المغاربة.
غضب تجسّد في خروج المئات من أهالي مدينة تطوان، في مسيرة احتجاجية بالمدينة، للمطالبة بمحاسبة المسؤولين عن مقتل حياة، وعرفت المسيرة التي جابت شوارع المدينة، حضورًا قويًا لـ”أولتراس اللوس مطادوريس”، المشجعة لفريق المغرب التطواني.
وحمّل الأهالي الدولة مسؤولية مقتل حياة، كما ردد المشاركون في هذه المظاهرة، عددًا من الشعارات من قبيل “الشعب يريد من قتل حياة” و”كلنا حياة” و”حياة شهيدة الحياة” و”الشعب يريد إسقاط الجنسية” و”حياة مقتولة والدولة مسؤولة”.
دفعت الظروف المعيشية السيئة لعائلة حياة، ابنتهم للهجرة على أمل الوصول للقارة الأوروبية
لوقف هذه المسيرة وتفريق المحتجين الغاضبين الذين خرجوا بأعداد كبيرة، أقدمت قوات الأمن على استعمال القنابل المسيلة للدموع ووثقت فيديوهات نشرت في موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، للحظات كر وفر بين المحتجين وقوات الأمن.
وتقع مدينة تطوان، في شمال المغرب أو ما يعرف بالريف المغربي، وتعرف هذه المنطقة من المملكة احتجاجات متكررة ضمن ما اصطلح على تسميته حراك الريف، حيث يطالب الأهالي هناك بالتنمية ووقف التهميش والتمييز الممارس ضدهم من سلطات البلاد.
https://www.youtube.com/watch?v=R18B5KaQx-I
لم يتوقّف الأمر هنا، فالاحتجاجات وصلت مدارج ملعب سانية الرمل الذي احتضن مباراة بين الفريق المحلي وضيفه الكوكب المراكشي برسم منافسات الدوري المغربي، واختارت جماهير فريق المغرب التطواني ارتداء لباس أسود للتعبير عن غضبهم الشديد من كيفية تعامل البحرية الملكية مع المهاجرين المغاربة.
أطوار الحادثة
تعود القصة إلى يوم الثلاثاء، حيث أقدمت البحرية المغربية على إطلاق النار تجاه قارب مطاطي كان موجودًا “بصفة مشبوهة بالمياه المغربية ويقل مرشحين للهجرة غير النظامية، بعد عدم امتثاله لتحذيرات موجهة له”، بحسب بيان لعمالة مدينة المضيق الفنيدق، التابعة بولاية تطوان بجهة طنجة.
رصاص البحرية المغربية، أسفر عن وفاة الشابة حياة بلقاسم التي بالكاد تبلغ عشرين عامًا، وإصابة ثلاثة شبان، اثنين منهم تم نقلهم إلى مستشفى مدينة الفنيدق شمالي المغرب، في حين تم نقل الآخر على وجه السرعة إلى العاصمة الرباط لتلقي العلاجات الضرورية بعدما فقد إحدى ذراعيه بفعل الطلقات النارية.
ودفعت الظروف المعيشية السيئة لعائلة حياة البالغ عددها 7 أفراد (الوالدان و5 إخوة)، ابنتهم للهجرة على أمل الوصول للقارة الأوروبية أين ينتظرها رغد العيش حسب تصوّر شباب المغرب، غير أن حلمها، اصطدم برصاص أبناء وطنها الذي حرمها العيش الكريم وساهم في مزيد من تأزيم وضع أهلها.
https://www.youtube.com/watch?v=WfP6X4Pknkc
“شهيدة الهجرة” كانت تحاول الفرار من حياة الفقر والعوز فعادت إلى أهلها قتيلة بطلقة رصاص تلقتها من أحد جنود البحرية الملكية المغربية، لم تكن حياة تعلم أن حلمها في حياة أفضل لها ولعائلتها سينتهي بهذه السرعة بعد أن استقلت واحدًا من “مراكب الموت”.
أرادت أن تخرج من عوز الفقر وهي الفتاة التي تدرس القانون الدولي العام بجامعة عبد المالك السعدي بتطوان، وتحاول في الآن ذاته إيجاد عمل ولم تفلح في ذلك لصعوبة الوضع الاقتصادي في البلاد، ما جعل فكرة الهجرة تسكن عقلها، إلا أن الموت كان أقرب، فعادت إلى أهلها في صندوق محمولة على الأكتاف.
بأي ذنب قتلت؟
يتساءل المغاربة، بأي ذنب قتلت حياة؟ أي ذنب أوصلها أن تكون ضحية عيار ناري من جنود بلادها الذين يفترض أن يحمينها، تردّ السلطات المغربية وتقول إن الزورق بقيادة شخص يحمل الجنسية الإسبانية تسلل إلى المياه المغربية بشكل غير قانوني وحاول المغادرة بعد أن حمل معه نحو 15 شابًا مغربيًا على متن القارب.
يتدخل المغاربة بصوت واحد، هل كان الحل الوحيد للإيقاع بزورق الهاربين من جحيم الظلم الاجتماعي في المغرب، رميه بالرصاص وتعريض المهاجرين إلى الخطر؟ هل كان بالضرورة فتح النار على قارب تفيد المعطيات بأنه يحمل مهاجرين سريين، وقد كان أمامكم عشرات الحلول للسيطرة على الوضع؟
https://twitter.com/Amrkamal512/status/1045718590119391232
ترد السلطات وتؤكد، قوات خفر السواحل المتمركزة هناك طالبة الزورق بالتوقف وأطلقت أعيرة تحذيرية، إلا أنه رفض الانصياع وواصل المضي في طريقه فأطلقت الدورية عدة طلقات أخرى كانت إحداها رصاصة الموت لحياة.
يقود حلم الجنة الموعودة في الضفة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط إلى موت الكثيرين في عرض البحر
يعقّب المغاربة، هل الرصاص وجد لحمايتنا أم لقتل “حياة” التي غادرت مقعدها في الجامعة، وفضلت الهجرة إلى أوروبا للمغامرة بحياتها بعدما تأكدت من غياب مستقبل في بلد كانت حتى الأمس القريب يردد مسؤولوه أنه سيكون دولة صاعدة، وكان الصعود في سلم الفقر والتهميش والهشاشة والمديونية.
تجيب السلطات المغربية، وتقول إنها مارست واجبها في حماية الحدود ومنع اختراقها بأي شكل غير مشروع، مؤكدة استمرارها في محاربة الهجرة غير القانونية واختراق الحدود بأي طريقة وممارسة سيادتها على مياهها الإقليمية ووقف عصابات تهريب البشر.
يتدخل الشباب مرة أخرى، محمّلين النظام مسؤولية ما حصل، منذرين بعواقب وخيمة، قائلين: “فتح خفر سواحلكم النار على قارب للهجرة يحمل شباب هُم ضحية الظلم الاجتماعي ولم يحسب لعواقب الأمر حساب، قمتم بذلك سنة 2013 حيث فتحتم النار على قارب على متنه شابين مغربين من مليلية، لم يكونا يمارسان الهجرة السرية ولا تهريب المخدرات ورأيتم انعكاسات ذلك، ولم تتوبوا عن صنيعكم، فلتواجهوا غضبت الشباب إذًا”.
شباب غاضب
حادثة مقتل “حياة” الأخيرة، أعادت الحديث عن وضع الشباب المتردي في المغرب، وغياب فرص العمل والعيش الكريم في المملكة، فحدة الأزمات الاجتماعية والاقتصادية في بلدهم، زادت محاولاتهم لأجل الهجرة، فالوضع هناك عكس ما تروج له سلطات البلاد التي تدّعي التطور والتقدم.
ويقول مغاربة إن الوضع في بلادهم لم يعد يسمح لهم بالعيش الكريم، فلا الشغل موجود، ولا الكرامة متاحة، فهم (أي الحكومة ومؤسسات الحكم في البلاد) لا يوفرون لهم أبسط أسباب العيش ولا يتركوهم في حال سبيلهم للبحث عن قوت يومهم، بل يضيقون عليهم أكثر فأكثر بمقاربات أمنية أربكت الجميع.
هذا الوضع، أحيا حلم الهجرة لدى الشباب المغاربة، فإلى وقت قريب كانت قوارب الهجرة غير النظامية أو ما يطلق عليها أيضًا “قوارب الموت” التي تنطلق من المغرب نحو سواحل القارة الأوروبية تقل فقط المهاجرين الأفارقة القادمين من دول جنوب الصحراء، لكنها مؤخرًا عادت لتقل أهل الدار الذين ضاقوا ذرعًا بدارهم.
https://twitter.com/DAVIDPHILLIPE2/status/1045375961557061632
من أصل 74.501 مهاجر وصلوا أوروبا بحرًا، استقبلت إسبانيا وحدها نحو 43% منهم (32.272)، وذلك في الفترة بين الأول من يناير/كانون الثاني و12 من سبتمبر/أيلول 2018، ممّا يجعلها الوجهة الأولى للهجرة السرية عبر البحر الأبيض المتوسط، واللافت للأنظار هذه المرة أن هجرة المغاربة التي عادت بعد سنوات من السبات لم تعد سرية، فالمهاجرون ينشرون رحلتهم وأطوارها على مواقع التواصل الاجتماعي.
كشفت دراسة أعدّها المجلس الاجتماعي والاقتصادي والبيئي في المغرب، وتناقلتها الصحف المغربية اليوم الإثنين، أن “الفقـر والبطالة فـي صفـوف الشباب والفوارق أصبحت تتجاوز حدود المقبولية”، مُشيرة إلى تنامي الفوارق التي تؤثر بشكل كبير على التماسك الاجتماعي بالبلاد.
يشكل الشباب نسبة مهمة في الهرم السكاني المغربي، حيث كشفت إحصاءات حديثة أن نسبة الشباب – الفئة العمرية ما بين 15 و34 سنة – تمثل أكثر من 34% من التركيبة السكانية المغربية، أي من الناحية العددية 11.7 مليون شاب، وأظهرت نفس المؤشرات أن 270 ألفًا من هذه الفئة تغادر المدرسة سنويًا، ونسبة البطالة تصل إلى ضعف المعدل الوطني فيها، أي 20%، فضلاً عن أن الفئة التي تتوفر على مناصب شغل 50% منهم لديهم وظائف ضعيفة.
يقود حلم الجنة الموعودة في الضفة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط إلى موت الكثيرين في عرض البحر، ورغم الآلام والمخاطر يبقى اعتقاد العديد من المغاربة عميقًا في أن بلدهم لا يستجيب لطموحاتهم على صُعُد شتى ويبغون الرحيل منه علّهم يجدون مبتغاهم في بلاد غيره.
حياة لم تكن الشابة الأولى التي تختار ركوب قوارب الموت وتعرض حياتها للخطر ولن تكون الأخيرة، فالعديد من الشباب المغربي اكتشف الهوة الشاسعة التي تفصل بين نمط عيش أوروبي مريح في الغالب، وواقع مغربي صعب للغاية للشباب، وهو ما أدى إلى حالة من اليأس والقنوط تجعلهم يتسابقون نحو قوارب الموت التي أضحت رديفًا للخلاص والعيش الرغيد.