في هذا الشهر من كل عام، تعيش مدينة القدس المحتلة أسوأ وأحنك مراحلها، حين يستبيح الآلاف من اليهود المتطرفين حُرمة وقدسية هذه المدينة، ويبدأون ببث سمومهم وإطلاق العنان لطقوسهم التلمودية والعنصرية التي تتجاوز حدود الإنسانية والحرية الدينية، المختفيتان من قاموس “الدولة العبرية”.
المدينة المقدسة خلال موسم الأعياد اليهودية الذي يوافق شهر سبتمبر من كل عام، تتحول لثكنة عسكرية تتحكم في مداخلها ومخارجها قوات الاحتلال، لمحاصرة المقدسيين والتضييق عليهم وقمعهم، تحت ذريعة تأمين احتفالات المستوطنين، فيما تُطلق يد المستوطنين الثقيلة للبطش والسرقة والعربدة والاعتداء على السكان، بحماية مشددة من شرطة الاحتلال.
ومع بداية الأعياد يحول المستوطنون الذين يقطنون في البلدة القديمة بيوتهم وما حولها إلى مزارات من أجل استقبال المستوطنين الآخرين من البؤر الاستيطانية المحيطة، من مختلف الأعمار، لتناول وجبة العيد والنوم داخل أو خارج تلك المنازل.
لعنة الأعياد اليهودية
في تلك الفترة تنتشر قوات كبيرة من شرطة الاحتلال داخل البلدة القديمة، من أجل تسهيل حركة المستوطنين والتنكيل بالفلسطينيين وتنغيص حياتهم وعرقلة المقدسيين من الوصول إلى منازلهم، خاصة في تلك الأحياء القريبة من البؤر الاستيطانية المكتظة أساسًا بالسكان، كحي عقبة الخالدية والقرمي والسرايا وطريق الواد والسلسلة.
التاجر المقدسي أبو أحمد جويحان، من سكان البلدة القديمة، يقول: “مع بداية الأعياد اليهودية تُغلق شرطة الاحتلال شوارع البلدة القديمة بدءًا من حائط البراق وحتى منطقة باب الأسباط، وتُجبرنا على إغلاق محلاتنا التجارية بالقوة وتحت التهديد بتحرير مخالفات مالية كبيرة بحقنا، وذلك بهدف تسهيل مرور المستوطنين من المكان”
موسم الأعياد لم يبق تأثيره على المقدسيين فقط من خلال الاعتداء عليهم وإذلالهم على الحواجز وفي الطرقات، بل تحول لنقمة اقتصادية، أجبرت الكثير من التجار على إغلاق محالهم ومغادرة المدينة حتى تنتهي هذه المواسم التي يطلق عليها أهل القدس “لعنة الأعياد اليهودية”.
التاجر المقدسي أبو أحمد جويحان، من سكان البلدة القديمة، أحد أكبر المتضررين من موسم الأعياد اليهودية، ويقول: “مع بداية الأعياد اليهودية تُغلق شرطة الاحتلال شوارع البلدة القديمة بدءًا من حائط البراق وحتى منطقة باب الأسباط، وتُجبرنا على إغلاق محلاتنا التجارية بالقوة وتحت التهديد بتحرير مخالفات مالية كبيرة بحقنا، وذلك بهدف تسهيل مرور المستوطنين من المكان”.
ويتابع حديثه:” الأعياد اليهودية تُشكل نقمة علينا كتجار وعلى كل السكان المقدسيين المُقيمين في أحياء البلدة القديمة، فهي تتسبب بعرقلة حركتنا التجارية وتُغلق باب رزقنا لأيام طويلة، كذلك تُعيق حركة المواطنين وتلبية احتياجاتهم من الأسواق والتوجه لأماكن عملهم أو لمدارسهم”، مشيرًا إلى أن البلدة القديمة في بعض الأحيان تتحول لمنع التجول بالكامل.
ويوضح أن شرطة الاحتلال أجبرته على إغلاق محله منذ بداية الأعياد اليهودية، الأمر الذي كبده خسائر كبيرة خاصة في ظل تراكم الديون عليه وارتفاع الضرائب، بالتزامن مع الأوضاع الاقتصادية الصعبة، مؤكدًا أنه رغم إغلاق الاحتلال الإسرائيلي محلة التجاري فإنه يُصر على الوجود يوميًا أمام بوابة محله المغلق، في محاولة منه لإفشال مساعي الاحتلال بإفراغ المنطقة من سكانها الأصليين وتركها للمستوطنين ليمرحوا بها في غياب أصحابها.
ولفت إلى أن التجار المقدسيين بالبلدة القديمة يتعرضون لاعتداءات متكررة بحقهم في أيام الأعياد، فالمستوطنون لا يتوقفون عن استفزازهم وتخريب ممتلكاتهم وبضائعهم، ويستخدمون الأسلحة البيضاء والعصي وغاز الفلفل بالاعتداء بشكل مباشر عليهم وبصورة مفاجئة وتحت حماية من شرطة الاحتلال.
يشار إلى أن ما يسمى بـ”يوم الغفران” هو أقدس أعياد اليهود، وهو اليوم الوحيد الذي تفرض الشريعة عليهم الصيام فيه عن الأكل والشرب 25 ساعة، كما تمنع فيه الحركة بصورة كاملة، وفيه أيضًا تشدد سلطات الاحتلال الخناق على الفلسطينيين في المدن المختلطة ومن بينها مدينة القدس.
ويوم الغفران هو المتمم لأيام التوبة والغفران، ويحل بعد ثمانية أيام من بدء السنة العبرية الجديدة، ويؤمن به جميع اليهود حتى العلمانيين منهم، إذ يتم به الصوم لمدة 25 ساعة تكرس لمحاسبة النفس والتكفير والتطهير من الذنوب وإقامة الصلوات وفق الشعائر التلمودية.
وتنهى تعاليم الديانة اليهودية في يوم الغفران عن ممارسة الأعمال اليومية وهي الأكل والشرب وارتداء الحذاء المصنوع من الجلد والتطيب والاغتسال والمعاشرة وإشعال النار والكتابة بقلم وتشغيل السيارات.
يقول رئيس لجنة “تجار القدس”، حجازي الرشق: “الأعياد اليهودية تؤدي إلى شل الحركة التجارية داخل أسوار البلدة القديمة؛ نتيجة لإغلاق الشوارع الداخلية المؤدية للبلدة القديمة”
وتشير إحصاءات إسرائيلية رسمية إلى أن 80% من الفلسطينيين في شرق القدس فقراء، وأن نسبة البطالة بين الفلسطينيين في القدس تصل إلى 25%، أما معدل الدخل فيبلغ للفلسطيني نحو ألف دولار، وهو أقل من نصف تكلفة المعيشة بالمدينة، ويعيش في شرق القدس 320 ألف فلسطيني يشكلون 36% من مجمل سكان القدس بشطريها، في المقابل يعيش نحو مئتي ألف مستوطن شرق القدس.
ضرب الاقتصاد المقدسي
وعن تأثير هذه الأعياد على الوضع الاقتصادي لمدينة القدس، يقول رئيس لجنة “تجار القدس” حجازي الرشق: “الأعياد اليهودية تؤدي إلى شل الحركة التجارية داخل أسوار البلدة القديمة؛ نتيجة لإغلاق الشوارع الداخلية المؤدية للبلدة القديمة”.
ويضيف “ما نسميه بـ”أسواق التماس” أي طريق المجاهدين، وسوق السلسلة وسوق الواد وسوق البزار، الأكثر تضررًا داخل البلدة القديمة”، موضحًا أن التاجر المقدسي، يلجأ تلقائيًا إلى إغلاق محله التجاري أيام الأعياد اليهودية التي تشهد مسيرات استفزازية للمتطرفين بشعارات عنصرية، بالإضافة لتعرضهم لاعتداءات بالضرب والإهانة، بحراسة من شرطة الاحتلال.
وشدد قائلًا: “القوة الشرائية لا تصل البلدة القديمة؛ نتيجة لعدم وصول المواطنين العاديين؛ خوفًا من الاحتكاكات بالمتطرفين؛ وبالتالي ليس هناك بيع ولا شراء، الأمر الذي يؤثر سلبًا على التاجر المقدسي”.
ونوه إلى أن التاجر المقدسي يعاني من تآكل رأس المال لديه، مشيرًا إلى أن نسبة المحال المغلقة كبيرة نتيجة سياسيات الاحتلال الممنهجة ضد التاجر المقدسي، لافتًا إلى أنه في العام 2016، أغلق 265 محلًا تجاريًا، لترتفع النسبة إلى 17% عام 2017″، مضيفًا “وفي النصف الأول من العام 2018، زادت المحلات المغلقة 32 محلًا، ليصل المجموع إلى 350 محلًا”.
من جهته يتفق مدير مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية زياد الحموري، مع سابقه أن “الأعياد اليهودية، تؤثر بشكل سيء ومباشر على المقدسيين بشكل خاص وعلى أصحاب البلاد “فلسطينيي الداخل” بشكل عام؛ بسبب منع السيارات من الحركة، في أي مكان يوجد به يهود، مما يؤدي لصعوبة التنقل، ويضطر المقدسيون للجوء إلى الطرق الالتفافية”.
ولفت إلى إصدار شرطة الاحتلال قرارات بإغلاق محال تجارية للتجار المقدسيين خلال موسم الأعياد؛ بمعنى أن هناك شقين سلبيين للأعياد اليهودية شق متعلق بالاحتكاك المباشر والاعتداء على التجار المقدسيين وآخر متعلق بالحد من الحركة، مؤكدًا تضرر كل أسواق البلدة القديمة البالغ عددها 1200 محل، المغلق منها أكثر من 300 بشكل دائم.
ويرى مدير مركز القدس للحقوق الاقتصادية والتجارية، أن هدف الاحتلال من التضييق على التاجر المقدسي الوصول إلى أغلبية يهودية مقابل أقلية مقدسية فلسطينية في القدس بشكل عام والبلدة القديمة بشكل خاص.
تتعرض مدينة القدس لأخطر حملة تستهدف اقتصادها بشكل مباشر، وذلك ضمن مخطط التهويد والتهجير الذي تسير عليه دولة الاحتلال ويستند على مضاعفة الضرائب على أهل المدينة وملاحقة التجار ومنع إصدار تصاريح البناء وقتل السياحة
وفيما يتعلق بالمطلوب لدعم صمود التاجر المقدسي يرى رئيس لجنة تجار القدس أن “التاجر المقدسي ليس بحاجة إلى راتب شهري لدعم صموده، ولكن بحاجة إلى تخفيف الأعباء الثابتة عنه، كإعفاء أبنائهم من الرسوم الجامعية، وفواتير الكهرباء والماء، وضريبة المساحة وأجرة المحل”.
ودعا القطاع الخاص الفلسطيني والسلطة الفلسطينية إلى المساحة بدعم القدس، قائلًا: “لا نريد دعمًا خارجيًا للقطاع، لأننا سننطوي تحت أجندته”.
الجدير ذكره، أنه وعلى مدار العقود الخمس الماضية شهدت مدينة القدس المحتلة مدًا وجزرًا في اقتصادها، حتى وصل في سنواتها الأخيرة إلى مرحلة غير مسبوقة وقريبة من حافة الانهيار، بفعل الخطوات الصارمة التي تطبقها “إسرائيل” على المقدسيين لحصارهم وخنقهم.
وتتعرض مدينة القدس لأخطر حملة تستهدف اقتصادها بشكل مباشر، وذلك ضمن مخطط التهويد والتهجير الذي تسير عليه دولة الاحتلال ويستند على مضاعفة الضرائب على أهل المدينة وملاحقة التجار ومنع إصدار تصاريح البناء وقتل السياحة ومصادرة الأراضي وتحويلها لمناطق خضراء تمهيدًا لاحتلالها وتسليمها للمستوطنين، إضافة إلى عزلها عن محيطها من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967.
ومنذ الانتفاضة الأولى عام 1987 بدأ اقتصاد المدينة يتراجع، وازداد ذلك مع الانتفاضة الثانية عام 2000، ثم جاء الجدار العازل بين عامي 2005 و2006 ليشكل ضربة قاسية له، فحال بين القدس و150 ألفًا من أهلها، وحرم نحو أربعة ملايين من الضفة الغربية وقطاع غزة من دخولها إلا بتصاريح.