مجتمع السجن لا يختلف عن الخارج كثيرا.. هو صورة مما عليه المجتمع خارج الأسوار .. ربما يتساوى الناس في النوم على ذات الأرضية. لكن الحال في المعاملة ليس سواء للكل . يطلق على الناس هنا اما سياسي أو جنائي. والألوان بين أبيض في الغالب و أزرق لمن هو محكوم عليه و أحمر في قضايا الإعدام .. سجن الاستقبال في طرة عنابر أربعة أ ، ب ، ج ، د. الأخيران كلهم من المعتقلين من قضايا سياسية بدءا من أحداث الثلاثين من يونيو و مرورا برمسيس و رابعة و مسجد الفتح و 6 اكتوبر و قضايا أخرى لم تأخذ حقها كأحداث ماسبيرو و السفارة الأمريكية. كذلك فالعديد من أبناء سيناء بعضهم منذ سنين يقبعون هناك .
في الزيارة الأسبوعية يظهر جليا الفرق الطبقي ان صحت تسميته بذلك حيث يقف العشرات من المساجين الجنائيين على الباب ممنين النفس بحمل أغراضك مقابل علبة سجائر أو كيس سكر أو بعض من الطعام.
لا أخرج من غرفتي كثيرا وصحتي لا تحتمل ذلك و أقضي الوقت اما في الجلوس مع أصدقاء جدد عرفتهم في هذه الرحلة و آخرين من زملاء المهنة جمعتنا الأحداث معا.
هل أحس بالجوع؟ هل أقوى على الاستمرار مع أصناف الطعام من كل بقاع مصر الواردة كل يوم على المكان؟. أنا شخصية عنيدة بطبعي فيما يتعلق باصراري على تحقيق أهدافي ، واستطعت بفضل الله تطويع روحي و جسدي للاستمرار و سأظل على ذلك حتى اقتناص الحرية.
يأتيني احيانا بعض العساكر و المخبرين مبدين تعاطفا و محاولين اقناعي بألا يد لهم في الأمر. بالأمس استدعاني مأمور السجن و رئيس المباحث صباحا لكنني لم التق بهم الا دقيقة نظروا فيها الي ثم نظر كلاهما الى الآخر متمتمين بكلمة واحدة: انه حقا مضرب .. لقد خسر الكثير من الوزن. علمت في اليوم التالي أنهما قالا للخارج أني لست مضربا إلا عن طعام السجن و انا لم أذقه اصلا منذ اعتقلت قبل 247 يوما.
تصبح عليك مسئولية هنا بان تحاول استكمال توثيق الحكايا للناس هنا و البقاء قدر الامكان محافظا على وعيك و ذاتك. فالحكايا هنا من كل مدن مصر ومن كل طبقات المجتمع والكل هنا يشترك في وقوع الظلم عليهم بلا تمييز.
يخبرني أحد العساكر ممن قضى 26 عاما بأنه لم يات للوظيفة الا لأجل المال و شاب يشاركه المهنة يلعن الوظيفة ليل نهار. يجد العجوز نفسه مع رجل سجن في ذات المكان قبل 15 عاما وجها لوجه ، يسكن ذات الغرفة وكأن الشيئ الوحيد المضمون لك هو مكانك الدائم في السجن في الوطن.
أتمنى و اسال الله أن أكون في منزلي بين اهلي قبل الخامس من مايو حين يحل عيد ميلادي القادم.وفي هذه الأثناء ولساعات مضت انقطعت عن شرب الماء الا ما يكفيني لأكمل هذا الطريق .. طريق سأكتب كل تفاصيله بنفسي .. حتى النهاية .. وحتى لو كانت النهاية الموت فيكفيني أنني قد اخترت قرار حريتي وما تزحزحت عنه ..
أنا لست رقما في سجلاتكم ، ولا خبرا مكذوبا تنشرونه لطمس الحقيقة .. أنا صاحب ارادة .. و سأنتصر على الحواجز و العوائق .. ولا يهمني أن يعرفني الناس قدر ما أريد أن تصل الرسالة..
ومن رأى عظيم الله في صنعه .. لن يعبأ بصنع البشر ..
عبدالله الشامي – 1:51 صباحا – 16 أبريل.