رغم تضارب البيانات الحزبية وتصريحات السياسيين المنخرطين في السجال اليومي منذ انطلاق الثورة التونسية، إلا أن المشهد السياسي التونسي يكاد يجمع على أن فرار بن علي قبل 4 سنوات لم يخلف ورائه فقط حصاد سنوات من خيانة الأمانة، بن علي أورث أيضًا اللاحقين منظومة حكم صعبة وملفات شائكة حبلى بالألغام ولعل أبرزها “الملف الإعلامي”.
أثارت عودة رموز النظام السابق إلى المشهد السياسي والإعلامي مؤخرًا حفيظة المواطن التونسي ومن يتابعون ثورة الياسمين من قريب وبعيد، يأتي هذا في ظل خلاف حاد داخل المجلس التأسيسي (البرلمان) حول الفصل الخامس عشر من قانون الانتخابات والمتعلق بإقصاء الساسة الذين كانوا قد عملوا إبان حكم بن علي من الحياة السياسية للبلاد.
تتصدر حركة النهضة وحزب المؤتمر وحركة وفاء ونواب مستقلون قائمة المطالبين بإقرار هذا القانون الذي سيتم بموجبه منع أركان النظام السابق من المشاركة في الحياة السياسية وتقلد مناصب عليا في الدولة لمدة عشر سنوات وهو ما يرى فيه مراقبون “تحصين للثورة ولأهدافها” وضمانًا لعدم دخول البلاد عقودًا عاتمة من الاستبداد تقتل فيها روح الثورة المستكينة في الشباب العاطل في سيدي بوزيد والقصرين وتاله وغيرها من المدن التي وقفت ضد الاستبداد في ملحمة الـ 14 من يناير.
لم تتوان عدة مؤسسات إعلاميّة تونسية خاصة لاستضافة وجوه عرفت بمولاتها لنظام بن علي إلى المنابر الإعلاميّة بينها “عبير موسي” آخر أمينة عامة مساعدة لحزب التجمع المنحل، و”عزيزة حتيرة” عضوة اللجنة المركزية للتجمع والنائبة السابقة في البرلمان عن الحزب المنحل وعضوة حركة “نداء تونس” حاليًا، والقائمة تطول.
تراوحت ردود الفعل في تونس بين رافض وداعٍ للمحاسبة من جهة ومؤيد لإشراك الجميع في بناء تونس الجديدة من جهة أخرى، حيث قال أمين عام حزب نداء تونس”الطيب البكوش” إن في الإقصاء خرق لحقوق الإنسان – على حد وصفه – بينما رفضت حركة النهضة معتبرةً أن ظهور رموز التجمع من جديد هو ضرب من ضروب “الوقاحة”
“أنا البائدة .. وابنة النظام البائد” هكذا قالت شاعرة وناشطة في “حزب أفاق تونس” أحد الأحزاب الموالية لنظام بن علي خلال ندوة صحفية للحزب، لم تنتظر مواقع التواصل الاجتماعي كثيرًا لتبدأ حملات التذمر والذهول من التصريحات التي وصفها البعض بالـ “الوقحة”، موجة من الانتقادات تجاوزت الموالين للنظام القديم والمطالبين بحقهم في اعتراك السياسة بعد الثورة لتطول المجلس التأسيسي ونوابه الرافضين والمتحفظين منهم على قانون تحصين الثورة لتثار رحى حرب سياسية إعلامية عنونها الأهم “أسقطنا بن علي ولم نسقط من ورائه”، زخت المواقف والشعارات مجنونة مثل الرصاص: “النهضة خائفة من الفشل في الانتخابات” يقول البعض منها، “لا يحق لمن ثار الشعب ضده أن يشارك في الانتخابات” يرد آخر، “أعداء الثورة أصبحوا يُديرون اللعبة علنًا وأمام الشعب” يقول آخرون.
التوتر الذي لازمَ النهج الديمقراطي التونسي كظله، يشعل فتيل حرب إعلامية وتبادل للتهم بين الأحزاب الرافضة لأي مشاركة سياسية لنظام نبذه الشعب، وبين المنادين بنبذ الإقصاء، وبين هذا وذاك يبقى الإنسان التونسي مستسلمًا للحيرة والذهول أمام فضاء الإعلام المرئي والمسموع والمقروء، المنتشى بالحرية حدّ الانفلات والذي أصبحت منابره وأقلامه منصة للتدافع السياسي المحموم.