للمرة الأولى منذ 26 عامًا تقريبًا أوقفت الكويت تصدير النفط الخام إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وفقًا لإحصاءات دائرة المعلومات في وزارة الطاقة الأمريكية حسبما نقلت وكالة “بلومبيرج” التي ذكرت أن الكويت حولت وجهتها إلى السوق الآسيوية التي تستحوذ على 80% من صادراتها النفطية.
الوكالة ذكرت كذلك أن السعودية حلت مكان الكويت من حيث الصادرات النفطية للحليف الأمريكي، حيث بلغت خلال الشهر الماضي أكثر من مليون برميل يوميًا، يليها العراق (أكثر من 400 ألف برميل يوميًا)، في خطوة فسرها البعض بأنها تحمل تهديدًا للسوق الغربية لصالح نظيرتها الآسيوية.
ورغم نفي “مؤسسة البترول الكويتية” لما نشرته الوكالة الأمريكية، واصفة البيانات المدرجة في التقرير بأنها “غير دقيقة ولا توضح تداعيات انخفاض معدل الصادرات بين البلدين”، فإن الأرقام المتعلقة بحجم الشراكة الاقتصادية بين دول الخليج على وجه الخصوص والدول الآسيوية تذهب إلى ما ذهبت إليه “بلومبيرج”.
دول مجلس التعاون الخليجي، مجتمعة كانت أو كل دولة على حدة، خلال العقدين الماضيين اتجهت إلى تنويع سياساتها الخارجية ومصادرها الاقتصادية عبر توجيه المزيد من الاهتمام نحو القوى الآسيوية على رأسها (الصين واليابان وكوريا الجنوبية) أو ما بات يُصطَلح على تسميته “التوجه شرقًا” انسجامًا مع التحولات الدولية والإقليمية.
وسواء أوقفت الكويت صادراتها النفطية لأمريكا أم لم توقفها، فإن هناك اتجاهًا عامًا – خليجيًا عربيًا – للميل نحو السوق الآسيوية، ليس في مجال الطاقة فحسب، وهو ما يعني سحب البساط من تحت أقدام السوق الغربية، ما قد ينعكس على العلاقات الخليجية مع الولايات المتحدة، وهو ما يمكن قراءته في ضوء سياسات الابتزاز الواضحة في خطابات الرئيس الأمريكي، ضد بعض النظم الخليجية على رأسها السعودية، التي وصلت إلى التهديد برفع غطاء الحماية ما لم تدفع الرياض المقابل، تلك الحماية التي لو لم تكن فقد لا يمكث العاهل السعودي فوق كرسيه أكثر من أسبوعين حسبما قال دونالد ترامب.
“موسسة البترول الكويتية” وهي مؤسسة حكومية تابعة للدولة، أشارت إلى أن تراجع صادرات النفط الكويتي لأمريكا ليس بسبب توجه سياسي أو اقتصادي بعينه
بين التأكيد والنفي
رغم تأكيد “بلومبيرج” لخبر وقف شحنات النفط الخام الكويتي للولايات المتحدة لأول مرة منذ الغزو العراقي للكويت عام 1990، وأنها فضلت السوق الآسيوية التي وصفتها بـ”الجذابة”، حيث يتم تداول نفطها عالي الجودة في الأسواق الآسيوية بسعر 80 دولارًا للبرميل، إلا أن الجانب الكويتي كان له رأي آخر.
“موسسة البترول الكويتية” وهي مؤسسة حكومية تابعة للدولة، أشارت إلى أن تراجع صادرات النفط الكويتي لأمريكا ليس بسبب توجه سياسي أو اقتصادي بعينه، لافتة إلى أن “التطورات الأخیرة في معدلات إنتاج النفط الخام الأمریكي حولت السوق الأمریكیة من سوق مستوردة للنفط الخام إلى سوق مصدرة لمختلف دول العالم، وأظهرت بیانات وكالة الطاقة الأمریكیة أن صادرات النفط بلغت مستویات فاقت ملیوني برمیل یومیًا”.
كما أضافت أن أسواق القارة الآسیویة “نالت نصیبًا لا یستھان به من صادرات النفط الخام الأمریكي، حیث فاقت بكثیر أي زیادة من صادرات النفط الخام الكویتي لنفس الفترة للأسواق الآسیویة”، منتقدة التقارير التي تناولت هذا الأمر بأنها “افتقرت إلى تحلیل الأسباب الاقتصادیة والسوقیة بشكل دقیق، كما لم توضح التغیرات الجذریة في حركة الأسواق النفطیة والزیادات في حجم مشروعات مصافي التكریر الكویتیة، التي تؤثر في اتجاه تقلیل حجم صادرات النفط الخام الكویتي للأسواق، التي لا یعتبر النفط الخام الكویتي عاملاً اقتصادیًا مؤثرًا بشكل كبیر فیھا”.
الدول الخليجية تسعى في إطار سياساتها المبنية على التوجه شرقًا إلى تحقيق عدد من الأهداف على رأسها البحث عن فرص استثمارية جديدة
المؤسسة النفطية الكويتية الحكومية شددت على أن التراجع في معدلات الصادرات جاء بالتنسيق مع عملائها في الأسواق الأمريكية والأوروبية بما تقتضيه المصالح الإستراتيجية المشتركة، مؤكدة “استمرار تعاقداتها مع الأسواق الأمریكیة، وتضمن الحق للعملاء بنقل النفط الخام الكویتي إلى الأسواق الأمریكیة، وحرصها على الالتزام بالتوجھات الإستراتیجیة النابعة من واقع التطورات في الأسواق النفطیة العالمیة”.
“مؤسسة البترول الكويتية” تنفي ما نشرته “بلومبيرج”
لماذا السوق الآسيوية؟
الميل نحو السوق الآسيوية ليس ميلاً عشوائيًا، ولا نكاية في الغرب كما يحلو للبعض أن يعزف، إذ تمتلك القوى الآسيوية في الوقت الراهن الاقتصادات الأكثر ديناميكية على المستوى الدولي؛ حيث تتمتع بأعلى معدلات نمو اقتصادي، كما أنها تشتمل على أكبر اقتصادات في العالم؛ لذا، تتطلع جميع دول الخليج دون استثناء إلى تفعيل مستويات الشراكة معها.
الدول الخليجية تسعى في إطار سياساتها المبنية على التوجه شرقًا إلى تحقيق عدد من الأهداف على رأسها البحث عن فرص استثمارية جديدة سواء داخل الأسواق الآسيوية أم عبر استقطاب المزيد من الاستثمارات الأجنبية والتكنولوجيا المتطورة التي تدعم خطط التنويع الاقتصادي داخل دول الخليج، كذلك ضمان الأمن الغذائي لدول الخليج عبر تدفقات دائمة من السلع والمنتجات الغذائية، أو من خلال الاستثمار في القطاع الزراعي والغذائي لبعض الدول الآسيوية.
هذا بخلاف ضمان الحصول على العمالة ذات الأجور الرخيصة من أجل المساهمة في بناء المشاريع التحتية أو حتى الاقتصاد بشكل عام، إضافة إلى تأمين سوق وزبائن دائمين لصادراتها من الطاقة في الوقت الذي يهرول فيه عملاؤها في الغرب لا سيما في أمريكا لتحقيق الاكتفاء الذاتي من النفط والبحث عن مصادر أخرى بديلة للطاقة.
تحتل كل من الصين واليابان وكوريا الجنوبية، مراكز متقدمة ضمن قائمة أكبر الشركاء لدول مجلس التعاون الخليجي بصفة عامة، ولم يقتصر الأمر على التعاون الاقتصادي فحسب، إذ تمثل تلك الكيانات الثلاث أهمية كبرى لدول الخليج منها أن الصين على سبيل المثال من الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، في حين أن اليابان تخوض حملة للحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن الدولي.
الميل نحو السوق الآسيوية ليس ميلاً عشوائيًا، ولا نكاية في الغرب كما يحلو للبعض أن يعزف، إذ تمتلك القوى الآسيوية في الوقت الراهن الاقتصادات الأكثر ديناميكية على المستوى الدولي
وعسكريًا فمن المتوقع تنامي قوة الصين بشكل مطرد خلال السنوات القادمة بما يضعها على قائمة الجيوش الأقوى في العالم لما تمتلكه من إمكانات وقدرات تسليحية كبيرة، فيما تسير اليابان وكوريا الجنوبية في هذا الاتجاه كذلك.
اقتصاديًا.. كانت الدول الثلاثة من أكثر الدول المستوردة للنفط والغاز من دول الخليج عام 2016، وتعد الصين هنا حالة بارزة حيث من المتوقع أن يتزايد استهلاكها من الطاقة بشكل معتبر على مدى العقدين القادمين، فيما تعد أكبر شريك تجاري لدول مجلس التعاون مجتمعة حيث تمثِّل نحو ثلث إجمالي تجارتها الخارجية.
فرص واعدة للخليج في الأسواق الآسيوية
سحب البساط من تحت أقدام السوق الغربية
وفقًا لبيانات منظمة الدول المصدرة للنفط “أوبك” فإن إجمالي صادرات الطاقة من دول مجلس التعاون لآسيا أكبر بكثير مما ترسله إلى دول الاتحاد الأوروبي وأمريكا الشمالية، حيث صدَّرت دول الخليج مجتمعة نحو 13.4 مليون برميل يوميًّا من النفط الخام و90.96 مليون طن من الغاز الطبيعي المسال عام 2016، توجه معظمها إلى بلدان آسيا والمحيط الهادئ.
ومن الشواهد المتعلقة بتراجع ترتيب الأسواق الغربية في جدول الصادرات الخليجية، فإنه خلال العقدين الماضيين كانت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يشكلون نحو 40% من إجمالي تجارة دول مجلس التعاون، لكن تلك النسبة تراجعت إلى النصف تقريبًا أو 22% عام 2016.
الاهتمام الخليجي بالسوق الآسيوية يعود وفق خبراء إلى عاملين أساسيين: الأول: كبح جماح الضغوط السياسية الغربية، خصوصًا الأمريكية منها، التي انبثقت بعد أحداث الـ11 من سبتمبر/أيلول 2001، وتواصلت بعد غزو العراق، وصولًا إلى فترة ترامب الذي يضرب بكل الاتفاقيات عرض الحائط دون احترام لمواثيق قانونية أو ضغوط دولية، العامل الثاني: فرضه صعود اقتصادات الشرق نتيجة انتقال ثقل الاقتصاد العالمي نحو آسيا، مترافقًا مع تنامي الطلب على إمدادات الطاقة.
القفزات الهائلة في معدلات الزيادة السكانية في دول آسيا إضافة إلى الخطوات المسرعة نحو اللحاق بركب الاقتصاد العالمي يؤهلها لأن تكون قبلة للاستثمارات الخليجية خلال السنوات القادمة
ماذا عن المستقبل؟
التقديرات تشير إلى تحول منطقة آسيا إلى سوق واعدة للطاقة في ظل تزايد الطلب على المنتجات النفطية، ومن المتوقع أن تظل الصين والهند على وجه الخصوص على قائمة المحركات الأساسية للنمو في الطلب على النفط والغاز الطبيعي حتى عام 2030 وهو ما يعني الضمان بالنسبة للنفط الخليجي مقارنة بالسوق الغربية كما تمت الإشارة سابقًا، إذ تتوقع وكالة الطاقة الدولية أن يرتفع استيراد دول جنوب شرق آسيا بنحو 3.4 مليون برميل يوميًّا على مدى العقدين القادمين.
القفزات الهائلة في معدلات الزيادة السكانية في دول آسيا إضافة إلى الخطوات المسرعة نحو اللحاق بركب الاقتصاد العالمي يؤهلها لأن تكون قبلة للاستثمارات الخليجية خلال السنوات القادمة، هذا مع الوضع في الاعتبار التوازنات السياسية التي تنتهجها القوى الآسيوية في سياساتها الخارجية مقارنة بأمريكا على سبيل المثال التي تضع البيض كله في سلة واحدة ما قد يفسده جميعًا في آن واحد.