استهل أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمس الإثنين، جولته إلى عدد من دول أمريكا الجنوبية، بزيارة الإكوادور، حيث تباحث مع نظيره الإكوادوري لينين مورينو سبل دعم العلاقات بين البلدين وتبادل وجهات النظر حيال مختلف القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، حسبما أشارت وكالة الأنباء القطرية “قنا”.
تأتي هذه الجولة بعد أيام قليلة من كلمة أمير قطر من فوق منبر الأمم المتحدة التي قال فيها: “بعد مرور عام من الحصار غير المشروع المفروض على دولة قطر، وعلى الرغم من الإجراءات التي اتخذت لإلحاق الضرر بقطر وشن الحرب الاقتصادية عليها، فقد شهدت هذه الفترة تعزيز مكانة قطر الدولية، وواصل الاقتصاد القطري تماسكه، وحافظت قطر على مواقعها في المؤشرات الدولية المختلفة”.
تنويع مصادر الاستثمار وإضافة شراكات جديدة، هذا هو العنوان الرئيسي لهذه الزيارة التي من المقرر أن تشمل بجانب الإكوادور بيرو والباراغواي والأرجنتين، تلبية لدعوات من رؤسائها، وتأتي استكمالًا للجولتين السابقتين عامي 2015 و2016 التي هدفت الدوحة من خلالها زيادة قائمة شراكاتها في هذه القارة واقتحام عشرات القطاعات الحيوية التي تخدم مصالح القطريين.
ترحيب بالزيارة
البداية كانت من العاصمة كيتو، حيث حفاوة الاستقبال من مورينو الذي قلد أمير قطر وسام الاستحقاق الوطني، وهو أعلى وسام تقدمه الدولة لكبار الشخصيات والضيوف، واعتبر ذلك دليل على “عمق العلاقات الثنائية المثمرة”، قابله شكر لمواقف الإكوادور “العادلة” في مساندة القضايا العربية.
كما وقّعت حكومتا البلدين على 4 اتفاقيات ومذكرات تفاهم في مجالات الاقتصاد والتجارة والثقافة والرياضة والسياحة، فيما نقلت مراسلة “الجزيرة” عن بعض المقربين هناك أنه من الواضح أن هناك رغبة لدى كلا الجانبين في توسيع نطاق التعاون الاقتصادي وزيادة التبادل التجاري، مشيرة إلى أن الإكوادور من الاقتصادات الناهضة في أمريكا الجنوبية.
قطر والإكوادور يتشاركان التوجه لبناء عالم مستقر وسلمي من خلال المنظمات الدولية والأمم المتحدة
الرئيس الإكوادوري أعرب بدوره عن رغبته في قطع أشواط كبيرة من أجل تعزيز العلاقات بين البلدين في كل المجالات، ووصف دولة قطر بأنها نموذج في احترام حقوق الإنسان ومبادئ الأمم المتحدة، كما تحدث عن وجوب حل الأزمة الخليجية بشكل عاجل وبالطرق الدبلوماسية.
سمو أمير البلاد المفدى يُمنح وسام الاستحقاق الوطني من قبل فخامة الرئيس الإكوادوري ، موضحا فخامته أن هذا الوسام هو أعلى وسام يمنح لرؤساء الدول، وهو تكريم يدل على حسن علاقات الصداقة بين البلدين والشعبين pic.twitter.com/TUgWPGGVAg
— وكالة الأنباء القطرية (@QatarNewsAgency) October 2, 2018
خوسيه فالنسيا أموريس وزير خارجية الإكوادور وصف الزيارة بأنها “فرصة لتأكيد تعزيز أواصر الصداقة بين البلدين والشعبين”، مشيرًا إلى أن المباحثات سترسم خريطة طريق متجددة للعلاقات خلال السنوات المقبلة، مؤكدًا خلال حوار له مع صحيفة “الشرق” القطرية أن “دولتي قطر والإكوادور تتوافقان في تصميمهما على وضع أجندة طموحة تركز على التعاون الاقتصادي والثقافي، وزيادة الاستثمارات والتجارة الثنائية”.
وأضاف أن بلاده “تؤيد بقوة جميع آليات الحوار الإقليمي كطريقة لتعزيز التعاون والتآزر بين دول أمريكا اللاتينية والدول العربية بطريقة شاملة”، مؤكدًا أن لدى الإكوادور تاريخًا طويلًا من الاتصالات مع العالم العربي، معربًا عن أمله أن تتمكن بلاده من المشاركة في بطولة كأس العالم 2022 في قطر، منوها بأن كلاً من قطر والإكوادور يتشاركان التوجه لبناء عالم مستقر وسلمي من خلال المنظمات الدولية والأمم المتحدة.
استهلال أمير قطر جولته اللاتينية بزيارة الإكوادور
العلاقات القطرية اللاتينية
الزيارة في ملخصها تعميق للعلاقات الجيدة التي تربط بين الدوحة وعواصم دول أمريكا الجنوبية التي تشهد تقاربًا كبيرًا خلال السنوات الأخيرة على وجه التحديد، في ظل تعدد فرص الاستفادة المتبادلة من هذا التقارب، سواء على المستوى الاقتصادي أم السياسي.
بداية تتسم العلاقات بين قطر وبيرو بالتطور المستمر والسريع، إذ كانت الدوحة أول دولة خليجية تحتضن سفارة لبيرو، وكان ذلك عام 2011، ومنذ ذلك الحين أخذت العلاقات في التقدم بوتيرة متسارعة، لتأتي زيارة اليوم إضافة إلى هذا التقارب والتطور في العلاقات.
“بدأت اليوم جولة في أمريكا الجنوبية لتعميق التعاون الثنائي مع كل من الإكوادور وبيرو وباراغواي والأرجنتين، هذه الجولة التي تستكمل جولتين سابقتين في 2015 و2016 ستضيف شراكات جديدة لقائمة شراكاتنا في هذه القارة”.. أمير قطر
وبحسب رأي الخبراء فإن بيرو تعد من الدول الواعدة اقتصاديًا، في سوق يتحمل كل أنواع الأعمال التجارية، وهناك فرص استثمارية كبيرة في التعدين والزراعة والصناعة وكذلك في قطاع الخدمات والسياحة.
يذكر أنه في فبراير عام 2013 كان قد سبق للشيخ حمد بن خليفة آل ثاني زيارة بيرو، كما زار رئيس بيرو الدوحة في فبراير/شباط عام 2014.
سمو أمير البلاد المفدى وفخامة الرئيس الإكوادوري يشهدان التوقيع على اتفاقية في مجال حماية البيئة والطبيعة ومذكرات تفاهم للتعاون بين البلدين لإنشاء اللجنة الوزارية المشتركة للتعاون الاقتصادي والتجاري والفني وأخرى في مجالي الشباب والرياضة . pic.twitter.com/10DEQLpNBB
— وكالة الأنباء القطرية (@QatarNewsAgency) October 2, 2018
كما ترتبط الدوحة بعلاقات قوية مع جمهورية الباراغواي، تتصدرها العلاقات الاقتصادية، إذ إن هناك عشرات من الاتفاقات الاقتصادية والتجارية الموقعة بين البلدين، مثل اتفاقية التعاون الاقتصادي والتجاري والفني التي وقعت في العام 2010 بمدينة أسونسيون، واتفاقية تشجيع وحماية الاستثمارات المتبادلة بين البلدين التي وقعت في الدوحة في فبراير/شباط الماضي، وتهدف إلى إيجاد المناخ الاستثماري الجيد بين الدولتين.
ولم يختلف الوضع كثيرًا مع الأرجنتين، إذ بلغ حجم التبادل التجاري بين قطر والأرجنتين نحو 193 مليون دولار خلال عام 2016، بلغت واردات الأرجنتين من الغاز القطري نحو مليار دولار.
وكانت مجموعة “قطر للبترول” المملوكة من الحكومة القطرية وقعت في يونيو/حزيران الماضي اتفاقًا لشراء حصة تبلغ 30% من أسهم شركتين تابعتين لشركة “إكسون موبيل”، تملكان حقوقًا لاستكشاف المحروقات في الأرجنتين والحدود البرازيلية.
الجولة تعد من الزيارات المحورية في مستقبل العلاقات القطرية اللاتينية، في ظل الحصار المفروض علي القطريين، وهو ما يجعل الزيارة خطوة لتوثيق العلاقات بين قطر وهذه الدول الواعدة
شراكات إستراتيجية
“بدأت اليوم جولة في أمريكا الجنوبية لتعميق التعاون الثنائي مع كل من الإكوادور وبيرو وباراغواي والأرجنتين، هذه الجولة التي تستكمل جولتين سابقتين في 2015 و2016 ستضيف شراكات جديدة لقائمة شراكاتنا في هذه القارة”، بهذه الكلمات غرد الشيخ تميم معلقًا على جولته اللاتينية، كاشفًا النقاب عن دوافعها الرئيسية والمتمثلة في تعزيز الدور الدولي لبلاده.
تهدف الزيارة في المقام الأول إلى تنويع الشراكات القطرية على المستوى الدولي، وتطوير علاقات قطر السياسية والتجارية التي تندرج في إطار رغبة الدوحة في الانفتاح على جميع دول العالم وعلى ثقافات بعينها، سعيًا منها للاستفادة من تجارب هذه الدول وثقافتها وكذلك خبراتها على كل المستويات الاقتصادية والسياسية والتنموية والفكرية، حسبما أشار الدكتور يونس بلفلاح أستاذ الاقتصاد السياسي والعلاقات الدولية بفرنسا.
بدأت اليوم جولة في أمريكا الجنوبية لتعميق التعاون الثنائي مع كل من الإكوادور وبيرو وباراغواي والأرجنتين. هذه الجولة التي تستكمل جولتين سابقتين في ٢٠١٥ و٢٠١٦ ستضيف شراكات جديدة لقائمة شراكاتنا في هذه القارة والتي تشمل عشرات القطاعات الحيوية التي تخدم مصالح بلداننا
— تميم بن حمد (@TamimBinHamad) October 1, 2018
بلفلاح في تصريحاته يرى أن هذه الجولة تعد من الزيارات المحورية في مستقبل العلاقات القطرية اللاتينية، في ظل الحصار المفروض علي القطريين، وهو ما يجعل الزيارة خطوة لتوثيق العلاقات بين قطر وهذه الدول الواعدة، وكذلك تعزيز الشراكات الإستراتيجية وبناء تحالفات اقتصادية جديدة، وفتح آفاق واعدة للتعاون والاستثمار.
ترحيب الدول اللاتينية بزيارة تميم منذ إعلانه عنها، فضلًا عن الحفاوة التي قوبل بها في العاصمة كيتو وتقليده أعلى وسام وطني في الإكوادور، مؤشر عملي على قدرة قطر على تجاوز الحصار ونجاحها في تحقيق أهدافها الإستراتجية بمعزل عن الدول الخليجية الأخرى، وأن يكون لها استقلال وشأن سياسي، وهذا ما عزف عليه المسؤولون القطريون في أكثر من خطاب منذ بداية الأزمة الخليجية في يونيو/حزيران 2017.
رؤية قطر 2030
الاقتصاد وتنويع مصادره كان حاضرًا بقوة على جدول أعمال أمير قطر خلال جولته، إذ إن تخصيص أمريكا اللاتينية على وجه التحديد ورغم بعدها الجغرافي لم يكن اختيارًا عشوائيًا، إذ تجتمع معظم الثروات الطبيعية والمعدنية في منطقتي أمريكا اللاتينية وإفريقيا، ولعل هذا ما يفسر حرص الدوحة على تعميق العلاقات مع دول هاتين المنطقتين، استجابة لرؤية قطر للتنمية المستدامة 2030 التي تتطلب انفتاحها على هذه الدول.
المتابع لخريطة الاستثمار العالمية خلال العقد الأخير يجد أن دول أمريكا اللاتينية باتت محط أنظار الكثير من الأنظمة والحكومات الساعية إلى تنويع مصادر استثماراتها، لما تمتلكه من إمكانات كبيرة، فضلًا عما تتمتع به من ثقافات مختلفة عن باقي الدول، وتجارب سياسية واقتصادية تستحق الدراسة والاطلاع على تفاصيلها، على رأسها تجربتي البرازيل وبيرو اللتين استطاعتا في وقت قصير تحقيق قفزات اقتصادية واجتماعية جعلتهما نموذجًا يحتذى به.
ومن ثم تأتي جولة الشيخ تميم المتناغمة مع خطابه في الأمم المتحدة لتعيد تأكيد حرص قطر على الانفتاح على جميع دول العالم، وتطوير علاقاتها التقليدية بينها وبين بعض الدول، كذا الاقتراب من ثقافات جديدة وتجارب متعددة تكون حافزًا ومحفزًا للقطريين على الدخول في السوق اللاتينية وتنويع أوجه استثماراتها.