تشهد إثيوبيا بين الحين والآخر مواجهات وأعمال عنف دامية بين المجموعات العرقية المختلفة الموجودة في البلاد، وهو ما أثر على استقرارها طيلة السنوات الماضية، وما من شأنه أن يؤثر أيضًا على الإصلاحات التي يسعى رئيس الوزراء الجديد أبي أحمد – الذي ينحدر من عرقية أورومو أكبر مجموعة عرقية في البلاد – إلى تطبيقها؟
44 قتيلًا وآلاف النازحين
آخر هذه الأعمال ما شهدته البلاد نهاية الأسبوع الماضي من مواجهات بين أقليات راح ضحيتها 44 شخصًا، ووقعت الاشتباكات على الحدود بين منطقتي أوروميا وبنيشانغول – غوموز غرب إثيوبيا، وفقًا لما ذكرته وسائل إعلام محلية ودولية.
واندلع العنف إثر وفاة 4 مسؤولين محليين من قادة منطقة بينيشانجول – غوموز، قتلهم مسلحون مجهولون في منطقة أوروميا المجاورة حيث أتوا لمناقشة الوضع الأمني وفقًا للأهالي، عقب ذلك تعرض السكان المنتمون لجماعة “الأورومو” العرقية المقيمون في بينيشانجول غوموز لهجمات من أفراد ينتمون لجماعات عرقية أخرى، مما اضطر الكثيرين إلى الفرار من أوروميا.
تاريخيًا، مارست السلطات الإثيوبية التعذيب بحق العديد من القوميات خاصة قومية ” أوروميا”
دارت المواجهات بين الطرفين على طول الحدود الطويلة بين منطقتيهما، واستعملت الحجارة والسكاكين، ما أدى لحدوث عمليات قتل وحشية وفرار عشرات الآلاف من الأهالي هناك إلى مناطق أخرى بحثًا عن الأمن والأمان.
وتدور مواجهات بين الأورومو (في الجنوب والغرب) وبنيشانغول – غوموز (على الحدود مع السودان) منذ سنوات للسيطرة على بعض المناطق الصالحة للزراعة على طول حدودهم المشتركة، وغالبية عرقية “الأورومو” هم من المسلمين، وتمثل كبرى القوميات في إثيوبيا، حيث تتراوح نسبتهم وفق تقديرات غير رسمية بين 50% و80% من عدد السكان، البالغ أكثر من 102 ملايين نسمة.
تاريخ من المواجهات العنيفة
هذه الاشتباكات جاءت بعد أيام قليلة من مواجهات مماثلة في ضواحي العاصمة الإثيوبية أديس أبابا أودت بحياة 23 شخصًا، ونزوح 4500 شخص آخرين واعتقال العشرات، وبدأت المواجهات حينها بين السكان المحليين والشباب من مناطق أوروميا العرقية المجاورة الذين تدفقوا إلى المدينة للاحتفال بعودة قائد جبهة تحرير أوروميا الذي قاد تمردًا من أجل حق تقرير مصير شعب أورومو – أكبر أقلية عرقية في البلاد – في العودة من المنفى إلى إثيوبيا.
واضطرت السلطات خلال تلك الأحداث لقطع الإنترنت، حتى تحد من انتشار لقطات الفيديو والصور الرقمية التي تظهر الجثث والممتلكات المنهوبة في بلدة بورايو، وتقلل من حدة الاحتجاجات التي تشهدها شوارع بلدة بورايو على مشارف العاصمة أديس أبابا.
وكانت السنوات الأخيرة محملة بالاحتجاجات والاشتباكات الدامية في البلاد، خاصة خلال فترة الاحتجاجات المناهضة للحكومة التي قادها شعب أوروميا التي ساعدت في جلب آبي أحمد للحكم في أبريل/نيسان الماضى، بعد استقالة سلفه.
الآلاف من القتلى والمفقودين نتيجة هذه المواجهات المتكررة
حينها توقفت الاحتجاجات، لكن تبعتها مصادمات بين مجموعات تبحث عن تسوية نزاعات قديمة حول الأرض، وكان أخطرها في الجنوب بين شعب جيدو وجوجي أورومو، مما عجل بالنزوح الجماعي، كما شهدت البلاد اشتباكات بين المسلمين والمسيحيين في منطقة بالي بأوروميا.
يذكر أن الإثيوبيين وقعوا تحت حكم طائفة واحدة منذ عام 1991، هي قومية تيغراي المتهمة بالاستحواذ على المناصب الحكومية والعسكرية المهمة، رغم أنها لا تمثل سوى نسبة قليلة من سكان البلاد، فإن هذا الوضع تغير مع وصول آبي أحمد إلى رئاسة الحكومة.
وتاريخيًا مارست السلطات الإثيوبية التعذيب بحق العديد من القوميات خاصة قومية أوروميا التي يمثل المسلمون أغلبيتها الساحقة، وتحدثت تقارير أن آلافًا من أفراد عرقية أورومو يتعرضون باستمرار لعمليات توقيف تعسفية واعتقالات طويلة دون محاكمة، ويختفون ويتعرضون للتعذيب بشكل متكرر، وإعدامات خارج نطاق القضاء.
وفي سنة 2015 اندلعت احتجاجات مناهضة للحكومة بسبب نزاع بين المواطنين – غالبيتهم من عرقية الأورومو – والحكومة بشأن ملكية بعض الأراضي، ولكن رقعة المظاهرات اتسعت لتشمل المطالبة بالحقوق السياسية وحقوق الإنسان، وأدت لمقتل المئات واعتقال الآلاف، ودفعت ديسالين رئيس الوزراء – هايلي مريام ديسالين – إلى الاستقالة من منصبه.
مجتمع متعدد الأعراق
تتشكل إثيوبيا من مجتمع متعدد الأعراق، حيث كانت السياسات العرقية والحشد القبلي طريق الوصول إلى السلطة وأهم الأدوات للحفاظ عليها، ولدى هذا البلد الإفريقي أكثر من 90 مجموعة عرقية، ولعقود من الزمان تم تنظيم سياسات البلاد على طول هذه الخطوط المثيرة للانقسام.
وفقًا لدستور البلاد، فإن إثيوبيا دولة “جمهورية ديمقراطية اتحادية”، تتكون من 9 ولايات إقليمية مقسمة حسب العرق واللغة، وهي: (تيغري، عفر، أمهرة، أوروميا، أوغادين – تُعرف أيضا باسم: “الصومالي”، بني شنقول – قماز، قوميات الأمم الجنوبية (SNNPR)، غامبيلا، هراري، إضافة إلى ولايتين: أديس أبابا و ديرة داوا).
تمثل مسألة العلاقة بين الأعراق في إثيوبيا مشكلة مزمنة منذ زمن الاستعمار
بموجب التقسيم الطبيعي استوطنت قوميتا الأمهرة والتيغري مرتفعات إثيوبيا الشمالية والوسطى، المركز التاريخي للقوة وللديانة المسيحية في البلاد، فيما تمركز الأورومو أكبر المجموعات العرقية في إثيوبيا على الطرف الجنوبي من البلاد، قبل أن تدفعهم الهجرة للتوسع للمناطق الوسطى والغربية من البلاد.
توسع الأوروميا تسبب في نشوب صراعات مع الأمهرة والصوماليين على وجه الخصوص، ونتيجة لذلك اندلعت الاشتباكات في إقليم “أوغادين” بين الأورومو والصوماليين نتيجة التنافس على التربة الخصبة والموارد، ورغم كونهم أكبر الأعراق الأثيوبية فإنهم كانوا آخر الأعراق انضمامًا للإمبراطورية الإثيوبية، وقد أسهم ذلك، بالإضافة لتركيبة دينية مختلطة بين الإسلام والمسيحية والوثنية، في رؤية الأورومو لأنفسهم كضحايا قمع طويل الأمد للإمبراطورية الإثيوبية.
وتعد المنطقة الصومالية في إثيوبيا دولة شبه مستقلة ومنفصلة عن بقية البلاد بفعل الحواجز الجغرافية (مرتفعات وجبال)، وهي تتشارك المناخ الصحراوي والدين الإسلامي مع جيرانها في الصومال، ما جعل سكانها أكثر تعلقًا بالصومال من ارتباطهم بإثيوبيا، وهو ما أدى في النهاية لإثارة الريبة وعدم الثقة المتبادلة بين الصوماليين وبقية البلاد ودفع الشعب الصومالي بعيدًا نسبيًا عن السياسة الإثيوبية.
ماذا عن إصلاحات آبي أحمد؟
هذه الاضطرابات العرقية الخطيرة في إثيوبيا من شأنها أن تقوض حكم رئيس الوزراء الجديد الإصلاحي آبي أحمد (42 سنة) الذي يسعى إلى تغيير النظام الاستبدادي الذي كان يسيطر على البلاد بآخر ديمقراطي، فضلًا عن تعزيز خطاب الحب والمصالحة.
ومنذ توليه منصبه في الـ2 من أبريل/نيسان 2018، قاد آبي أحمد مجموعة من الإصلاحات الليبرالية لإنقاذ البلاد من الحرب الأهلية، فقد أطلق سراح آلاف السجناء السياسيين، وأوقف الرقابة التي كانت مفروضة على مئات المواقع، وأنهى حالة الحرب التي استمرت 20 عامًا مع إريتريا ورفع حالة الطوارئ.
ويأمل رئيس الوزراء الإثيوبي الجديد أن تساعده هويته في تعزيز العلاقات بين المجموعات العرقية، فأبوه مسلم أورومو بينما كانت والدته مسيحية، وهو يجيد اللغة الأورومو والأمهرية والتقرينية بالإضافة إلى اللغة الإنجليزية، وسبق أن عمل آبي أحمد ضمن قوات الأمم المتحدة لحفظ السلام في رواندا، ثم ترأس وكالة الأمن الإلكتروني الإثيوبية، وعمل كوزير للعلوم والتكنولوجيا قبل أن يغادر الحكومة المركزية ليصبح نائب رئيس منطقة أوروميا.
يسعى آبي أحمد إلى القيام بالعديد من الإصلاحات في البلاد
تمثل مسألة العلاقة بين الأعراق في إثيوبيا مشكلة مزمنة منذ زمن الاستعمار، تفاقمت جراء تقسيم الولايات على أساس عرقي في النظام الفيدرالي الإثيوبي القائم، الذي كان عاملًا من عوامل زيادة الانقسام، وعدم التفاعل البناء كما يجب بين الأعراق المكونة للمجتمع، فأصبح أبناء كل عرق أسرى الحدود الجغرافية الفيدرالية العرقية للأقاليم.
هذا التقسيم العرقي جعل البلاد إحدى أكثر الدول الإفريقية عرضة للاضطرابات العرقية جيلاً بعد جيل، حتى إنه خلال حكم الإمبراطوريات غالبًا ما كان الملك يحافظ على سيطرته على رعاياه عبر تقسيم جيشه لمجموعات صغيرة وتخصيص كل مجموعة لمنطقة جغرافية محددة.
وتقوم غالبية الأحزاب السياسية الإثيوبية على أساس عرقي، ما يضفي عليها طابعًا مؤسسيًا، ينحصر في الحدود الجغرافية لكل عرق من الأعراق، ولا تتعاطى برامج الأحزاب بقضايا خارج تلك الحدود، وعلاقتها مع النظام الفيدرالي علاقة عمودية، الأمر الذي يشكل عائقًا أمام قيام أحزاب عابرة للأعراق والقبائل وقادرة على بناء شبكة علاقات أوسع.
أمام إمكانية تجدد المواجهات في أي وقت وأي منطقة في البلاد، وجب على الحكام الجدد لإثيوبيا تنظيم ملتقيات وورشات تحاور أبناء المجموعات العرقية المختلفة، عن كيفية العمل من أجل حل المشاكل القائمة التي تتسبب في اندلاع الاحتجاجات كل مرة، والتغلب على نتائج المعالجات الحكومية السابقة التي ساهمت في مزيد من الانقسام وعمقت التوتر العرقي.