ترجمة وتحرير: نون بوست
أعلنت روسيا يوم 24 من أيلول/ سبتمبر عن عزمها نشر نظام الدفاع الجوي إس-300 في سوريا أعقاب الضربة الجوية الإسرائيلية، التي أقرت موسكو بأنها أدت إلى إسقاط طائرة من طراز إيل-20 وتسببت في مقتل طاقمها المكون من 15 شخصًا. من جهته، تباهى تلفزيون “برس تي في” الإيراني بأن نشر منظومة إس-300 يعتبر بمثابة كابوس بالنسبة لـ”إسرائيل”. في الوقت نفسة، أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يوم الثلاثاء الماضي، أن بلاده ستواصل عملياتها العسكرية في سوريا. وتأتي هذه الأزمة بالتزامن مع اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي وصف فيها مستشار الأمن القومي الأمريكي، جون بولتون، القرار الروسي بأنه “خطأ فادح”.
عموما، بدأت بوادر هذه الأزمة في 17 من أيلول/ سبتمبر الحالي، عندما ضرب نظام إس-200 المضاد للطائرات طائرة روسية من طراز إيل-20. وقد حدث ذلك بعد أن استهدفت طائرات أف-16 الإسرائيلية منشآت إيرانية في سوريا. واتهمت وزارة الدفاع الروسية “إسرائيل” بتعمدها خلق “وضع خطير” في سوريا. كما زعمت موسكو أيضًا أن “إسرائيل” لم تمهل الروس سوى دقيقة واحدة بعد تحذيرهم من الخط الساخن الذي أنشأته الدولتان في سنة 2015، إلا أن “إسرائيل” ردت بأنه في الوقت الذي أطلق فيه الدفاع الجوي السوري صواريخه التي أصابت الطائرات الروسية، قامت الطائرات الحربية الإسرائيلية بالعودة إلى المجال الجوي الإسرائيلي.
في الأثناء، جرت المناقشات بين موسكو و”إسرائيل” على أفضل حال بعد يوم 18 من أيلول/ سبتمبر الحالي، حيث سعى كل من نتنياهو والرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لتفادي تصعيد الأزمة. فيما بعد، أعلن وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، أن بلاده تعتزم نشر نظام الصواريخ إس-300 في سوريا، مؤكدا أن “النظام قادر على اعتراض الهجمات الجوية على مسافة أكثر من 250 كيلومترا مع مواجهة عدة أهداف في الوقت ذاته”. وفي الحديث عن “إسرائيل”، أشار المسؤول إلى أنه “سيتم تبريد الرؤوس الساخنة”.
بالنسبة للولايات المتحدة، يعتبر القرار الروسي تصعيدًا رمزيًا أكثر من كونه تهديدًا حقيقيًا
من جانب آخر، تم تسليم منظومة الدفاع الجوي من طراز إس-300 بعد وصول روسيا وتركيا إلى اتفاق حول إدلب، يقضي بمنع أي هجوم من النظام السوري، والذي حذرت الأمم المتحدة من أنه قد يتسبب في كارثة إنسانية. باختصار، يعد نشر نظام إس-300 في سوريا جزءا من جهود موسكو لضمان بقائها في الخطوط الأمامية في الصراع السوري. ويبدو أن أحد الرسائل التي تريد روسيا تضمينها، بعد اتخاذ قرار نشر منظومة صواريخها المتطورة، تفيد بأن عصر عدم اليقين الذي تمكنت فيه “إسرائيل” من العبث في سوريا، مع إفلاتها من العقوبات، بدأ يقترب من نهايته.
في هذا السياق، أشارت وسائل الإعلام الروسية إلى أن نظام إس-300 يعتبر أيضًا تهديدًا للائتلاف الأمريكي. كما أكدت على أن نشر نظام الصواريخ الروسي، قد يقود الجانب الإسرائيلي إلى اللجوء لاقتناء أسلحة أكثر تقدمًا من الولايات المتحدة. وعلى سبيل المثال، أظهرت وكالة الأنباء سبوتنيك، التي يُنظر إليها دائما على أنها تخدم مصلحة موسكو، طائرة من طراز إف-35 كمثال على هذه الأسلحة الأكثر تقدمًا، على الرغم من أن “إسرائيل” تملك مسبقا ترسانة من الطائرات المتقدمة.
بالنسبة للولايات المتحدة، يعتبر القرار الروسي تصعيدًا رمزيًا أكثر من كونه تهديدًا حقيقيًا. وفي الوقت الذي استعمل فيه وزير الخارجية الأمريكي لهجة تصالحية، خلال مسعاه لمناقشة هذه القضية على هامش قمة الجمعية العامة للأمم المتحدة، تبنى مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون منهجا أكثر صرامة.
من جهة أخرى، ترى “إسرائيل” أن نشر نظام إس-300 هو تصعيد رمزي فضلا عن كونه تصعيدًا تكنولوجيًا. وقال العميد عساف أوريون، الرئيس السابق لقسم التخطيط والاستراتيجية بجيش الدفاع الإسرائيلي، لمؤسسة دراسات الأمن القومي الإسرائيلي إن “نظام الصواريخ الروسي يمثل خطرًا على جميع القوات الجوية الموجودة بالقرب من سوريا”. وأضاف عساف: “قد تتذكر بعض الأطراف أن “إسرائيل” كانت تستعد للظهور في مسرح النزاع خلال السنوات العشرين الماضية”.
بشكل عام، أدت العلاقة التي تمت إدارتها بحذر لسنوات، من خلال عقد العديد من الاجتماعات بين نتنياهو وبوتين، إلى تجلي تفاهم وتوافق واضح بين الطرفين، في ظل سعي “إسرائيل” إلى قصف الأهداف الإيرانية ومكافحة نقل الأسلحة إلى حزب الله
في هذا الصدد، أشار العميد إلى أن “وقوع النظام الروسي بين أيادي متهورة ولا تتميز بالكفاءة، سيكون مصدر قلق للكثيرين؛ وهذا ما تؤكده حقيقة أن نظام إس-200، الذي أطلق النار خلال الغارة الجوية في 17 أيلول/ سبتمبر الحالي، لم يكن يسعى إلا لإسقاط طائرة إيل-20 لكنه أخطأ الهدف”. علاوة على ذلك، أشار أوريون إلى أن “روسيا قد نشرت نظام الصواريخ إس-400 في سوريا”، وتم الإبلاغ عن وجود هذا النظام في سوريا لأول مرة في سنة 2015. كما أكدت مجلة “جان ديفنس ويكلي” على نشر موسكو لمنظومة مماثلة في أيلول/ سبتمبر سنة 2017. وعلى الرغم من أن روسيا تمتلك منظومتا إس-400 في سوريا، تقول “إسرائيل” إنها استهدفت 200 هدف في البلاد، بالإضافة إلى الضربات التي وجهتها إلى حوالي مائة هدف آخرين بين سنتي 2012 و2017.
بشكل عام، أدت العلاقة التي تمت إدارتها بحذر لسنوات، من خلال عقد العديد من الاجتماعات بين نتنياهو وبوتين، إلى تجلي تفاهم وتوافق واضح بين الطرفين، في ظل سعي “إسرائيل” إلى قصف الأهداف الإيرانية ومكافحة نقل الأسلحة إلى حزب الله. وفي ظل هذا الوضع، لم تكن “إسرائيل” تعترف بنزاعها مع إيران إلا في حوادث نادرة أو بعد سنوات من وقوع أحداث تربطها بإيران.
على سبيل المثال، عندما اخترقت طائرة إيرانية من دون طيار المجال الجوي الإسرائيلي، وتحطمت طائرة إسرائيلية من طراز أف-16 في الجليل بعد استهدافها من قبل منظومة الدفاع الجوي إس-200، تعاملت كل من “إسرائيل” والولايات المتحدة مع نظام إس-300 على أنه يمثل تهديدا في سوريا. وخلال سنة2017 ، قالت روسيا إن منظومة إس-300 كانت قد رصدت طائرات أمريكية في شرق سوريا. بالإضافة إلى ذلك، قال وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، في نيسان/ أبريل الماضي، إن “إسرائيل” ستدمر أي نظام من الأنظمة الروسية إس-300 في حال استهدافه لطائرات إسرائيلية.
يتمثل هدف روسيا الأول من نشر منظومتها المتطورة في سوريا في “تعزيز ثقة النظام السوري فيها”، باعتبارها حليفا له. وبعد أن توصلت موسكو لاتفاق يقضي بمنع أي هجمات من النظام السوري على إدلب، وتجاهلت إيران في اتفاقها مع تركيا، ترسل روسيا رسالة جديدة إلى “إسرائيل” والولايات المتحدة الأمريكية، مفادها أنها تأخذ رغبة النظام السوري في السيطرة على مجاله الجوي على محمل الجد، بعد سبع سنوات من اندلاع الحرب الأهلية.
إذا استمرت “إسرائيل” في ضرباتها الجوية وفشل نظام الدفاع الجوي إس-300، الذي راهنت عليه موسكو كثيرًا، في التصدي لهذه الهجمات بفعالية، ستضع هذه التطورات روسيا في موقف حرج وستجبرها على اتخاذ قرار نهائي بشأن التصعيد في سوريا
عموما، كان ما حدث في إدلب مثالا أكد للنظام السوري أن سياسته الخارجية أصبحت بيد موسكو. ومن جهتها، أكدت واشنطن بشكل متزايد على عزمها على الإبقاء على قواتها في شرق سوريا. وفي ظل هذا الوضع، أصبح نظام الدفاع الجوي إس-300 بمثابة جائزة لإرضاء دمشق، لأنه سينهي قدرة “إسرائيل” على التحرك بحرية على الأراضي السورية، خاصة أن أي حوادث أخرى في مناطق حساسة مثل إدلب، حيث قامت إيران ببناء منشآت عسكرية، ستؤخذ على محمل الجد من جانب موسكو. ويعتبر هذا الإجراء جزءا من العملية الأوسع لإنهاء جزء من الحرب الأهلية السورية، كما أنه يمثل أحد محاولات موسكو لتنصيب دمشق حَكمًا للسيادة السورية.
يبقى السؤال المطروح على كل من الولايات المتحدة الأمريكية و”إسرائيل”، اللذان يعارضان التدخل الإيراني في سوريا، متمثلا في “ما إذا سيسعى الطرفان إلى مزيد تحدي النظام السوري مستقبلا”. وإذا استمرت “إسرائيل” في ضرباتها الجوية وفشل نظام الدفاع الجوي إس-300، الذي راهنت عليه موسكو كثيرًا، في التصدي لهذه الهجمات بفعالية، ستضع هذه التطورات روسيا في موقف حرج وستجبرها على اتخاذ قرار نهائي بشأن التصعيد في سوريا.
المصدر: ناشيونال إنترست