أعلن وزير البترول المصري طارق الملا أن بلاده أوقفت استيراد الغاز الطبيعي المسال من الخارج، لتدخل مرحلة الاكتفاء الذاتي من الغاز، متحدثًا لـ”رويترز”: “بوصول آخر شحنات الغاز المسال لمصر الأسبوع الماضي نعلن وقف استيراد الغاز من الخارج”.
الوزير في وقت سابق كان قد تحدث بأن مصر ستوقف استيراد الغاز الطبيعي المسال بحلول نهاية السنة المالية 2017 – 2018، حيث تكثف إنتاجها في حقول الغاز التي جرى اكتشافها في الآونة الأخيرة على رأسها حقل “ظهر” البحري الذي وصل إنتاجه قرابة ملياري متر مكعب يوميًا بنسبة 30% من إنتاج مصر اليومي من الغاز والبالغ 6.6 مليار متر مكعب.
ورغم أن الملا لم يذكر تفاصيل بشأن إعلان الاكتفاء الذاتي ولا عدد الشحنات التي تسلمتها مصر هذا العام، فإن تصريحاته أضفت مناخًا إيجابيًا على سوق الطاقة في مصر، كون الوصول إلى هذه المرحلة يعد خطوة جيدة نحو توفير عشرات المليارات من الجنيهات كانت تنفقها مصر على وارادت الغاز سنويًا.
إلا أنها في الوقت ذاته أثارت العديد من التساؤلات سواء في موعد الإعلان عنها إذ كان من المقرر أن يكون نهاية العام الحاليّ كما هو محدد سلفًا، أم فيما يتعلق بتزامنها مع بعض الإجراءات الأخرى على رأسها استحواذ شركات ديليك للحفر الإسرائيلية ونوبل إنرجي الأمريكية وغاز الشرق المصرية على 39% من أسهم شركة شرق المتوسط، وهو الإعلان الذي جاء قبل 24 ساعة من قرار الاكتفاء الذاتي.
توفير 1.5 مليار دولار سنويًا
نجحت الاكتشافات التي تم إعلانها خلال الأعوام القليلة الماضية في سد جزء كبير من حجم الاستهلاك المتزايد للطاقة، الذي يلتهم الجزء الأكبر من الميزانية العامة للدولة، إذ وقعت مصر ما يقرب من 80 اتفاقية مع الشركاء الجانب للبحث والاستكشاف، أسفرت عن بعض الاكتشافات الكبيرة مثل حقلي نورس وظهر اللذين يحويان احتياطيات غاز تقدر بنحو 30 تريليون قدم مكعبة.
وزير الطاقة المصري خلال مداخلة هاتفية ببرنامج “مصر النهاردة” المذاع عبر فضائية “الأولى” قال إن بلاده أجادت تسخير هذه الاكتشافات لخدمة مصالحها القومية، منوهًا إلى أن مصر عجلت بزيادة إنتاجية حقل ظهر من الغاز 6 أضعاف للوصول إلى الاكتفاء قبل المدة المحددة، لافتًا إلى أن وقف استيراد مصر للغاز الطبيعي من الخارج سيوفر نحو 1.5 مليار دولار فى العام الواحد.
جدير بالذكر أن تكلفة استيراد الغاز المسال من الخارج خلال العام المالي الماضي بلغت نحو 1.8 مليار دولار، مقارنة بـ3 مليار دولار خلال 2015 – 2016 و2.5 مليار خلال 2016 – 2017، وقد أرجع الخبراء هذا التراجع إلى الاكتشافات الغازية الجديدة، إذ إنه من المتوقع أن تساهم حقول ظهر وشمال الإسكندرية ونورس وآتول في زيادة إنتاج الغاز الطبيعي خلال العامين المقبلين ليزيد إنتاج الغاز المصري بنسبة 100% في عام 2020 مقارنة بما كان عليه في 2016، وفقًا لما قاله وزير البترول العام الماضي.
تساؤلات مشروعة
أثار الإعلان المفاجئ عن تحقيق الاكتفاء الذاتي الآن بعدما كان مقررًا له نهاية العام الحاليّ العديد من التساؤلات لدى خبراء الاقتصاد وعدد من السياسيين، لا سيما الغموض المحيط بتفاصيل الإعلان الذي لم يتطرق إلى حجم الشحنات التي تسلمتها مصر مؤخرًا فضلًا عن حقيقة عملية الاكتفاء من عدمه.
رقميًا ربما يكون هناك اكتفاء ذاتي، لكن واقعيًا الأمر يحتاج إلى مزيد من التفصيل
اكتفاء ذاتي.. رقمي أم واقعي؟
التساؤل الأول الذي فرض نفسه عقب تصريحات وزير البترول المصري ما إذا كان الاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي اكتفاءً رقميًا أو حقيقيًا، والإجابة عن هذا السؤال تتوقف على عاملين أساسيين، الأول: حصة مصر من الغاز الذي يتم إنتاجه من حقولها المكتشفة مؤخرًا، الثاني: حجم استهلاكها اليومي واحتياجاتها من الغاز.
رقميًا ربما يكون هناك اكتفاء ذاتي، لكن واقعيًا الأمر يحتاج إلى مزيد من التفصيل، فبالنظر إلى إنتاج حقل “ظهر” على سبيل المثال، وهو أكبر الحقول المكتشفة التي يعول عليه في الوصول إلى مرحلة الاكتفاء، فنجد أن مصر في أول 4 سنوات لن تحصل سوى على نسبة 25% فقط من الانتاج، والباقي يذهب لصالح الشركات الأجنبية المشاركة فيه (إيني الإيطالية وروسنفت الروسية وبي. بي البريطانية).
ويبقى السؤال: من أين تعوض مصر بقية احتياجاتها من الغاز؟ الإجابة تتلخص في أنها ستشتري حصة الشركات الأجنبية بالعملة الصعبة وبالأسعار العالمية، بمعنى تحويل دفة الشراء من الخارج إلى الداخل لكن بنفس السعر تقريبًا، وهو ما يجعل مصطلح الاكتفاء الذاتي بحاجة إلى مزيد من التوضيح والتفسير.
ما مصير صفقة الغاز الإسرائيلي؟
قبل 6 أشهر تقريبًا وقعت شركات مصرية مع الحكومة الإسرائيلية صفقات لاستيراد الغاز الطبيعي بقيمة 15 مليار دولار لمدة 10 سنوات، وقبل أيام أعلنت شركة “دولفينوس” المصرية بأنها سوف تستورد أول كمية من صفقة الغاز التي وقعتها مع الحكومة الإسرائيلية بداية 2019، وأنها اتخذت الإجراءات التي تدعم ذلك.
اقتصاديون وسياسيون طالبوا القاهرة بتوضيح الغموض المصاحب لتلك الصفقة خاصة بعد إعلان الاكتفاء الذاتي، وبات التساؤل الأهم: هل تستورد القاهرة الغاز من إسرائيل أم أن الاكتفاء لم يشمل الجانب الإسرائيلي؟
بعض المصادر كشفت أن قرار وقف الاستيراد لا يشمل الصفقة الموقعة مع تل أبيب لأنها موقعة قبل إصداره، كما أن الصفقة من خلال شركة خاصة، بالإضافة لأن الغاز المستورد من “إسرائيل” خام وليس مسالاً، وهذا ما كشفته الأنباء المتداولة مؤخرًا بشأن استحواذ شركتي “ديليك دريلينغ” الإسرائيلية و”نوبل إنيرجي” الأمريكية للغاز مع شركاء آخرين على نسبة 39% من أسهم شركة غاز شرق المتوسط التي تمتلك خط الأنابيب بين مصر و”إسرائيل”.
وبموجب الصفقة البالغة قيمتها 518 مليون دولار، فإن ضخ الغاز الإسرائيلي لمصر سيبدأ مطلع العام المقبل، إلى جانب تسوية قضايا التحكيم ضد الحكومة المصرية، ما يعني أن الصفقة سارية وضخ الغاز الإسرائيلي لمصر لن يتوقف وعليه فلا يسري بشأنه قرار وقف الاستيراد كما فسره البعض.
المتحدث باسم وزارة البترول والثروة المصرية حمدي عبد العزيز، أشار إلى ترحيب الوزارة بالصفقة، في ضوء إستراتيجية مصر لأن تصبح مركزًا إقليميًا لتجارة وتداول الغاز، إذ سيؤدي الاتفاق الجديد إلى توجه الغاز الطبيعي المستورد إلى مصنع الإسالة الموجود في ميناء دمياط والمملوك لتحالف بين شركتي “يونيون فينوسا” الإسبانية “وإيني” الإيطالية، فضلًا عن توجيه كميات أخرى لأماكن أخرى داخل مصر.
قرار وقف الاستيراد لا يشمل الصفقة الموقعة مع تل أبيب لأنها موقعة قبل إصداره، كما أن الصفقة من خلال شركة خاصة، بالإضافة لأن الغاز المستورد من “إسرائيل” خام وليس مسالا
غموض بشأن مصير صفقات استيراد الغاز الإسرائيلي
ماذا عن أسعار الغاز للمواطن؟
“سعيدة بوقف استيراد الغاز المسال والاعتماد على الغاز المحلي وتسييله، هذا يعد إنجاز فعلي، وأملي أن تكون هذه مقدمة لخفض سعر بيع الغاز المحلي للمنازل والصناعة، كتعبير عن وفرة المعروض وتخفيف ولو عبء بسيط عن كاهل المواطن وزيادة تنافسية الصناعة المصرية”، هكذا علقت أستاذ الاقتصاد الدكتورة علياء المهدي العميد الأسبق لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة على خبر تحقيق الاكتفاء الذاتي عبر صفحتها الرسمية على “فيسبوك”.
التزامن الملفت للنظر بين الاكتشافات النفطية والغازية المعلنة في وسائل الإعلام المصرية وقرارات رفع أسعار الطاقة للمواطنين كان مثار تساؤل الكثير من الناس، فرغم ما يتم العزف عليه ليل نهار بشأن اكتشافات نفطية وبترولية وغازية هنا وهناك، تنقل مصر إلى آفاق الدول الكبرى، يتم رفع أسعار الغاز الطبيعي والكهرباء والمحروقات بنسب جنونية، وهو ما كان يثير الجدل داخل الشارع المصري.
البعض تفاءل خيرًا بشأن تصريحات وزير البترول وانعكاساتها على أسعار الغاز في المنازل الذي ارتفع مؤخرًا، غير أن خبراء الطاقة كان لهم رأي آخر، مرجعين رفع الأسعار إلى حاجة الدولة لتحصيل أموال، لسداد مستحقات الشركات الأجنبية العاملة في مجال التنقيب عن الغاز، وكذلك انخفاض حجم الدعم المحدد بالموازنة للمواد البترولية.
المتحدث باسم وزارة البترول في تصريحات سابقة له قال إن مصر ستحقق الاكتفاء الذاتي من الغاز نهاية العام الحاليّ وستتوقف عن استيراد الغاز المُسال، نافيًا وجود تأثير للاكتفاء الذاتي من الغاز على أسعار الغاز المنزلي، قائلًا: “الاكتفاء الذاتي ملوش دعوة”، والغاز الطبيعي يوجه جزء كبير منه في الصناعة والكهرباء، والاكتفاء الذاتي سيقلل الضغط في ميزان المدفوعات ويساعد في رفع الدعم عن الغاز، وستتوقف الحكومة عن استيراد الغاز نهائيًا.