ترجمة حفصة جودة
في يوليو/تموز 2016 انهارت ناتاشا إدنان على متن طائرة من لندن إلى نيس، حيث كانت تعاني من حساسية قاتلة بسبب رغيف خبز فرنسي اشترته من شركة “Pret a Manger”، وفي التحقيقات سمعت هيئة المحكمة كيف تعاني ناتاشا – 15 عامًا – من حساسية طعام متعددة، وأنها قرأت المكونات بعناية لكن السمسم الذي كان في عجينة الخبز واكتشفوه لاحقًا لم يكن مدونًا بين المكونات، يقول والدها نديم: “هذا خطأهم، لا أدري كيف وقعت شركة طعام كبيرة في هذا الخطأ الفادح الذي كان سيتسبب في موت ابنتي”.
هذه القضية المرعبة توضح كيف يتعامل الأشخاص المصابون بالحساسية بحذر شديد، وكيف يجب أن تتعامل شركات الطعام بنفس الحذر، لأن حساسية الطعام ازدادت بشكل كبير في العقود الأخيرة.
تقول هولي شو مستشارة ممرضة في مؤسسة “Allergy UK” الخيرية لدعم الأشخاص المصابين بحساسية الطعام: “حساسية الطعام تزداد بشكل كبير عن أي وقت مضى”، ويعد الأطفال أكثر عرضة للإصابة، فما بين 6 و8% من الأطفال مصابون بحساسية الطعام مقابل أقل من 3% من البالغين، كما أن الرقم يزداد في الدول الغربية وأماكن أخرى مثل الصين.
حساسية الطعام تزداد بشكل كبير عن أي وقت مضى
وتضيف شو: “لقد أصبحنا كمؤسسة خيرية نستقبل عددًا أكبر من المكالمات سواء من البالغين أم آباء الأطفال الذين يشتبهون في إصابتهم بالحساسية أو متأكدين من إصابتهم، وهناك أنواع من الحساسية منتشرة بشكل كبير بين الأطفال مثل حساسية لبن الأبقار والبيض، لكن الحساسية تجاه طعام معين قد تتطور في أي مرحلة عمرية حتى مع أطعمة كنت تأكلها من قبل”.
يقول ستيفن تيل أستاذ الحساسية بجامعة كينجز كوليدج لندن ومستشار الحساسية بمستشفيات غايز وسانت توماس، إن رد الفعل التحسسي يحدث عندما يحدث خلل في الجهاز المناعي فيتعرف بشكل غير صحيح على بعض الأطعمة ويتعامل معاها كأنها جرثومة ويبدأ في مهاجمتها، ويضيف: “يبدأ الجهاز المناعي في تكوين أجسام مضادة وتلتصق بخلايا المناعة، وعند التعرض مرة أخرى لهذا الطعام المسبب للحساسية تنشّط هذه الأجسام المضادة الخلايا المناعية لاتخاذ رد فعل”.
تؤثر الحساسية بشكل كبير على جودة حياة المرء، وفي بعض الحالات قد تكون قاتلة مثل حالة ناتاشا، وحتى الآن لا يوجد علاج لحساسية الطعام لكن العمل يجري لمحاولة استخدام العلاج الدوائي، وتبدأ حاليًّا أول تجربة مخصصة لعلاج البالغين من حساسية الفول السوداني في مستشفى غايز.
يقول آدم فوكس مستشار حساسية الأطفال في مستشفيات غايز وسانت توماس إن الوقاية من الأطعمة المسببة للحساسية تتم بشكل واضح، لكن هناك الكثير من الحيرة بشأن عملية الحد من الحساسية، حيث تتم تلك العملية عن طريق تعريض المريض لكميات قليلة ومحسوبة من الطعام المسبب للحساسية، وهذه الطريقة معروفة ويتم استخدامها لكنها ليست علاجًا، فعند التوقف عن تناول هذه الكمية القليلة بانتظام تعود الحساسية مرة أخرى كما كانت من قبل.
تؤثر الحساسية بشكل كبير على جودة حياة المرء وفي بعض الحالات قد تكون قاتلة
ويضيف فوكس: “ما نعرفه بشكل أكيد هو أن الحساسية ازدادت بشكل كبير عن الماضي، فإذا قارنا بين الأبحاث في التسعينيات وبداية الألفية سنجد ما يكفي من البيانات ليوضح أن حساسية الفول السوداني تضاعفت 3 مرات في وقت قصير جدًا”.
كما ازداد عدد الأشخاص الذين تتطور لديهم ردود فعل شديدة تجاه تلك الأطعمة المسببة للحساسية، ففي عام 2015 أُعلن تعرض 4482 شخصًا لصدمة الحساسية (حالة حادة من فرط الحساسية) في إنجلترا، وهذا الرقم يزداد كل عام في إنجلترا وأوروبا كذلك، والولايات المتحدة وأستراليا.
فما السبب وراء ارتفاع حالات الحساسية؟ في الحقيقة لا أحد يعلم، ولا يعتقد فوكس أن السبب في ذلك هو تحسن عملية التشخيص، كما أنه لا يوجد سبب واحد ومحدد، هناك بعض الاقتراحات التي تقول إن سببها يتراوح بين نقص فيتامين د وصحة الأمعاء والتلوث، كما أن ممارسات الفطام أيضًا لها دور في حساسية الطعام، حيث يقول فوكس: “كلما أدخلت طعامًا ما في النظام الغذائي بشكل مبكر، قلت الحساسية تجاهه”.
في عام 2008 وجدت دراسة أن حساسية الفول السوداني تنتشر أعلى 10 مرات بين أطفال اليهود في المملكة المتحدة حيث ينصحونهم بتجنب الفول السوداني، عن الأطفال الذين يعيشون في “إسرائيل” حيث يتناول الأطفال الرضع وجبات خفيفة من الفول السوداني.
هل يعني ذلك أن نفطم الأطفال الرضع مبكرًا ونقدم لهم أطعمة مثل الفول السوداني؟ يقول فوكس إن الأمر أشبه بحقل ألغام، لكنه ينصح بالالتزام بتعليمات منظمة الصحة العالمية التي تنصح بالرضاعة الطبيعية الكاملة لمدة 6 أشهر قبل إدخال أي طعام، مع مراعاة عدم تأجيل الأطعمة التي تسبب الحساسية مثل الفول السوداني والبيض بعد ذلك، فذلك قد يتسبب في زيادة خطر الحساسية خاصة بين الأطفال المصابة بالإكزيما (يرى فوكس أن هناك علاقة مباشرة بين إصابة الطفل بالإكزيما وزيادة فرص إصابته بحساسية الطعام).
كلما أدخلت طعامًا ما في النظام الغذائي بشكل مبكر، قلت الحساسية تجاهه
وحتى الآن ليس واضحًا لماذا يتناول شخص ما طعام معين طوال حياته ثم تتطور لديه حساسية من هذا الطعام في فترة مرحلة متأخرة، لكن السبب قد يكون تغير العادات الغذائية في العصر الراهن.
يقول تيل: “من أشهر أنواع الحساسية المنتشرة الآن هي الحساسية تجاه الأطعمة البحرية خاصة الجمبري، ومن ملاحظتي الخاصة أعتقد أن السبب في ذلك تغير نوعية الطعام الذي أصبحنا نتناوله في العقود الأخيرة وتغير صناعة الطعام، فنحن الآن نتناول أطعمة مثل الجمبري النمر العملاق لكنه لم يكن من الأطعمة المأكولة في الماضي غالبًا”.
لاحظ تيل أن هناك أنواع جديدة من الحساسية أصبحت منتشرة بين الناس مثل الحساسية من دقيق الترمس، وهو من نفس عائلة البقوليات مثل الفول السوداني، وهذا الدقيق يُستخدم بشكل متزايد في قارة أوروبا وفي المملكة المتحدة على وجه الخصوص، ويعد السمسم كذلك أحد الأطعمة الحديثة المسببة للحساسية، لكن المشكلة مع السمسم أنه لا يظهر جيدًا في اختبارات الحساسية، وبالتالي يصبح من الصعب قياس مستوى حساسية شخص ما تجاهه.
لكن فوكس يقول “من المهم أن نؤكد أن الوفيات من حساسية الطعام نادرة للغاية فحساسية الطعام لا تسبب الموت، لكننا لا نرغب بالتأكيد في أن نكون الشخص غير المحظوظ الذي يموت نتيجة لذلك، مما يتسبب في قلق كبير بين الأشخاص، والتحدي الحقيقي مع الأطفال المصابين بالحساسية هو مدى صعوبة تحديد الطفل الذي سيتكون لديه رد فعل شديد تجاه تلك الأطعمة، لذا يجب على كل شخص أن يتعامل كما لو أنه هذا الشخص”.
المصدر: الغارديان