يبدو أن السعي متواصل للانتقال خطوة إلى الإمام في العلاقات بين هيئة تحرير الشام وقوات قسد الكردية، إذ تُرجم هذا السعي على لسان القائد العام لقسد، مظلوم عبدي، قبل أيام، حين أبدى انفتاحه على الحوار مع ما أسماها “الأطراف الوطنية” في إدلب شمال غربي سوريا، الخاضعة برمتها لسيطرة تحرير الشام.
عبدي كان قد أشار إلى أن “الحل السياسي السوري الشامل الذي يتحقق عبر الحوار والتفاهم بين القوى الوطنية والديمقراطية هو الأساس لحل القضايا المستمرة في سوريا”، مضيفًا أنه “منفتح على الحوار مع كل الأطراف الوطنية في إدلب وكل القوى الوطنية السورية المخلصة لوحدة التراب السوري”.
ويظهر أن عبدي قد ترك الباب مفتوحًا لتأويلات تصريحه والجهة التي قصدها لا سيما أن إدلب كما هو معروف خاضعة لتحرير الشام وحكومتها المدنية حكومة الإنقاذ، فضلًا عن كون تحرير الشام مصنّفة على لائحة الإرهاب من قبل الولايات المتحدة حليفة قسد في مناطق نفوذها شمال شرق سوريا، إضافة إلى اختلاف إيديولوجية الطرفين جملةً وتفصيلًا.
متغيرات في مواقف الجانبين
لطالما اتجه، أبو محمد الجولاني، قائد تحرير الشام إلى مهاجمة قوات قسد الكردية محاولًا استرضاء عدوها اللدود تركيا والتي تنشر قواعد عدة في مناطق نفوذه، عدا عن رؤيته بأن أي تراجع لقسد يعني توغل قواته في المناطق التي تتراجع منها.
- في يناير/كانون الثاني 2019 خرج الجولاني بعد الحديث عن عزم تركيا شنّ معركة ضد شرق الفرات: قائلًا: “إنه لا يمكن أن يعيق أي عمل ضد عدو من أعداء الثورة وتحرير منطقة شرق الفرات من حزب العمال الكردستاني الذي يستولي على مناطق يقطن فيها عدد كبير من العرب السنة”، وكأن الرسالة الموجهة لتركيا أنه يمكن الاعتماد على الهيئة عوضًا عن فصائل الجيش الوطني التي تدعمها.
- في مارس/آذار 2022 دخلت تحرير الشام جنديرس، إحدى ضواحي عفرين التي تُعدّ حاضنةً كرديةً واسعةً شمال غرب سوريا، بعد مقتل 4 أكراد على يد “أحرار الشرقية” الموضوع أمريكيًا على القائمة السوداء، والمنضوي تحت مظلة الجيش الوطني المعارض، إذ تعهد الجولاني آنذاك بعد لقائه ذوي الضحايا ببدء عهد جديد وحماية المدنيين الأكراد في جنديرس.
- في أكتوبر/تشرين أول 2022 حذّرت قسد من سيطرة تحرير الشام على مدينة عفرين، لافتة إلى أن الهدف من ذلك إنشاء حزام أسود من العناصر الإرهابية على خطوط التماس مع قسد واستخدامهم في أي عدوان محتمل.
- في يناير/كانون الثاني 2023 صرّح الجولاني أن مشروع قسد لا يمكن أن يستمر في المنطقة الشرقية، معتبرًا أنه لا يمكن لمجموعة من حزب العمال الكردستاني أن يحكموا قبائل وعشائر ومنطقة واسعة بأغلبية عربية واضحة، لافتًا إلى وجوب المساعدة على تقوية العرب السنّة شرقي الفرات، موضحًا أن المنطقة الشرقية مهمة وتصب في أولويات تحرير الشام، وأن الاعتماد على المكون العربي هو توجه صحيح، وما يجري من محاولة للتغطية على قسد بالمكون العربي، هي تغطية فاشلة، ولا يعني ذلك إهمال الأكراد من أبناء الأكراد وهم مسلمون من أبناء السنة.
- في أغسطس/آب الماضي جرى اشتباك وصف بـ”النادر” بين غرفة عمليات الفتح المبين والتي تشكل تحرير الشام عمودها الفقري وبين قوات قسد على أطراف قرية كباشين شمال غرب حلب، وهي الخط الفاصل بين مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام والجيش الوطني السوري.
رغم حالة العداء الظاهرة والمستفحلة بين الطرفين، فإن محاولة تحرير الشام المستميتة للسيطرة على معبر الحمران – ذي العوائد بملايين الدولارات والفاصل بين مناطق الجيش الوطني وقسد – قد فضحتها ووجّهت الأنظار نحو شبهات تحوم حول وجود علاقات بينها وبين قسد تدور في الخفاء، خاصة فيما يتعلق بالملف الاقتصادي الذي تركّز عليه تحرير الشام، إذ ستسمح السيطرة على المعبر بتحكم تحرير الشام بكل تجارة الترانزيت العابرة من تركيا لشمال شرق سوريا.
صحيفة “الشرق الأوسط“، كانت قد نقلت في فبراير/شباط 2022 عن “وكالة الأنباء الألمانية” أن قسد أبرمت اتفاقًا مع هيئة تحرير الشام لبيع الأخيرة النفط الذي يُنتَج من حقول شمال وشرق سوريا إلى مناطق سيطرتها في ريفَي حلب وإدلب، وذلك عبر شركة وتد للبترول (الذراع الاقتصادية لهيئة تحرير الشام) والتي تنصلت إلى جانب مديرية المحروقات العامة في الإدارة الذاتية من ذلك الاتفاق.
تقرير وكالة الأنباء الألمانية أكده تقرير نشره موقع تلفزيون سوريا نقلًا عما أسماها “مصادر خاصة”، أشار فيه إلى اتجاه هيئة تحرير الشام إلى التواصل مع قسد بغية تأمين مصالح اقتصادية ويبدو أن هذه الاتصالات أيضًا أخذت منحىً سياسيًا، خاصة في ظل استياء الطرفين من الضغوطات التركية.
وحسب التقرير الذي نشر في منتصف العام الفائت، فإن النقاشات بين الطرفين تمحورت حول طرح الهيئة الانخراط رسميًا في جهود مكافحة الإرهاب التي تشارك فيها قسد بدعم من التحالف الدولي، واستكمال إنهاء باقي التشكيلات التي تنشط في محافظة إدلب، كما تطرق النقاش إلى إمكانية تشكيل إدارة مدنية مشتركة بين الطرفين، في حال استطاعت هيئة تحرير الشام السيطرة على مناطق الجيش الوطني السوري، فيما أشارت قسد إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية ترحب بتوحيد مناطق شمال شرقي وشمال غربي سوريا.
ويبدو أن كل ما سلف عن الحديث عن تقارب بين الطرفين لا يخرج عن إطار المعلومات غير الدقيقة، فالمتابع لسلوك أنقرة في الشمال السوري يعرف أنها لا تتهاون بأي شكل مع مسألة التقارب أو التواصل مع قسد والتي تعتبرها خطرًا يهدد أمنها القومي بعد أن كلفها ثلاث عمليات عسكرية واسعة النطاق، ما قد يضع مناطق نفوذ تحرير الشام على المحك، وثانيًا عدم خشية أنقرة من توتير علاقاتها في كثير من الفترات مع واشنطن بسبب دعم الأخيرة لقسد، وثالثًا ضعف الحماس الأمريكي لهذه الخطوة لما يمكن أن يشكله ذلك من خسارة لاعب دولي مثل تركيا ومنحها ذريعة إلى جانب روسيا وإيران والنظام للتصعيد في مناطق النفوذ الأمريكي.
في حديثه لـ”نون بوست”، اعتبر الباحث في المركز الكردي للدراسات، شورش درويش، أن ما قاله قائد قسد عبدي ليس موجهًا لهيئة تحرير الشام بأي حال، بل خصّ به القوى الديمقراطية والوطنية، وواقعيًا تحرير الشام في توصيف قسد هي جماعة تقوم على التطرف العنيف وذات خلفية إيديولوجية دينية، ولا تؤمن بالصورة الديمقراطية لسوريا المستقبل على ما تقوله قسد في خطابها العام.
مضيفًا أن مسائل التبادل التجاري والنفط وسواها من مسائل قد تشكل مسألة مختلفة عن التطبيع بين منطقتي شمال شرقي سوريا وإدلب وشمال غربي سوريا، فالمصالح والمنفعة الاقتصادية المتبادلة مبنية على احتياجات السكان المحليين في المنطقتين وليست مقدمة لعلاقة سياسية أو تفاهم بين الأطراف الحاكمة في المنطقتين، مستبعدًا أن يحدث أي نوع من التفاهم بين الطرفين لاختلافات أيديولوجية وسياسية عميقة.
بالمقابل يرى الباحث في شؤون شمال شرق سوريا بمركز جسور للدراسات، أنس الشواخ، أن تصريح عبدي هو جزء من تكتيك جديد اتبعته قسد بعد فقدان الأمل بالتواصل مع النظام والحصول على الشرعية منه، إذ تأتي هذه الخطوة في إطار البحث عن سبل أخرى للحصول على غطاء سياسي وشرعي لمشروعهم المتمثل بالإدارة الذاتية ومن ضمنها جولة جديدة من الحوار (الكردي-الكردي) بدفع فرنسي وأمريكي، والتواصل مع تحرير الشام خاصة في ظل الضغط الحالي على حزب العمال الكردستاني وأذرعه جراء العملية العسكرية التركية في العراق واحتمال وصولها لسوريا وعزل مشروع الإدارة الذاتية.
قسد وتحرير الشام: مشتركات
يمكن تلخيص المشتركات بين الطرفين بما يلي:
- رغبة كلا الطرفين في الحفاظ على النموذجين الإداريين اللذين أسساهمها، وتصدير دعاية للاستهلاك المحلي تقوم على احترام المواطنة وتبني الخطاب الثوري المناهض للنظام.
- استشعار كلا الطرفين أنهما ورقتا ضغط مؤقتان تستعملها الدول الحاضنة لهما (الولايات المتحدة وتركيا)، كونهما منبوذين من المجتمع المحلي وجميع الأطراف الفاعلة في الملف السوري.
- عقدة التصنيف الدولي لهما وظروف الاستبعاد عن أي عملية سياسية مستقبلية لهما، إذ تصنف تركيا قسد على لوائح الإرهاب الخاصة بها، وكذلك الولايات المتحدة تصنف تحرير الشام.
- موقف كلا الطرفين الرافض لمسار التطبيع بين دمشق وأنقرة.
- إمساك كلا الطرفين بورقة ضغط ضد حلفائهما، فتحرير الشام تمسك بالعديد من الملفات الأمنية الضاغطة على تركيا كملف الهجرة غير الشرعية والمخدرات وداعش، كما أن قسد تمسك بملف محاربة تنظيم داعش ومخيمات احتجاز عناصره والسجون، الضاغط على التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة.
حسب دراسة أجراها مركز “كاندل”، فإن تحرير الشام ترى أن قسد مفتاح الولايات المتحدة لرفعها من التصنيف الإرهابي، لا سيما أنها أهدرت وقتًا طويلًا بالاعتماد على تركيا في ملف رفع التصنيف، فهي لا تزال تعامل الهيئة كفصيل إرهابي في خطابها الرسمي، إضافة إلى رغبة الهيئة في بناء قاعدة نفوذ في مناطق قسد من خلال المكون العشائري “قطاع الشرقية” العامل ضمن صفوفها، وقطع الطريق أمام إيران والنظام.
فيما تريد قسد من تحرير الشام الاستفادة منها اقتصاديًا من خلال البضاعة الرخيصة لتلبية حاجة السوق المحلية والحاجة لسوق محلي لتصريف النفط، أما أمنيًا فتكمن رغبة قسد في الاستفادة من خبرة تحرير الشام في التعامل مع التنظيمات الجهادية مثل تنظيم داعش والتعاون معها لتحييد دور الجيش الوطني (ذراع تركيا المحلية) في توجيه الضربات المتتالية لقسد، لذلك ترى في سيطرة الهيئة المستقلة نسبيًا عن النفوذ التركي خيارًا أفضل من بقاء السيطرة والنفوذ للجيش الوطني، كذلك من مصلحة الهيئة إنهاء الجيش الوطني كمشروع محتمل وبديل عن مشروعها في حال قررت تركيا الاستعانة به لضربها.
وكهدف تحرير الشام في وضع قدم لها شمال شرق سوريا، ترغب قسد في بناء قاعدة نفوذ لها في منطقة عفرين ذات الأغلبية الكردية، إذ يمكن للتفاهم بين قسد والهيئة أن يسهم بعودة آلاف الأكراد إلى منازلهم في عفرين والذين خرجوا منها بعد العملية العسكرية التي شنها الجيش الوطني وتركيا عام 2018، كما يتوقع أن يسهم التقارب في عودة المكونات العشائرية إلى شرق الفرات الذين خرجوا منها بعد سيطرة تنظيم داعش على المنطقة، وبالتالي تتحول تحرير الشام إلى حامية للأقليات من أيزيديين وعلويين ودروز وكرد وتركمان في مناطقها، وتتحول قسد إلى حامية للمكون العربي وللنسيج الأقلوي من شركس وأشور وسريان وتركمان في مناطقها، وهو ما يعزز نفوذ كلا الطرفين لدى الطرف الآخر.
ينفي الباحث درويش وجود تفضيل كردي لتحرير الشام على بقية الفصائل التي يراها الأكراد بأنها ارتكبت انتهاكات مروعة بحق السكان الكرد في عفرين وغيرها، أما مسألة توعّد الجولاني بمحاسبة المعتدين في جريمة جنديرس، فقد كانت دعائية وتدخل في حساباته الخاصة للتمدد شمالًا وتوسعة نطاق سيطرة قواته والتي جابهتها تركيا في نهاية المطاف.
مستجدات تعيد النظر
منذ بدء الحديث عن سعي تركيا للتقارب مع نظام الأسد لم يتوان الطرفان الرافضان لهذا المسار عن التعبير عن رفضهما ذلك التطبيع، فقسد رفضت تلك الخطوة كون الجانب التركي يريد من النظام التعاون معه لضرب مشروعها الانفصالي، أما تحرير الشام فقد وصفت التقارب بالانحراف الخطير عن مسار الثورة لا سيما أن النظام وروسيا يضعان ملفها على الطاولة التركية، ما يعني أن تحرير الشام باتت في عين العاصفة، لذا عملت على توسيع نشاط مشاغباتها في مناطق سيطرة الجيش الوطني الخاضع للإدارة التركية.
الأكاديمي السوري وأحد منظري تحرير الشام أيمن هاروش، اعتبر أن قسد ولدت في الثورة، إذ تحالفت مع بعض فصائل الجيش تحت رعاية تركيا لمحاربة داعش ثم أصبحت مشروعًا مغايرًا لروح الثورة، فقد تغيرت المعطيات السياسية وصارت طرفًا معاديًا لتركيا ومن وراء تركيا فصائل الجيش الوطني.
وينوه هاروش لـ”نون بوست” إلى أنه على مدى السنوات السابقة كانت هناك أصوات خافتة تتساءل لماذا نفتح جبهة بيننا وبين قسد والنظام أخطر علينا وهو العدو الأول؟ ولماذا لا نصل إلى صيغة تحييد إن لم نصل لتفاهم؟ لكن هذه الأصوات كانت خافتة لأن المزاج العام كانت منسجمًا مع المواقف التركية ومتمترسًا خلفها، أما الآن وبعد تغيير تركيا لمسارها واتجاهها نحو المصالحة مع النظام واتخاذها سياسة داخلية في تركيا تجاه السوريين وفي سوريا أيضًا بمناطق نفوذها، فقد تغير المزاج الثوري العام وأصبح يخرج من المساق التركي ليعبّر عن رفضه للمصالحات والسياسات القائمة وربما هنا وجدت قسد فرصة لها لتعيد علاقاتها مع فصائل الثورة وتتقوى بموقفهم ضد الموقف التركي نحوها.
وعزا هاروش دعوة عبدي في خطابه للهيئة دون غيرها إلى الهامش الكبير من الاستقلال بالرأي عند الهيئة وهو الأمر المعدوم عند غيرها، مشيرًا إلى أن التفاهم بين الطرفين وارد إن كان فيه مصلحة معتبرة، فمشروع الهيئة ومشروع قسد بعيدان فكريًا وسياسيًا لكن هناك تقاطعات مصالح بينهما.
متوقعًا أنه في لحظة ما ربما تصل هذه المصالح لدرجة لا مانع من إيجاد تفاهمات بين الطرفين تنعكس إيجابيًا على كلا المنطقتين، لكن هذا يتطلب موازنات دقيقة وتفاهمات صريحة لأنه أشبه بالسير في حقل الألغام، حسب تعبير هاروش.
الحليفان حجر عثرة
يشير الباحث الشواخ إلى أن موقف الأمريكان هو المراقبة حاليًا، فقد سبق أن تركوا قسد تبحث عن سبل أخرى لكسب الاعتراف، إذ لم يمنعوهم سابقًا من التواصل مع الجانب الروسي والإيراني والنظام، فضلًا عن أن قسد ذاتها تعرف أن الموضوع تنفيذه صعب على أرض الواقع وهو أقرب لحالة ضغط على النظام وتركيا وأمريكا والتي بدورها تعلم أيضًا أن الموضوع غايته الضغط ولا تأخذه على محمل التهديد الحقيقي، فالفرق الأيديولوجي كبير بين التنظيمين، وفي حال مضى الطرفان في التواصل، فالجانبان التركي والأمريكي سيشكلان حاجزًا أمامهما، وقد سبق لأمريكا أن منعت قسد من إجراء الانتخابات البلدية بعد ضغط تركي.
أما الباحث الكردي هوشنغ أوسي، فرأى خلال حديثه لـ”نون بوست”، أن احتمالية تغيير الإدارة الأمريكية ووصول ترامب مرة أخرى للبيت الأبيض، وما قد يترتب على ذلك من انسحاب أمريكا من سوريا والعراق، هو ما يدفع قسد لخلق انفراجات، وعليه فإن ضم تحرير الشام لمبادرات قسد الحوارية يأتي للضغط على الأمريكيين وأنه في حال تخلت واشنطن عنهم، لن يكون أمامهم سبيل آخر إلا التواصل مع الجميع، ومن ضمنهم تحرير الشام.
ومما لا شك فيه فإن كلا الطرفين (الأمريكي والتركي) يحاولان ترويض التنظيمين وتغيير سلوكهما في مناطق نفوذ كل منهما، وأول ذلك الدعوة لإخراج العناصر الأجنبية لدى كليهما لتصدير تلك التنظيمات على أنها تنظيمات محلية، فالأمريكان يسعون لفك ارتباط قسد مع كوادر حزب العمال الكردستاني وإخراجهم من شمال شرق سوريا، وبالمقابل شجعت تركيا على إخراج تحرير الشام كل العناصر الأجنبية منها وقد نجحت في ذلك إلى حد كبير.
يعرف عن هيئة تحرير الشام بأنها تنظيم راديكالي تشابه حركة طالبان الأفغانية، إلا أنها في الفترة الأخيرة خلعت عباءتها الجهادية وقدّمت نفسها كحركة وطنية سورية غير عابرة للحدود مهمتها الأساسية قتال النظام وحلفائه، ومنفتحة على المجتمع والمنظومة الدولية ومهتمة بتحسين صورتها الخارجية.
أما “قسد” وعلى نقيض تحرير الشام فهي تنظيم يقوم على شدّ العصب القومي الكردي ويرغب بإقامة مشروع كيان كردي انفصالي تحت غطاء فدرالي، كما ترتبط بحزب العمال الكردستاني وهو حزب سياسي كردي يساري مسلح ذو توجهات قومية كردية وماركسية – لينينية، هدفه إنشاء ما يطلق عليه الحزب دولة كردستان المستقلة، ما يعني أنه تنظيم عابر للحدود.
يمكن القول إن “تقارب المصالح بين الأطراف المختلفة، تخفف من حدة وشدة الخلافات الأيديولوجية بين قسد وتحرير الشام، فقسد التي تتبع حزب PKK (اليساري والعلماني) والذي يتبع بدوره للنظام الإيراني الديني الطائفي (الشيعي) إذا انسدت الأبواب أمامها ولم يبق إلا باب تحرير الشام فستطرقه للحفاظ على نفسها كحل نهائي يتيم وخطير”، حسب الباحث أوسي.
و”إذا فعلت قسد ذلك ربما يتم إدراجها ضمن لائحة المنظمات الإرهابية، ذلك أن تبعية قسد لـPKK لم تدفع الأطراف الفاعلة في أوروبا وأمريكا إلى إدراجها، بل رفضت المطالب التركية الرامية إلى اعتبار قسد منظمة الإرهابية، لكن إذا اقتربت قسد من تحرير الشام فسيكون له تبعات خطيرة”، يختم أوسي حديثه.