بمناسبة افتتاح الدورة التشريعية الجديدة الـ27 في البرلمان التركي ألقى الرئيس رجب طيب أردوغان كلمة أمام الجمعية العامة كرئيس للبلاد وفق النظام الرئاسي الجديد الذي ارتفع فيه عدد نواب البرلمان إلى 600 بدلاً من 550، ووفقًا للانتخابات البرلمانية والرئاسية في 24 من يونيو/حزيران الماضي فقد دخل البرلمان 5 أحزاب بدلاً من 4 في الدورة الماضية.
ووفقًا لما ذكرته صحيفة ديلي صباح فإن من المنتظر على جدول أعمال البرلمان عدة أمور منها تغيير اللائحة الداخلية للبرلمان بما يتوافق مع النظام الجديد، ومناقشة تمديد فترة مذكرة تفويض الحكومة بإرسال جنود إلى سوريا والعراق، وقد وافق البرلمان في وقت سابق على مذكرة رئاسية بشأن تمديد صلاحية الحكومة بإرسال قوات ضمن نطاق عمليات ومهام الأمم المتحدة بمالي وجمهورية إفريقيا الوسطى لعام واحد اعتبارًا من 31 من أكتوبر/تشرين الأول الحاليّ، ويتوقع موافقة البرلمان على تمديد صلاحية الحكومة بإرسال جنود للعراق وسوريا.
وفيما يلي سنتناول بعرض تحليلي خطابي الرئيس أردوغان أمام البرلمان وأمام كتلة حزبه البرلمانية.
لعل المتابع للشأن التركي يدرك أن تركيا تتحرك على أكثر من صعيد، ولكن الصعيد الاقتصادي يمثل أولوية مهمة جدًا لتركيا في المرحلة الحاليّة التي تصنف على أنها حساسة – مع أنه كان أمرًا مهمًا أيضًا في السنوات الماضية – ولكن في ظل الاهتزازات التي تعرضت لها العملة ونسب التضخم وتراجع الاستثمارات أعطيت الأولوية لوضع آليات وسبل لتجاوز أي تعثر، وقد أكد الرئيس التركي هذا الأمر بقوله: “كل جهودنا تنصب في سبيل دفع رأس المال الدولي للاستثمار في تركيا، لذلك نقدم كل أشكال الدعم والضمانات اللازمة”، ولهذا من المتوقع أن تستمر عملية الإصلاح الشامل للوضع الاقتصادي.
قال أردوغان إن البرنامج الاقتصادي الجديد جزء من سياسة تعطي أولوية لانضباط الميزانية وتحسين صورة البلد في الأسواق الدولية ويهتم بتنفيذ برامج تعزز توازنات الاقتصاد في مجالاته كافة
ومن المهم الإشارة إلى أن الرئيس أردوغان حرص في خطابه على توضيح أن ارتفاع أسعار الصرف ليس لها علاقة بالواقع الاقتصادي للبلد ونواحي القصور فيه، وفي هذا إشارة إلى وجود عوامل أخرى تؤثر على حركة سعر الصرف.
كان تركيز أردوغان على الاقتصاد واضحًا وجليًا خلال كلمته أمام البرلمان، حيث أرسل عدة رسائل داخلية وخارجية منها أن الاقتصاد قوي بما فيه الكفاية بحيث لا ينهار أمام التهديدات والهجمات، وقد تزامنت كلمة أردوغان مع تحسن في أسعار صرف الليرة.
كما قال إن البرنامج الاقتصادي الجديد جزء من سياسة تعطي أولوية لانضباط الميزانية وتحسين صورة البلد في الأسواق الدولية ويهتم بتنفيذ برامج تعزز توازنات الاقتصاد في مجالاته كافة من التمويل وحتى الاستثمارات.
وفي السياق الداخلي وجه أردوغان خطابه لطبقة التجار والحرفيين والعاملين في القطاع الزراعي والصناعي أنه متابع للمشاكل التي يعانون منها بشكل جيد، متعهدًا بعدم ترك الحرفيين والعمال تحت رحمة النظام الربوي والمرابين والانتهازيين، كما أشار إلى ما أسماه تقلص مجال المناورة أمام القطاع المصرفي التركي، مؤكدًا وجود تحضيرات وحلول لهذه المشاكل يتم العمل عليها من خلال تسهيل الاقتراض وتشجيع الاستثمار وإعطاء الأولوية للإنتاج والتصدير.
وفي إشارة مهمة خلال كلمة أردوغان في البرلمان تشي بأن عملية إصلاح الاقتصاد ستأخذ وقتًا وربما سيتعرض الاقتصاد خلالها لبعض مما تعرض له، وقد كان هذا واضحًا من دعوة الرئيس للشعب بأن يتحلى بالصبر وأن يثق ببلده وإدارته.
لعل من أكثر الأمور التي يمكن الوقوف عليها في كلمة الرئيس أردوغان أن الاقتصاد أخذ حصة الأسد من حديثه، أما الأمر الآخر فقد هدفت الكلمة إلى إشعار المواطن بأن الحكومة الرئاسية معه وتعيش مشاكله وهي ليست مكتوفة الأيدي بل تعمل على إنتاج الحلول وتريد من المواطن أن يكون له مساهمة في دعم الحكومة في هذه الفترة.
أظهرت كلمة أردوغان خلال افتتاح الدورة التشريعية عددًا من المعاني والدلالات ومنها أن هناك قناعة تركية أن البلاد لا تزال تخوض كفاحات وتحديات على عدة مستويات منها المستوى الدولي والإقليمي والأمني والاقتصادي
وقد وقف أردوغان عند هذا الأمر بتأكيده استمرار ثقته في الشعب وتضحياته كما أشار إلى أن الشعب أصبح أكبر من الوصاية وأصبح قادرًا على تحديد من وصفهم بأنهم “يفكرون بطريقة قاصرة، ومن يتصرفون بلا مسؤولية، ومن ذهبوا ضحية أطماعهم ومن تبعوا أهواءهم”.
وإضافة لما سبق فقد أظهرت كلمة أردوغان خلال افتتاح الدورة التشريعية عددًا من المعاني والدلالات ومنها أن هناك قناعة تركية أن البلاد لا تزال تخوض كفاحات وتحديات على عدة مستويات منها المستوى الدولي والإقليمي والأمني والاقتصادي وما زالت البلاد تحتاج إلى القوة الكافية لمواجهة هذه التحديات وتجاوزها.
وعلى صعيد العلاقة مع الولايات المتحدة وفي ظل الأجواء التي بشرت بتحسن العلاقات في إطار لقاءات الجمعية العامة للأمم المتحدة فقد أكد أردوغان أن واشنطن عالجت المشاكل بين البلدين بلغة التهديد والابتزاز بدلاً من الحوار وأن هذا الطريق طريق خاطئ يعود بالضرر على واشنطن على المديين المتوسط والبعيد، إضافة إلى أن بلدان العالم لن تنظر بثقة إلى مستقبل العلاقات مع الولايات المتحدة.
باختصار ركزت كلمة أردوغان أمام الدورة الجديدة للبرلمان على الاقتصاد وعلى الإصلاحات والإجراءات التي تعمل الحكومة ومنها جذب المزيد من الاستثمارات والتشجيع على الإنتاج والتصدير.
الحديث أمام الكتلة البرلمانية
وفي سياق متصل وأمام الكتلة البرلمانية لحزب العدالة والتنمية تحدث أردوغان بحديث أكثر تفصيلاً تناول فيه مواضيع عدة من الميزانية إلى انتخابات البلدية إلى السياسة الخارجية إلى الوضع في إدلب وغيره.
وفي إطار الحديث عن موازنة الحكومة أشار أردوغان أن الموازنة الأولية سوف يتم إرسالها إلى البرلمان بعد أسبوعين وسوف يتم البدء بها في مطلع عام 2019، كما أعاد أردوغان الحديث عن القدرة على التصدي للذين يستغلون أزمة العملة.
“سيدرك قريبًا الواهمون أن بوسعهم القيام بأعمال رُغمًا عن تركيا بل وضدها وقرب حدودها، أنهم قد أخطأوا” أردوغان
الانتخابات البلدية
ما زالت الانتخابات البلدية التي تم تأكيد موعدها في الـ5 من مارس 2019 في حديث أردوغان أمام كتلته البرلمانية تحظى بالاهتمام وقد عبر أردوغان أن التحضيرات لها قد بدأت منذ 24 من يونيو/حزيران 2018، مؤكدًا أن حصول حزبه على نتائج أفضل سيعزز قدرته على تنفيذ المشاريع والبرامج التي تم التخطيط لها خلال الخمس سنوات القادمة، كما أعلن أردوغان خلال كلمته موعد معسكر الحزب التحضيري للانتخابات في منطقة كزيلجا حمام شمال أنقرة الجمعة والسبت القادمين.
وفي سياق مرشحي الانتخابات البلدية أكد أردوغان أن معيار الاختيار هو الكفاءة والأهلية وقد حذر من تقديم مرشحين لصلة القرابة أو غيرها مما تتناقض مع الكفاءة والأهلية، كمرشحين يتكبرون على الناس أو ينظرون إلى الشعب من أبراج عاجية.
السياسة الخارجية
ما زالت تركيا تسعى للعب دور ريادي في المنطقة رافضة استثناءها أو إبعادها عن ترتيبات الشأن الإقليمي، وقد قال أردوغان في حديثه إنه لا يمكن لأي خطوة أن تنجح في المنطقة سواء في سوريا أم في جزيرة قبرص ومنطقة بحر إيجه، دون الدور التركي.
أما في سياق حديثه عن سوريا فقد أكد أن الفترة الأخيرة شهدت خطوات تركية مهمة وصحيحة في سوريا وقد أكد على مضي تركيا في سياستها الواقعية، حيث قال إذا كنت في الميدان فإن كلمتك على الطاولة ستكون مسموعة.
تمحورت كلمات أردوغان حول الاقتصاد بالدرجة الأولى والإجراءات التي تقوم بها إدارته إزاء ذلك وعن تراجع التوتر مع الولايات المتحدة
كما ألمح أردوغان بنبرة تحدٍ إلى خطأ الولايات المتحدة في دعم حزب الاتحاد الديمقراطي شمال سوريا بقوله: “سيدرك قريبًا الواهمون أن بوسعهم القيام بأعمال رُغمًا عن تركيا بل وضدها وقرب حدودها، أنهم قد أخطؤوا”.
قمة جديدة مرتقبة بحضور أوروبي
وقد أعلن أردوغان الذي تلقى الشكر من 14 زعيمًا على جهوده في منع الهجوم على إدلب، أن نهاية الشهر الحاليّ ستشهد قمة تركية روسية فرنسية ألمانية في إسطنبول للاستمرار في متابعة الأوضاع في إدلب، مؤكدًا أهمية منع موجات هجرة جديدة.
الحوار عن إدلب والحسم شرق الفرات
وبينما أكد أردوغان استمرار الحوارات بشأن إدلب، فقد أشار إلى حزم تركيا في إنهاء ما أسماه الوجود الإرهابي شرق الفرات، مستنكرًا استمرار عمليات شحن السلاح الأمريكي إلى وحدات الحماية شمال سوريا من 22 قاعدة أمريكية هناك ومن طائرات الشحن الأمريكية.
تمحورت كلمات أردوغان حول الاقتصاد بالدرجة الأولى والإجراءات التي تقوم بها إدارته إزاء ذلك وتراجع التوتر مع الولايات المتحدة والرغبة في استعادة العلاقة معها وتحسن العلاقة مع الدول الأوروبية وخاصة ألمانيا.