ترجمة وتحرير: نون بوست
قبل سنة مضت، عانت إسرائيل من أسوأ فشل استخباراتي لها على الإطلاق عندما شنت حماس هجومًا مفاجئًا أسفر عن مقتل 1200 شخص واحتجاز حوالي 250 رهينة. أما اليوم، فقد أدت موجة من الضربات الموجهة ضد حزب الله إلى عودة جواسيس إسرائيل الذين طالما تباهت بهم إلى الواجهة.
ويعكس هذا التحول كيف استثمرت إسرائيل وقتها ومواردها على مدى العقدين الماضيين. فمنذ أن خاضت إسرائيل حربًا مع حزب الله في لبنان في سنة 2006، استعدت إسرائيل بصرامة لصراع كبير آخر مع الجماعة المسلحة – وربما مع إيران الداعمة لها.
وفي المقابل، كان يُنظر إلى حماس على أنها تهديد أقل قوة بكثير. فحتى قبل فترة وجيزة من التوغل من قطاع غزة في 7 تشرين الأول/ أكتوبر، كان كبار المسؤولين يستبعدون مؤشرات على حدوث هجوم وشيك. ففي أيلول/ سبتمبر الماضي، وصف الجيش الإسرائيلي بثقة قطاع غزة بأنه في حالة “عدم استقرار مستقر”، وخلصت التقييمات الاستخباراتية إلى أن حماس حولت تركيزها إلى تأجيج العنف في الضفة الغربية وأرادت الحد من خطر الانتقام الإسرائيلي المباشر.
وقال كارميت فالنسي، وهو باحث بارز في معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب وخبير في شؤون الميليشيا اللبنانية: “كان معظم تركيزنا منصبًا على الاستعداد للمواجهة مع حزب الله، بينما أهملنا إلى حد ما الساحة الجنوبية والوضع المتطور مع حماس في غزة”.
لقد تركت سلسلة من الهجمات الإسرائيلية في لبنان على مدى الأسبوعين الماضيين حزب الله يترنح، ومصدومًا من قدرات إسرائيل على اختراق الحزب، ويكافح من أجل سد الثغرات. فقد انفجرت آلاف أجهزة الاستدعاء وأجهزة الاتصال اللاسلكي التابعة لحزب الله في وقت واحد تقريبًا في أيام متتالية الأسبوع الماضي، مما أسفر عن مقتل 37 شخصًا وإصابة حوالي 3000 شخص. وبعد ذلك بوقت قصير، أدت غارة جوية في بيروت إلى مقتل مجموعة من أكثر من عشرة من نخبة القادة العسكريين.
وفي يوم الجمعة، استهدفت إسرائيل ما وصفته بالمقر الرئيسي لحزب الله في إحدى ضواحي بيروت.
ولا يزال أمن حزب الله عرضة للاختراق؛ حيث قتلت غارة جوية إسرائيلية أخرى في جنوب بيروت يوم الثلاثاء قائد الصواريخ في حزب الله.
وجاءت هذه العملية بعد شهرين تقريبًا من إظهار إسرائيل اختراقها لحزب الله بقتل القيادي البارز فؤاد شكر، الذي استعصى على الولايات المتحدة الأمريكية لأربعة عقود. وقُتل في غارة جوية على شقته في الطوابق العليا من مبنى سكني في بيروت؛ حيث تم استدعاؤه عبر مكالمة هاتفية قبل فترة وجيزة.
ودمرت الحملة المكثفة التي شنها جهاز التجسس الخارجي الإسرائيلي، الموساد، ووحدات الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، قيادة حزب الله وأضعفت ترسانة أسلحته. وقد تابع سلاح الجو الإسرائيلي حملة القصف التي ضربت أكثر من 2000 هدف هذا الأسبوع.
وقال رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، يوم الأربعاء، إن هذه الجهود المكثفة كانت استعدادًا لغزو بري. ومن ناحية أخرى، تضغط الولايات المتحدة وحلفاؤها على الجانبين لوقف القتال، على أمل تجنب الحرب على جبهة أخرى أو حتى اندلاع حريق إقليمي مع استمرار القتال في غزة في شهره الثاني عشر.
وتقول وزارة الصحة في لبنان إن أكثر من 600 شخص قتلوا في غارات هذا الأسبوع على لبنان وأصيب نحو 2000 شخص بجروح، وهو ما يضاف إلى الخسائر الفادحة في غزة.
ويأتي نجاح إسرائيل ضد حزب الله مقارنةً بفشلها فيما يتعلق بحماس لأن الأجهزة الأمنية في البلاد أفضل في الهجوم من الدفاع، وفقًا لأفنر غولوف، وهو مدير كبير سابق في مجلس الأمن القومي الإسرائيلي ويعمل الآن مع مجموعة “مايند إسرائيل”، وهي مجموعة استشارية للأمن القومي.
وقال غولوف: “إن جوهر العقيدة الأمنية الإسرائيلية هو نقل الحرب إلى العدو، بينما كان الأمر مختلف تمامًا مع غزة؛ فلقد فوجئنا، لذلك كان الأمر فاشلًا”.
وراقبت إسرائيل تعاظم ترسانة حزب الله منذ توقيع الطرفين على هدنة في سنة 2006 بعد حرب استمرت شهرًا. وفي ذلك الوقت، شعر الكثيرون في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية بخيبة أمل من أداء الجيش في الحرب؛ حيث فشل في إلحاق ضرر كبير بحزب الله الذي بدأ في إعادة بناء مواقعه في الجنوب.
ونتيجة لذلك، سعى الجيش إلى تعزيز فهمه لحزب الله والعمل على تقويض الدعم العسكري والمالي الإيراني المقدم له، وذلك من خلال سلسلة من الغارات الجوية في سوريا، التي أصبحت تعرف باسم “حرب بين الحروب“.
وعلى النقيض من ذلك، تبنى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو استراتيجية احتواء حماس في غزة في السنوات الأخيرة، معتقدًا أن الحركة الفلسطينية كانت تركز على حكم غزة ولم تكن مهتمة بالحرب مع إسرائيل. وكان الجانبان قد خاضا سلسلة من النزاعات القصيرة في أعقاب سيطرة حماس على قطاع غزة في سنة 2007، وبدا أن قائد الحركة في القطاع، يحيى السنوار، مهتم أكثر بتحسين الأوضاع الاقتصادية للشعب الفلسطيني.
وكانت هناك دلائل على أن الجماعة التي صنفتها الولايات المتحدة على أنها جماعة إرهابية تخطط لشن هجوم، بما في ذلك التدريبات العسكرية التي تنبئ بالطرق التي اقتحمت بها إسرائيل في 7 تشرين الأول/ أكتوبر.
لكن أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية قللت من أهمية هذه المناورات واعتبرتها مناورات ترهيبية لجمهور حماس في الداخل. فقد شعر الجيش الإسرائيلي بالثقة في قوة الجدار العازل المتطور تكنولوجيًا الذي أقامه لفصل غزة عن الأراضي الإسرائيلية.
وقال عوزي شايا، وهو مسؤول استخباراتي إسرائيلي سابق، إن جمع المعلومات الاستخبارية من مصادر بشرية كان من الممكن أن تحذر من هجوم أصبح أكثر صعوبة بعد انسحاب إسرائيل من جانب واحد من قطاع غزة في سنة 2005 وتسليمه للسيطرة الفلسطينية.
وقال شايا: “إن القدرة على خلق معلومات استخباراتية بشرية في غزة في منطقة مكتظة وصغيرة للغاية، حيث يعرف الجميع بعضهم بعضًا، وحيث يظهر الغريب على الفور، يجعل ذلك أكثر صعوبة”، مضيفًا أن الوصول إلى أشخاص في لبنان أو خارج لبنان على صلة بحزب الله كان أسهل.
ولا يمكن الوصول إلى أي معلومات استخباراتية إلا في حدود ضيقة. في نهاية المطاف، سيتحدد نجاح إسرائيل ضد أي من التنظيمين في ساحة المعركة. ففي حدود قطاع غزة الضيقة، ضرب الجيش الإسرائيلي حماس ودمر المشهد الحضري في قطاع غزة، بينما سيواجه عدوًا مختلفًا في تلال لبنان.
فعلى الرغم من الجهود التي بذلتها إسرائيل منذ فترة طويلة لإضعاف التعزيزات العسكرية لحزب الله، إلا أن الميليشيا اللبنانية تمكنت من جمع ترسانة ضخمة يمكنها استخدامها في الحرب. ويدرس الحزب الآن كيفية الرد على سلسلة الهجمات الإسرائيلية المدمرة. فقد أطلق حزب الله أول صاروخ له على الإطلاق على العاصمة التجارية تل أبيب يوم الأربعاء، وهو أجرأ رد له حتى الآن، لكنه لم يقترب من تنفيذ كل قدراته.
وقالت فالنسي، الباحثة البارزة في معهد دراسات الأمن القومي، إن هناك خطرًا من أن نجاحات إسرائيل الأخيرة تجعلها تبالغ في الثقة بالنفس، مضيفة أن غزو لبنان بقوات قد يمنح حزب الله الفرصة لإظهار تفوقه العسكري على الأرض.
وأضافت: “لقد رأينا مدى صعوبة وتحدي القضاء على منظمة معقدة مثل حماس. أما حزب الله فقصة مختلفة عنه”.
المصدر: وول ستريت جورنال