لا يعلم أحد في الجزائر إن كانت الحملة التي قادتها أحزاب الموالاة ضد رئيس المجلس الشعبي (البرلمان) السعيد بوحجة المنتمي لحزب جبهة التحرير الوطني الحاكم الذي يرأسه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ستؤتي أكلها وتدفع الرجل للتراجع أم أنه سيتشبث بمنصبه، وتكون هذه الحملة مجرد زوبعة في فنجان تخفي خلافات داخل معسكر الموالاة قبل أشهر معدودات من موعد الانتخابات الرئاسية التي لا يزال الغموض يكتنفها بشأن ترشح بوتفليقة لولاية خامسة أم أنه سيستجيب لدعوات المعارضة المطالبة بالاكتفاء بعهداته الأربعة.
تتسارع يومًا بعد يوم خلافات في معسكر الموالاة بين أحزاب ترفض الانضمام لـ”الجبهة الشعبية” التي دعا الرئيس بوتفليقة لإنشائها وبرلمانيين يطالبون برحيل بوحجة الذي يرفض المغادرة بما أنه لم يتلق – حسبه – طلبًا من الرئيس للرحيل كونه من كان وراء تقلده هذا المنصب.
تجميد
لم يكن يتوقع أحد من المتابعين للشأن السياسي أن تطالب الأحزاب برحيل السعيد بوحجة الذي حُسب إلى وقت غير بعيد على المقربين من الرئيس بوتفليقة الذي كان وراء اقتراحه لتولي رئاسة المجلس الشعبي الوطني بعد الانتخابات التشريعية في مايو 2017.
تعيش الغرفة السفلى للبرلمان حالة استنفار بعد أن دعا رؤساء 5 مجموعات برلمانية إلى رحيل بوحجة
وبحسب وكالة الأنباء الجزائرية التي تغطي لأول مرة الخلافات داخل الحزب الحاكم بصورة تطرح عدة تساؤلات، فإن رئيس المجلس الشعبي الوطني السعيد بوحجة جمد الثلاثاء نشاطات كانت مبرمجة في إطار الدبلوماسية البرلمانية على خلفية لائحة طلب الاستقالة التي تقدم بها رؤساء خمس مجموعات برلمانية بالمجلس.
ومنذ الأسبوع الماضي، تعيش الغرفة السفلى للبرلمان حالة استنفار بعد أن دعا رؤساء 5 مجموعات برلمانية إلى رحيل بوحجة، وتمثل هذه الكتل أحزاب جبهة التحرير الوطني الذي ينتمي إليه بوحجة والتجمع الوطني الديمقراطي الذي يتولى أمانته العامة الوزير الأول أحمد أويحيى والحركة الشعبية الجزائرية التي يترأسها وزير التجارة الأسبق عمارة بن يونس وتجمع أمل الجزائر التابع لوزير النقل الأسبق عمار غول، إضافة إلى كتلة الأحرار التي تمثل النواب المستقلين.
ووقعت الكتل الخمسة لائحة تتضمن “قرار سحب الثقة من بوحجة ومطالبته بالاستقالة من رئاسة المجلس، مع تجميد كل نشاطات هياكل المجلس إلى غاية الاستجابة لمطلب الكتل النيابية”، وتحدثت اللائحة عن “تجاوزات وخروقات” تمت ملاحظتها داخل المؤسسة التشريعية في عهد بوحجة.
يُتهم بوحجة بـ”التهميش المفضوح وتعمد تأخير المصادقة على النظام الداخلي للمجلس، وتهميش أعضاء لجنة الشؤون القانونية، وسوء تسيير شؤون المجلس، ومصاريف مبالغ فيها وصرفها على غير وجه حق، وتجاهل توزيع المهام إلى الخارج على أساس التمثيل النسبي، والتوظيف المشبوه والعشوائي…”.
مجرد محاولات
برأي مراقبين، فإن تحرك هذه الكتل الخمسة لن يقدم أو يؤخر، بالنظر إلى أن النظام الداخلي للمجلس الشعبي الوطني يحدد في المادة 10 حالات شغور منصب الرئيس “بالاستقالة أو العجز أو التنافي أو الوفاة”، وهي الحالات التي لا تتوفر في الظرف الحاليّ، ما يعني أن المعارضة القائمة ضد بوحجة لن يكون لها تأثير في حال رفض الرجل رمي المنشفة.
بحسب المتابعين للشأن السياسي الجزائري، فإنه في حال اتضح الدعم الكامل لرئاسة الجمهورية للسعيد بوحجة، فإن أغلب من يطالبون اليوم برحيله سيتراجعون عن موقفهم ويدخلون بيت الطاعة من جديد
ويدعم مطالب رحيل بوحجة الأمين العام لحزب بجهة التحرير الوطني جمال ولد عباس الذي طالبه بالاستقالة من منصبه فورًا “حتى لا يعطل عمل البرلمان”، على حد قوله، لكن لم يتضح حتى اللحظة إن كان تحرك ولد عباس بطلب من الرئيس بوتفليقة أم أنه ينفذ تعليمات جهات أخرى، ما قد ينبئ بخلاف جديد داخل الحزب الحاكم.
وحسب صحيفة “الجزائر باتريوتيك” فإن الطيب بلعيز مستشار الرئيس بوتفليقة قد أعلم بوحجة أنه يحظى بدعم من رئاسة الجمهورية، وقال بوحجة في مقابلة مع صحيفة “الخبر”: “الحراك الذي يقوم به النواب لدفعي إلى الاستقالة غير شرعي، وليس موجهًا من الرئاسة”، وأضاف “هناك أمران لا ثالث لهما في هذا الموضوع، إما استقالة أو إقالة، الأسباب التي ذكرها الإخوة رؤساء الكتل في العريضة التي تقدموا بها من أجل دفعي إلى الاستقالة غير صحيحة ولها أغراض حاقدة، أنا لن أستقيل إلا إذا كانت لدي قناعة بأنني ارتكبت أخطاء، وهذا أمر يتعلق بإرادتي، أما الإقالة فيجب أن يكون مصدرها الجهات الفوقية وهذا ما لم يحدث لحد الآن”.
ويعني بوحجة بالجهات الفوقية رئاسة الجمهورية، رغم أن القانون لا يمنح لبوتفليقة سلطة إنهاء مهام رئيس البرلمان.
وحسب المتابعين للشأن السياسي الجزائري، فإنه في حال اتضح الدعم الكامل لرئاسة الجمهورية للسعيد بوحجة، فإن أغلب من يطالبون اليوم برحيله سيتراجعون عن موقفهم ويدخلون بيت الطاعة من جديد، بالنظر إلى أن هذا التحرك ليس بريئًا ويخفي في طياته مصالح وصراعات سياسية حتى إن حاول المطالبون برحيل بوحجة إلباس موقفهم رداء محاربة الفساد.
خلاف آخر
غير أن اتفاق الأحزاب السياسية على رحيل السعيد بوحجة من قبة البرلمان لا يمتد إلى باقي الملفات الأخرى، فرغم دعوة بوتفليقة في 20 من أغسطس/آب الماضي بمناسبة يوم المجاهد لتأسيس “جبهة وطنية شعبية” للتصدي لما أسماه التهديدات والتحديات المحيطة بالبلاد، فإن حزبي التجمع الوطني الديمقراطي والحركة الشعبية الجزائرية رفضا الانخراط في الجبهة التي أعلن الحزب الحاكم تأسيسها.
إلى أن تتضح معالم الانتخابات الرئاسية المقبلة والمرشحون الذين سيخوضون غمارها، تبقى أحزاب السلطة تبحث عن تموقع يبقيها ضمن المستفيدين من محيط صنع القرار بما أنها لم تعلن لحد الآن عن مرشح ينتمي لتشكيلتها السياسية
وبرر التجمع الوطني الديمقراطي عدم انضمامه لهذه الجبهة على لسان ناطقه الرسمي صديق شهاب بأن نشاطه اليومي يصب في هذا الإطار ولا حاجة لإنشاء هيكلي لذلك، وقال شهاب إن حزبه “يعمل ميدانيًا وبشكل يومي ومستمر في أوساط المجتمع من أجل شرح مضمون فكرة الجبهة، علاوة على نشر الوعي عن أهميتها وضرورة المشاركة في بنائها”.
وبرأي مراقبين، فإن رفض حزب الوزير الأول الانضمام إلى جبهة دعا الرئيس بوتفليقة لتأسيسها يعكس الخلاف الدائم بين الحزبين الحاكمين في البلاد، وقد يخفي عدم تطابق وجهات النظر بشأن الانتخابات الرئاسية حتى وإن كان الطرفان قد أكدا تدعيمهما خطوة ترشيح بوتفليقة لولاية خامسة.
وما أكد الخلافات الموجودة في معسكر الموالاة هو الموقف الذي اتخذته الحركة الشعبية، بتأجيل موقفها من الانتخابات الرئاسية، ما يعني عدم اتضاح الرؤيا عند أحزاب السلطة عن مرشحها المنتظر، خاصة أن حركة عمارة بن يونس سارت هي الأخرى على منحى حزب الوزير الأول ورفضت الانضمام إلى الجبهة الشعبية التي أعلن جمال ولد عباس عن تأسيسها.
وقال بن يونس: “المجلس الوطني للحركة الشعبية الجزائرية قرر تأجيل الفصل النهائي في مسألة الانتخابات الرئاسية لـ2019 انتظارًا للوقت المناسب الذي ستتوفر فيه المعطيات”، وأكد بن يونس أن تشكيلته السياسية لن تنخرط في أي تنظيم أو جبهة “يقودها حزب سياسي” أو “شخص” لأنها “حزب سيد في قراراته وعلاقاته مع الطبقة السياسية، حيث يلتقي كل الأحزاب لكن دون إملاءات سياسية وبعيدًا عن أي تصفية حسابات حزبية أو شخصية”.
وإلى أن تتضح معالم الانتخابات الرئاسية المقبلة والمرشحون الذين سيخوضون غمارها، تبقى أحزاب السلطة تبحث عن تموقع يبقيها ضمن المستفيدين من محيط صنع القرار بما أنها لم تعلن لحد الآن عن مرشح ينتمي لتشكيلتها السياسية.