لقد عاشت تونس هزات متتالية بعد الثورة و هذا طبيعي فالثورة كانت بمثابة الزلزال الذي غير معطيات كثيرة و لعل أخطر الهزات كانت الاغتيالات التي بدأت يوم 6 فيفري 2013 باغتيال الاستاذ شكري بلعيد و انتهت يوم 25 جويلية 2013 باغتيال الزميل محمد البراهمي . أكيد أن حادثة اغتيال محمد البراهمي كان لها وقعها الخاص على الوضع في تونس لقد تزامنت مع عدة أحداث منها ما تعيشه مصر بعد الانقلاب العسكري الذي أطاح بأول رئيس منتخب في تاريخ مصر و خاصة ما يمر به مسار الانتقال الديمقراطي في تونس من قرب انهاء هذه المرحلة الانتقالية مع انتخاب غالبية أعضاء الهيئة العليا المستقلة للانتخابات و بداية وضوح الرؤيا حول تاريخ الانتخابات . اعتبرت حادثة اغتيال محمد البراهمي طعنة مؤلمة للمسار الديمقراطي في تونس خاصة ان جرح الاغتيال الاول لم يندمل بعد و خيوط تلك الجريمة النكراء لم تكشف كليا للشعب التونسي . كان على هذه الحادثة أن توحدنا كمواطنين و كأحزاب سياسية مهما كانت اختلافاتنا و لكن ما حصل أن عدد من نواب المعارضة اختاروا مساندة الهدف الذي اراده قاتل البراهمي فاعلنوا انسحابهم من المجلس و ايقاف كل المسار و العودة إلى النقطة الصفر و إلى الفراغ و الحال أن تونس كانت بحاجة لنا جميعا اغلبية و معارضة حتى نكون يدا واحدة و نجعل مصلحة تونس فوق كل اعتبار .
ثورات الربيع العربي كانت بمثابة المفاجأة غير السارة لعدد من القوى الدولية و الاقليمية و حتى العربية فالأنظمة الفاسدة التي ثارت عليها هذه الشعوب سواء في تونس أو مصر أو ليبيا أو سوريا كانت حامية لمصالح هذه القوى و بالتالي تجندت هذه القوى منذ البداية للإفشال الثورات و سوريا أكبر شاهد على ذلك. أما الدول التي نجحت ثوراتها في البداية باسقاط انظام البائد كتونس و مصر كانت الاجندة الدولية أن هذه الدول لا يجب ان تستكمل المسار الديمقراطي خاصة بعد فوز أحزاب ذات مرجعية إسلامية في الانتخابات و بعد ان ظهرت مؤشرات تبين إمكانية نجاح الإسلام السياسي في هذه البلدان . حادثة الاغتيال الاخيرة في تونس أكدت وجود هذه الأجندة فكلما شارف المسار على نهايته خلقت الأزمات و خاصة الاغتيالات . هذه الأجندة للآسف تنفذ بأياد محلية تونسية و بمباركة الدولة العميقة في تونس من إعلام لا زال وفيا للمنظومة السابقة و قضاء في جانب كبير منهم فاسد و كان آداة فعالة في يد النظام البائد و لللآسف احزاب معارضة تضع مصلحتها الحزبية فوق مصلحة تونس و تتحالف مع بقايا التجمع المنحل و تنخرط دون وعي في خطة اغتيال المسار الديمقراطي الوليد في تونس .
إن تقييمنا لآداء الترويكا خاصة على المستوى الأمني لا يبدو يسيرا فالمنظومة الأمنية في تونس موروثة بكل تفاصيلها و كل هيناتها من النظام البائد و هي لازالت تتلمس الطريق بحثا عن ذلك الامن الجمهوري الذي نحلم به جميعا أمن لا يخدم أي طرف سياسي في السلطة او خارجها و ما يستلزمه ذلك طبعا من إصلاح لهذا القطاع و تطهيره من الفاسدين . أيضا المؤسسة العسكرية لم تكن بمنأى عن السلبيات و إن كان ذلك بأقل حدة من المؤسسة الأمنية ذلك ان نظام المخلوع همشها بشكل كبير و ذلك من خلال قلة التجهيزات و العتاد . طرح المشكلة الأمنية اليوم في تونس لا يجب أن يكون منأى عن اعتبارين : الاعتبار الأول هو طبيعة المرحلة و هي كزنها مرحلة سياسية و بالتالي توظيف المشكل الأمني لأغرض حزبية دائما وارد و هو ما سيجعل هذا الاشكال يتفاقم لأن الأطراف التي هي اليوم في المعارضة و خاصة الأطراف التي ثار عليها الشعب التونسي سترى في توتير الوضع و تهديد أمن المواطنين فرصة سانحة لطرح نفسها كبديل في الحكم رغم أن الانتخابات لم تمنحها أكثر من 3% في الانتخابات السابقة . الاعتبار الثاني هو أن ما يحص اليوم في الشعانبي هو إرهاب و الإرهاب لم تأتي به الثورة بل كان موجودا سابقا في تونس و أحداث سليمان ليست ببعيدة و بالتالي محاربته تحتاج كثيرا من الوقت و الطاقات الاستخباراتية و خاصة توحد كل الأطرف حول ضرورة مكافحة هذه الظاهرة و عدم انخراط بعض وسائل الاعلام و عدد من السياسيين في هذا الارهاب بتبينهم لخطاب تحريضي يدعو للعنف و الاقتتال.
ختاما لا يمكننا القول اليوم ان تونس لا تعيش أزمة فهناك أزمة حقيقية في تونس و لكن أيضا هناك مسار انتقالي يعيش مخاضا عسيرا و المولود الذي سينبثق عنه هو ما حلم به الشعب التونسي طيلة خمسين سنة و هو أن يعيش ديموقراطية كاملة يكفل له فيها حقه في ممارسة كل الآليات الديمقراطية دون قيد أو شرط و أهم هذه الآليات هي الانتخاب . كل الفرقاء السياسيين اليوم يقدمون مواقفهم و لآراءهم حول الوضع في تونس إما في المنابر الإعلامية أو في جلسات سرية تجمع بعض الأطراف فيما بينها لكن إلى حد الساعة لم يجتمع كل الفرقاء السياسيين على طاولة واحدة للحوار و عرض كل المبادرات و مناقشتها و البحث عن حل للازمة يكون فيه صوت المواطن التونسي الذي أدلى به يوم 23 أكتوبر مصان و أيضا تكون فيه مصلحة تونس و أمنها فو كل اعتبار . ما تحتاجه تونس و ستبقى تحتاجه حتى في غير الازمات هو الحوار ثم الحوار فليس لنا بديلا عنه خاصة إن أقررنا ان تونس لن تحكم طيلة العشرية القادمة و ربما بعدها من طرف حزب واحد .