ترجمة حفصة جودة
لقد تحملت مدينة البصرة العديد من الأزمات في تاريخها الحديث، ما بين الخسائر الثقيلة في أثناء حرب العراق وإيران والاحتجاجات العنيفة في الثورة ضد صدام، وحتى العنف الطائفي بعد الغزو الأمريكي عام 2003 الذي تسبب بانتشار الجثث في الشوارع.
لكن بالنسبة للنشطاء، فانهيار البنية التحتية لمياه المدينة هو الأمر الأكثر خطورة الآن، فقد دخل أكثر من 100 ألف شخص المستشفى نتيجة لأمراض تتعلق بالمياه، بينما احتج الآلاف في الشوارع بسبب نقص المياه الصالحة للشرب، وتشير مقاطع الفيديو التي يسجلها السكان المحليون إلى تحول مياه نهر شط العرب إلى اللون الأسود بسبب التلوث والتخثر بالملح.
يعد نهر شط العرب نقطة التقاء بين نهري دجلة والفرات ويجري في وسط البصرة، وهو مصدر الإلهام التاريخي لقصص البحار سندباد، يقول شكري الحسن أستاذ العلوم البحرية بجامعة البصرة: “أما الآن فهو ملوث بالجراثيم والمواد الكيميائية والطحالب السامة مع ارتفاع نسبة الملح بشكل غير مسبوق وكأنه مياه البحر”.
دخل أكثر من 100 ألف شخص المستشفى نتيجة أمراض تتعلق بالمياه
يقول نقيب اللعيبي منظم الاحتجاجات في البصرة: “هذا أسوأ ما مر على النهر، يمكنك ملاحظة أن الطيور لا تقترب من النهر أبدًا بسبب تسمم المياه، نحن نخسر الكثير من الأرواح نتيجة لذلك”.
فشلت الحكومات المحلية والمركزية لسنوات عديدة في تحسين الوضع، وفي شهر يوليو/تموز وصل نقص المياه لمستويات خطيرة فتدخلت المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص في محاولة لسد تلك الفجوة.
تم افتتاح محطة مياه “الوفاء” يوم الأحد الماضي التي أُنشأت على قطعة أرض بالقرب من نهر شط العرب، وبنتها شركة “زمزم” العراقية ومول المشروع رجل أعمال من البصرة يدعى ماجد السعدي، كان السعدي قد غادر العراق في السبعينيات لكنه عاد إليها بعد الإطاحة بصدام حسين عام 2003.
أحد المهندسين يبدأ في تشغيل معدات معالجة المياه
اجتمع السياسيون المحليون والسكان والصحفيون وموظفو المنظمات غير الحكومية وطلاب المدارس ليشهدوا افتتاح المشروع الجديد الذي تزامن مع بداية العام الدراسي الجديد في العراق، وقد أُنشأ المشروع في المقام الأول لخدمة مدارس البصرة التي تعاني من خطر انتشار الأمراض المعدية بشكل سريع، يقول عبد الحسين رئيس التعليم في البصرة: “هناك نحو 70 طالبًا في كل فصل، ومع تلوث المياه فوجود هذا العدد الكبير من التلاميذ قد يتسبب في حدوث مشكلة كبيرة”.
بعد مراسم الافتتاح قطع السعدي الشريط وجرت المياه في الخزانات ليتم توزيعها على المدارس والمستشفيات وبعض المنازل المحلية، وتعد المحطة واحدة من بين 4 مرافق جديدة سيتم افتتاحها، وعلى الرغم من أن الأولوية للمدارس والمستشفيات فإن الخزانات تمتلئ بسهولة حتى إن السكان المحليين يستطيعون ببساطة الحصول على حاجتهم من المياه.
يقول علي أحد سكان البصرة: “إنه أمر عظيم، نحن نعاني من ملوحة المياه منذ فترة طويلة وهذه المحطة تجعلنا سعداءً للغاية، نحن فخورون بتلك الخطوة”.
فشلت الحكومات المحلية والمركزية لسنوات عديدة في تحسين الوضع، وفي شهر يوليو/تموز وصل نقص المياه لمستويات خطيرة
أعرب علي عن خيبة أمله هو والآخرين بسبب اعتمادهم على تدخل القطاع الخاص لحل المشكلة بدلًا من الحكومة، ويضيف علي: “لا أدري لماذا لم تقم الحكومة بتلك الخطوة، اعتقد أنهم مشغولون بأشياء أخرى مثل قتال داعش، لكن البصرة مدينة غنية بالنفط وتعد الرئة التي يتنفس بها العراق، لا أدري لماذا لا يهتمون بها”.
فساد مزمن
وفقًا لهيئة النزاهة العراقية – وهي هيئة حكومية مكلفة بالتحقيق في قضايا الفساد بالبلاد – فهناك نحو 13 محطة لتحلية المياه موجودة في البصرة منذ عام 2006 بدعم من جهات دولية، لكن لم يتم تشغيلها أبدًا حتى أصبحت بحالة سيئة بالإضافة إلى سرقة أجزاء منها، وقالت الهيئة إنها قدمت أوراق التحقيق للقاضي المختص حتى يتخذ الإجراء القانوني المناسب.
يعد الفساد المزمن ونقص الكفاءة في البصرة أحد الأسباب الرئيسية التي أدت إلى تفاقم الأزمة في المنطقة، وكان المحتجون قد أضرموا النيران في مباني الحكومة المحلية والأحزاب السياسية، وطالبوا باعتقال السياسيين بسبب مشكلة المياه وكذلك من أجل المحتجين الذين قُتلوا في أثناء القمع العنيف للتظاهرات.
ماجد السعدي أثناء افتتاح محطة معالجة المياه
يقول ماجد السعدي إنه في أثناء التحقيق بإمكانية معالجة مياه شط العرب أخبروه أن المياه ملوثة وغير صالحة للشرب، ويضيف: “لذا استقدمت بعض الخبراء التقنيين لتحليل المياه فقالوا إنه من الممكن معالجة المياه لتصبح صالحة للشرب”.
وقال السعدي إنه تحدث إلى مدير إدارة الموارد المائية ليلة افتتاح المحطة ووجد أنه متفاجئ بأن مياه نهر شط العرب صالحة للشرب، كما أنه يمتلك خططًا لمعالجة المياه وتتضمن أفكاره لحل المشكلة بناء سد جديد في منطقة ديالى بتكلفة 1.5 مليار دولار، ويضيف السعدي: “لكنه قال إنه لا يوجد تمويل كاف، وأنا مندهش لعدم وجود تمويل، فالنفط يجب أن يكون كافيًا لتمويل مشروع بهذا الحجم”.
في يوم الخميس الماضي أعلنت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية أنها تبرعت بمبلغ 750 ألف دولار لليونيسيف من أجل إنشاء 5 مضخات وإصلاح محطة معالجة مياه قائمة وتشجيع بناء مشاريع المياه.
أعلنت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية أنها تبرعت بمبلغ 750 ألف دولار لليونيسيف من أجل إنشاء 5 مضخات وإصلاح محطة معالجة مياه قائمة
يقول بيتر هوكينز ممثل اليونيسيف في العراق: “سوف يساعد هذ المبلغ على ضمان حصول 750 ألف شخص على مياه آمنة وصالحة للشرب في هذا الوقت العصيب، وكذلك حصول 50 ألف طالب على مياه نظيفة عند ذهابهم إلى المدرسة”.
أحد المصادر الأخرى الرئيسية لدعم مشاريع المياه في البصرة هو مكتب علي السيستاني أكبر رجل دين شيعي في العراق، حيث اشترى مكتب السيستاني 18 مضخة مياه لقناة البدعة التي تنقل المياه العذبة من محافظة ذي قار إلى البصرة، كما تبرع بنحو 60 مليون دولار من الصناديق الخيرية لحل أزمة المياه.
وفي الوقت الذي يشرف فيه موظفو المكتب على إقامة منشآت تحلية المياه، فقد أدان حكومة بغداد ودعا مواطني البصرة للاستمرار في الاحتجاج واستخدام الوسائل القانونية لإنهاء اضطهاد البصرة.
تدفق المياه العذبة في الخزانات
كان السياسيون في العراق يشتكون مرارًا وتكرارًا من أن السدود الجديدة في تركيا وإيران هي المسؤولة عن قطع تدفق المياه في الأنهار العراقية، لكن السعدي قال إن هذه الأعذار واهية ولا تمنع حل الأزمة، وقال إن القطاع الخاص والمنظمات غير الحكومية لن يمكنها أن تتحمل هذا العبء وحدها.
وأضاف السعدي: “الكويت والمملكة العربية السعودية وجميع دول الخليج يمتلكون محطات لتحلية مياه البحر، ونحن لدينا بحر فلماذا لا نمتلك تلك المحطات مثلهم؟ لا يوجد عذر لذلك”، وقال: “أعتقد أن الحكومة السابقة كانت تعتمد على صبر أهالي البصرة فهي تعلم أنهم لطفاء وخجولون ولن يثوروا لكنهم فعلوا، والرسالة واضحة للغاية وقوية بأن الناس لن تتحمل أكثر من ذلك”.
المصدر: ميدل إيست آي