لم يكن إعلان ترك البروفيسور نيف غوردون والبروفيسور حاييم يعقوبي جامعة بن غوريون في النقب أمرًا غير متوقع، فهناك عدد لا بأس به من الأساتذة في الجامعات الإسرائيلية من أصحاب التوجهات اليسارية الراديكالية يغادرون هذه الجامعات التي كانوا يدعمون مقاطعتها من خلال دعمهم لحركة المقاطعة BDS، كما هو الحال بالنسبة لبروفيسور غوردون الذي كان يحرص على زيارة ياسر عرفات في المقاطعة خلال فترة عملية “الدرع الواقي” عام 2002 ولطالما وصف “إسرائيل” بأنها “دولة أبرتهايد” كما كان يرى أن خطف الجندي جلعاد شاليط على يد حماس لم تكن عملية إرهابية، ووصفه لعمليات الجيش الإسرائيلي في غزة بأنها “مجازر”، كما جاء في تقرير لموقع “مكور ريشون” الإسرائيلي.
يذكر التقرير أن غوردون ويعقوبي من كبار الباحثين في جامعة بن غوريون ومن كبار المناهضين للصهيونية ممن قرروا مغادرة “إسرائيل” وهو ما أثار زميلهم البروفيسور يسرائيل دافييد الذي قال في مقابلة له: “لقد عملت لفترة طويلة من أجل أن يتم طردهم من الجامعة ولكن المؤسف أنني لم أستطع ذلك وأنهم غادروا وحدهم عن قناعة”.
ولكنه يضيف أن الجامعة ضاقت ذرعًا بالأنشطة التي كانوا يقيمونها وكادت تتسبب بإغلاق قسم العلوم السياسية في الجامعة، هذا بالإضافة إلى أن المظاهرات والأنشطة – بحسب دافييد – كانت تؤخر الجامعة عن التقدم والتميز، وهذه الرسالة تم إيصالها لهؤلاء الأستاذة الذي تركوا الجامعة ومنذ ذلك الحين والجامعة لم تعرف المظاهرات والأنشطة “المزعجة” كل شهرين أو ثلاثة.
البروفيسور نيف غوردون
في الآونة الأخيرة ترك العديد من الأساتذة المنهاضين للصهيونية الجامعات الإسرائيلية وانتقلوا للعمل في جامعات أجنبية في أوروبا وكندا والولايات المتحدة الأمريكية، أحد هؤلاء الأستاذة هو البروفيسور إيلان بابيه الذي اعتاد أن يلقي باللوم على “إسرائيل” باعتبارها تمارس الإجرام الاستعماري “الكولونيالي”، ويصور بن غوريون باعتباره مجرم حرب، ويعمل اليوم بجامعة أكستر في إنجلترا بعد أن ترك “إسرائيل” منذ بضعة أعوام.
إيلان بابيه ليس وحده، فهناك عدد لا بأس به من المحاضرين المنهاضين للصهيونية – من أمثال البروفيسور – الذين عدهم التقرير وهم: عدي أوفير وبروفيسور عنات بيلتسكي التي كانت قد ترأست منظمة “بتسليم” الحقوقية لخمسة أعوام في الماضي، وهناك بروفيسور أريالة أزولاي والبروفيسور حاييم براشيت الذي كان يدير قسم السينما في كلية سابير ويعتبر اليوم من أهم الداعمين لحركة مقاطعة “إسرائيل” في بريطانيا، وبالإضافة لهؤلاء هناك البروفيسور عدي زرطل والدكتور إيال سيفان الذي انتقل للتدريس بجامعة أكستر في فرنسا، أيضًا الدكتور ميراف أمير الذي انتقل للتدريس بكوينز في بيلفست.
يذكر التقرير من خلال مقابلة مع البروفيسور الحنان يكيرا من قسم الفلسفة في الجامعة العبرية أن هذه الظاهرة مؤشر على تفتت النخبة الأكاديمية المناهضة للصهيونية داخل “إسرائيل”، ويعتبر أن أحد الأسباب المهمة التي تساهم في ذلك هي أن الخطاب المناهض لـ”إسرائيل” في الأكاديمية الغربية يستقطب هؤلاء المناهضين ويقدرهم، ويضيف أن هؤلاء المحاضرين يحظون باهتمام كبير حتى لو لم يكونوا متميزين أو حتى لو كانت قدراتهم أقل من المتوسط.
كما أنه يؤكد أن هذا الاستقطاب الكبير يتيح الكثير من الخيارات للمحاضرين المناهضين لـ”إسرائيل”، خاصة أن الخطاب المناهض للصهيونية – كما يؤكد يكيرا – فشل في “إسرائيل”، حيث ينعدم “الطلب” على هذه “البضاعة” بينما نجد هذا الخطاب مطلوبًا باستمرار خارجها.
رغم كل النقد لمناهضي الصهيونية من المحاضرين الإسرائيليين، فإنهم يحظون باهتمام كبير في الخارج كما يؤكد التقرير
يقول يكيرا:” بعد سنوات من رهان المناهضين للصهيونية اكتشف هؤلاء أنهم خسروا المعركة، فالدولة الصهيونية لم تتفتت كما كانوا يظنون، بعض هؤلاء مثل البروفيسور عدي أوفير كان يزعم أن الصهيونية على شفة الانهيار وقد اتضح له أن الصهيونية باتت أقوى، سأسمح لنفسي أن أقول بأن “جنون مناهضتهم للصهيونية” لم يأت بأي نتيجة وكل هذه المحاولات التي ترتبط بالأفكار المناهضة للصهيونية التي بحسبها لا يوجد حق لقيام وطن يهودي وأن الصهيونية تأسست على الإجرام لم تلق قبولًا في “إسرائيل”، بالمقابل في خارجها هناك اهتمام كبير بهذه الأفكار، أما في “إسرائيل” فإنه شبه معدوم وبالتالي فإن هؤلاء الأساتذة يغادرونها”.
هناك أسباب أخرى يشير إليها التقرير مثل اعتلاء اليمين سدة الحكم في “إسرائيل”، ووجود حركات طلابية مثل “إم ترتسو” الصهيونية المتطرفة في الجامعات، بالإضافة إلى النقد اللاذع من معظم المجتمع الإسرائيلي هي أحد أهم الأسباب التي أدت بهذه الفئة بالتفكير مجددًا إن كانت “إسرائيل” المكان الصحيح لتنشئة أبنائهم، وبالتالي فعندما تتاح لهم فرصة مميزة في الخارج فإن القرار بترك “إسرائيل” يكون أسهل بكثير عليهم، كما تقول إحدى المحاضرات.
يضيف بروفيسور أفرايام عنبر بأن هناك حالة من اليأس من القدرة على تغيير السياسات الإسرائيلية تؤدي بغالبية المحاضرين المناهضين للصهيونية بالمغادرة إلى الخارج، “يجب ألا ننسى أنه في مقابل الأقسام المناهضة للصهيونية في الأكاديمية الإسرائيلية فإن غالبية المجتمع الإسرائيلي صهيوني، وبالتالي فإن المناهضين وهم قلة يشعرون أحيانًا بأنهم أقلية مطاردة”، ويضيف: “بحسب رأيي الأفضل أنهم يغادرون لأن ضررهم في الخارج أقل من ضررهم هنا، بدلًا من أن يلوثوا عقول الطلاب ورجال الجيش – في مقاعد الدراسة – بأفكارهم، فمن الأفضل أن يلوثوا عقول الناس هناك، البيت أهم بكثير”.
رغم كل النقد لمناهضي الصهيونية من المحاضرين الإسرائيليين، فإنهم يحظون باهتمام كبير في الخارج كما يؤكد التقرير، وأبرز مثال هو البروفيسور إيلان بابيه الذي سبق ذكره والمعروف بدعمه لحركة مقاطعة “إسرائيل” BDS، فحتى عام 2007 كان بابيه يدرس في جامعة حيفا وكان عليه أن يتحمل الكثير من النقد اللاذع من المؤسسة الأكاديمية الإسرائيلية، في الخارج، بالمقابل، فإن محاضراته ضد “إسرائيل” والصهيونية مطلوبة جدًا، وغالبًا ما يتم تصويره على أنه رجل شجاع خرج عن طوع حكومة بلاده، وحتى الإعلام العربي الذي يتابع ويكتب عن مؤلفاته مثل كتاب” أكبر سجن في العالم – تاريخ الأراضي المحتلة” يصور إيلان بابيه باعتباره رجل سلام، يعيد كتابة تاريخ قيام “إسرائيل” عام 1948 بطريقة مختلفة، كما يتم تصويره كلاجئ استطاع الهروب من دولة اليهود بعد الضغوط التي مورست ضده وجعلته يتركها.
أحد أهم الشخصيات التي عملت بشكل نشط على ملاحقة المحاضرين المناهضين للصهيونية وبالأخص البروفيسور نيف غوردون هو أرز تدمور من منظمة “إم ترستو” الطلابية الصهيونية
بالاضافة إلى ذلك، تزعم دانا برنت المتخصصة في متابعة المناهضين للصهيونية من أمثال إيلان بابيه أنه لم يطرد من جامعة حيفا وببساطة وجد وظيفة أفضل في جامعة أكستر في قسم الدراسات الفلسطينية، فبحسب برنت فإن المؤسسات التي تحمل نزعة ضد “إسرائيل” والصهيونية تهتم بتوظيف يهود وإسرائيليين ينتقدون “إسرائيل” بشكل لاذع.
وتشير أن هناك جامعات مهمة وأخرى أقل أهمية تبحث عمن يقول بأن “إسرائيل” هي دولة أبارتهايد، فتقول: “مع كل الاحترام للمحاضرين من العالم العربي فإن وزنهم في نقد “إسرائيل” بالمقارنة مع نقد الإسرائيلي لدولة “إسرائيل” أقل بكثير، هذا غير أن هؤلاء اليهود يدفعون عن هذه المؤسسات تهمة معاداة السامية”.
في أقسام “اليسار الراديكالي”، هناك من يدعي وجود تضييقات على المحاضرين المناهضين للصهيونية في الأكاديمية الإسرائيلية، في الماضي كان هناك ادعاء بأن الدكتورة أرئيلة أزولاي لم تتم ترقيتها في جامعة بار إيلان بسبب آرائها السياسية، أزولاي هي زوجة البروفيسور عدي أوفير – من كبار المناهضين للصهيونية – وهي التي أسست جمعية “نحن اللاجئين” التي تعني بشؤون اللاجئين الأفارقة، انتقلت مؤخرًا إلى الولايات المتحدة الأمريكية وتدرس في جامعة براون.
في العام الماضي، حصلت حادثة أخرى مع دكتور دوتن لاشم من جامعة حيفا، الذي انتقل حاليًا للعمل مع جامعة كولومبيا في الولايات المتحدة الأمريكية، لاشم ادعى بأنه أقيل من جامعة حيفا بسبب تعبيره عن آرائه اليسارية المحرجة، وبالأخص تلك المتعلقة بنقده للـ”رؤية الاقتصادية اليمينية” التي تتبناها جريدة هآرتس، ولكن الجامعة ترفض هذا الادعاء وكل الادعاءات السابقة.
يقول البروفيسور يكيرا: “هذا الخطاب الذي تتبناه الأقسام المناهضة للصهيونية الذي يميل إلى تحويلهم لضحايا مظلومين من النظام هو الهراء بحد ذاته”، ويضيف أن هؤلاء وكل ما يقومون به لا يثير الأكاديميا الإسرائيلية ولا يؤدي لأي مكان”، ويستحضر منظمة “متسبين” التي تأسست عام 1962 ونشطت ضد الصهيونية وكان مصيرها الفشل وتشتت أعضاؤها وقسم منهم انتقل إلى الخارج، ولم يتبق منهم شيء.
أحد أهم الشخصيات التي عملت بشكل نشط على ملاحقة المحاضرين المناهضين للصهيونية وبالأخص البروفيسور نيف غوردون هو أرز تدمور من منظمة “إم ترستو” الطلابية الصهيونية، أحد أهم الأنشطة التي قام بها تدمور هي تقديم تقرير مفصل عن المناهج الدراسية المتحيزة التي يقف خلفها غوردون في جامعة بن غوريون، وقد عبر عن سروره أن المراجعات اللاذعة التي قام بها كان لها دور مهم ومساهمة كبيرة في جعل محاضرين مناهضين للصهيونية يغادرون “إسرائيل”.
يتهم تدمور هؤلاء بأنهم مثل من يركب في سفينة ويحاول إغراقها وبالتالي فإنه لن يشعر بالأمان فيها، ويضيف أنهم كانوا يحاولون غسل أدمغة الطلبة من خلال مناهج تعليمية “سيئة”.