شهدت المناطق التي تخضع للمعارضة المسلحة في الشمال السوري، عددًا من الاتفاقات الدولية، كما سبقتها اتفاقات تخص مناطق أخرى كانت تخضع للمعارضة جنوب سوريا، وأهمها اتفاق خفض التصعيد الذي أقره مؤتمر أستانة الذي لم يجد أي نفع للمعارضة، وتلاه قمة طهران ومؤتمر سوتشي، بخصوص الشمال السوري (الموقع الأخير للمعارضة المسلحة).
أغلب الاتفاقات الدولية كانت تصب بمصلحة النظام وميليشياته، لكن النظام لم يكتف بهذا فحسب، بل حاول إيجاد طرق جديدة تمكنه من إعادة وجوده في مناطق خرجت عن سيطرته منذ سنوات، وتوقفت فيها جميع المؤسسات التي تعود إليه، بعدما تعرض جلها للقصف والدمار والسرقة، دون انتظار الاتفاقات التي يقوم بها حليفه الروسي مع تركيا حليفة المعارضة.
انتخابات المجالس المحلية في مناطق النظام
النظام ينشئ مجالس محلية في مناطق خارجة عن سيطرته
أجرى النظام السوري انتخابات الإدارة المحلية، في شهر سبتمبر/أيلول الماضي، بعدما أعلن في يونيو/حزيران عزمه إجراء انتخابات للإدارة المحلية، لينهي بذلك حالة تمديد ولاية وحدات الإدارة المحلية بموجب المرسوم التشريعي الذي أصدره في 2016 الذي يحمل رقم 14.
وكالمعتاد جرت الانتخابات بتدخل سلطوي وترتيب أمني دون أي اعتبار لرأي السكان المعنيين بانتخاب المجلس الخاص بمنطقتهم، وتعتبر طريقة الانتخابات إعادة تجميل جديدة للمجالس التي تكون بمثابة مؤسسة أمنية من جيش النظام ولا تخلو من المخبر والحزبي والأمني التابع للنظام والشيخ الذي يمهد لسلطة النظام التي تبدو أكثر شرعية بعدما أعيد تجميلها بإضافات من ميليشيات وتجار أزمات.
ولم يستثن النظام المناطق التي خرجت عن سيطرته منذ أعوام وإنما حاول إعادة هيكلة مجالسها القديمة التي كانت متكونة بمجلس البلدة أو المدينة، وهذه كانت متربصة بحكم الأسد لاحتوائها ثلاثية الشيخ والحزبي والمخبر الأمني، ومؤخرًا أنشأ النظام مجالس محلية للعديد من المناطق في ريف إدلب وريف حلب الغربي ومناطق درع الفرات وغصن الزيتون.
وإضافة إلى ذلك طرح النظام أسماء أعضاء المجالس ورؤسائها الجدد، بطريقة انتخابية حسب تعبيره، وأغلب هذه الإجراءات اتخذت في مراكز المدن، وجميع أعضاء المجالس كانوا يستطيعون التنقل بين مناطق المعارضة والنظام وما زالوا يمارسون عملهم في مراكز النظام بمناطق سيطرته، وهم يعلنون ولائهم للنظام بشكل كامل.
استطاعت مخابرات النظام خلال فترة وجيزة وضع خرق أمني كبير في صفوف المعارضة، المدنية ثم العسكرية ومنها ما نشأ بمصطلح “الضفادع” نظرًا لتعاملهم مع النظام في الجنوب السوري، وتسليم العديد من المناطق للأخير عن طريقهم
جرت هذه الانتخابات بطريقة جديدة دون مشاركات السكان الأصليين فيها، وسط تهميشهم بطريقة غير شرعية، وعمل النظام على استغلال الانتخابات المحلية لتنشيط دور حزب البعث من جديد من خلال دمجه بالمحليات إدارة وتوجيهًا وعضوية كما كان سابقًا، الأمر الذي ظهر من خلال هيمنة حزب البعث، دون ظهور لأي أحزاب أخرى، كما تمكن النظام من وضع مجالس تابعة له، بعيدًا عن المجالس المحلية التي تديرها تركيا والحكومة المؤقتة.
المعارضة تعتقل خلايا تروج للمصالحات مع النظام
خلايا تروج لمصالحات مع النظام
لجأ النظام إلى الترويج له في مناطق سيطرة المعارضة بعدما فقد أمله بالاتفاقات الدولية التي تبعده جانبًا وتكون روسيا البديل الوحيد عنه، حيث استطاعت مخابرات النظام خلال فترة وجيزة وضع خرق أمني كبير في صفوف المعارضة، المدنية ثم العسكرية ومنها ما نشأ بمصطلح “الضفادع” نظرًا لتعاملهم مع النظام في الجنوب السوري، وتسليم العديد من المناطق للأخير عن طريقهم.
كما كان جزء من الحملة الأخيرة التي روج لها النظام وروسيا في الشمال السوري، عن طريق رواد المصالحات الذين أقاموا اجتماعات مكثفة مع قوات النظام بالقرب من سيطرته، ومضمون الاجتماعات كان الترويج لقوات النظام وميليشياته في مناطق المعارضة وتشكيل خرق أمني في صفوف الأخيرة وتحميلها عبء الحرب المحتملة على الشمال السوري، وجل الذين كانوا يخوضون اجتماعات للترويج للنظام هم معلمون ومخاتير البلدات، نظرًا لمكانتهم المجتمعية وتأثيرهم، فهم كانوا على صلة وثيقة بالنظام وكانوا يكتبون تقارير دورية تفيد النظام بأخبار المنطقة، فنجت المعارضة من الحد من شبكاتهم.
تعامل النظام مع ريف حلب الشمالي ومنطقة درع الفرات، مختلف تمامًا عن إدلب، حيث حاول استهداف القادة العسكريين من الصف الأول والثاني، عن طريق أشخاص تابعين له في المنطقة
وفي تصريح لـ”نون بوست” قال الناطق الرسمي في الجبهة الوطنية للتحرير النقيب ناجي مصطفى: “استطعنا إلقاء القبض على عدد كبير من مروجي المصالحات مع النظام”، وأضاف: “هذه العملية قمنا بها بعدما تم تقديم بلاغ من الأهالي، بخصوص المصالحات مع النظام”، واستدركت الجبهة الوطنية للتحرير الأمر خلال عمليات المداهمة التي استهدفت مروجي المصالحات، حيث شملت مناطق في ريف حماة الشمالي وريف إدلب الجنوبي.
وفي السياق ألقت هيئة تحرير الشام القبض على عشرات المروجين للمصالحات مع النظام نظرًا لتعاملهم المباشر مع قوات النظام وميليشياته في حملة أمنية شنتها طيلة الشهر الماضي، إلى جانب حملتها الأمنية التي تستهدف عناصر تنظيم داعش في إدلب، ويبدو أن المعارضة استطاعت أن تعيد مكانتها خلال اعتقالها للعديد من المروجين للمصالحات مع النظام، وتحاول أن تظهر أكثر ثباتًا في محاولات النظام المتكررة للسيطرة على المنطقة بشتى السبل.
النظام يستخدم عملاء محليين للقضاء على قياديين في المعارضة
النظام يستخدم عملاءً محليين للقضاء على المعارضة في درع الفرات
لا يبدو الأمر أكثر تماسكًا في درع الفرات، فالخطر قادم طالما كانت إدلب هي الأولى، فمناطق درع الفرات وغصن الزيتون هي الثانية في حال سيطر النظام على إدلب، وحتى إذا كان احتمالًا ضعيفًا فالمخاوف مترافقة مع القاطنين في المنطقتين.
وكان تعامل النظام مع ريف حلب الشمالي ومنطقة درع الفرات، مختلفًا تمامًا عن إدلب، حيث حاول استهداف القادة العسكريين من الصف الأول والثاني، عن طريق أشخاص تابعين له في المنطقة، وذلك ببث الفتنة بين قادة الفصائل لضرب بعضهم الآخر، وتشويه سمعتهم للتخفيف من الشعبية التي نالوها في المنطقة، حتى تستلم جهة رسمية تعلن وفائها للنظام، ولعل الجهة موجودة طالما استخدم النظام قيادات في الفصائل العسكرية في المنطقة لصالحه، فمن المتوقع أنه سيكون لها مقابل خلال قيامها بالأعمال التي طلبت منها، وستكون القضاء على أبرز القادة في المنطقة.
يظهر أن حزب البعث قد أعاد مجده من خلال تسلمه كل الأمور التي يمكن أن تضرب المعارضة المسلحة، وقد نجح في ذلك بعد أن تمكن من إنشاء مجالس محلية وإعادة عمل شعب الحزب في مناطق النظام
كما استطاعت الفروع الأمنية التابعة للنظام في حلب وفرع حزب البعث على وجه الخصوص من الخوض في هذا المجال وإقامة خرق أمني كبير في صفوف المعارضة التي لا تبدو متماسكة كما في السابق، بعدما أثار عملاء النظام المحليين الفتن بينهم، واتهامهم بعمالتهم للمخابرات، وفي حال استمرار هذا الأمر فمن المحتمل أن تخسر المعارضة مناطقها في أي وقت طالما أنها لم تنه هذا الملف الذي يبدو أكثر تعقيدًا.
ويظهر أن حزب البعث قد أعاد مجده من خلال تسلمه كل الأمور التي يمكن أن تضرب المعارضة المسلحة، وقد نجح في ذلك بعد أن تمكن من إنشاء مجالس محلية، وإعادة عمل شعب الحزب في مناطق النظام، ونشر وثائق تفيد بوجود أشخاص بين صفوف المعارضة يتعاملون مع النظام، وفي المرحلة القادمة يجب على المعارضة المسلحة القضاء على أي وجود أو تلميح للنظام في المناطق المحررة، والقضاء على الذين يعملون لصالحه، وإذا لم تنجح في ذلك فسيتمكن النظام من السيطرة على المنطقة بطريقة غير عسكرية كانت ستكلفه الكثير.