كنا أربعة أمراء في أوروبا. انتقدنا الأسرة المالكة وحكمها في السعودية. اختُطف ثلاثة منا.. أنا الوحيد المتبقي الذي لم يُخطف! هكذا قال الأمير خالد بن فرحان آل سعود، في وثائقية بي بي سي العربية حول أمراء آل سعود المخطوفين. حيث يعيش حالياً في ألمانيا كلاجئ سياسي منذ عام 2013 بعد أن سُجن في ثمانينات القرن الماضي ووضع تحت الإقامة الجبرية، بعد مطالبته للعائلة الحاكمة بهامش أكبر من الحرية في بلاده.
نفذ الأمير خالد بجلده فيما وقع الأمراء الثلاثة الآخرون في شباك الحكومة التي تم نصبها لهم بصور شتى. حيث كانت تهمتهم أو العامل المشترك عند الأمراء الثلاثة الذين تم خطفهم أو ترحيلهم، وهم سلطان بن تركي، وتركي بن بندر، وسعود بن سيف النصر، هو انتقادهم للعائلة الحاكمة وضرورة القيام بإصلاحات في نظام الحكم.
يقول الأمير خالد حين سألوه إن كان الدور عليه: “أنا مقتنع بذلك منذ زمن طويل. إذا فعلوا ذلك الآن، فإنهم سيكونون قد قاموا بذلك من قبل. أنا حذر جدا، لكن هذا ثمن حريتي”. إذن كلمة السر في بقاء الأمير خالد إلى الآن حراً، رغم استمراره في انتقاد العائلة الحاكمة التي هو منها، تكمن في الحذر واتخاذ كل الاحتياطات اللازمة لعدم وقوعه ضحية خطف أو ترحيل، وهذا ما يثير استغراب المتتبع لقضية الكاتب الصحفي جمال خاشقجي، الذي اعتبره كثيرون أنه لم يكن حذراً بما فيه الكفاية، حيث اختفى أثره منذ ظهر يوم أمس الثلاثاء بعد أن دخل قنصلية بلاده في إسطنبول لإتمام معاملات رسمية، ولم يخرج بعدها بحسب إفادة خطيبته التي كانت معه تنتظره خارج القنصلية.
عاد خاشقجي للتغريد من واشنطن، واستكتبته أيضاً صحيفة واشنطن بوست، في إشارة إلى قيمة وأهمية ما يكتبه، بحكم صلاته ومصادره وشبكة علاقاته الواسعة
خاشقجي الذي عرفه الناس كاتباً صحفياً ورئيس تحرير صحيفة الوطن السعودية، ووجهاً إعلامياً كثير الظهور في الفضائيات المختلفة، تم منعه من التغريد في تويتر أواخر عام 2016، ثم مُنع من السفر والظهور في وسائل الإعلام، حتى ظهر فجأة في واشنطن صيف العام الماضي، بعد أن تسربت أنباء أنه خرج سراً من المملكة، ونفذ بجلده قبل أن تشتد الأمور بالمملكة وتبدأ حملات الاعتقال التي طالت كثيرين، علماء وإعلاميين وأمراء وغيرهم. ورغم أن جمال خاشقجي قد نفى أنه خرج سراً من السعودية، إلا أن النفي فهمه كثير من المراقبين أنه نوع من إبقاء شعرة معاوية بينه وبين الحكومة، والتي يبدو أن قرار قطعها قد تم اتخاذه فعلاً.
عاد خاشقجي للتغريد من واشنطن، واستكتبته أيضاً صحيفة واشنطن بوست، في إشارة إلى قيمة وأهمية ما يكتبه، بحكم صلاته ومصادره وشبكة علاقاته الواسعة. ثم بدأت حملات تخوينه ومهاجمته من قبل الذباب الإلكتروني حتى كانت آخر تغريدة معبّرة له يوم أمس الأول قال فيها: “أغادر لندن، وفلسطين في البال. حضرت مؤتمراً وتعرفت على باحثين وناشطين مؤمنين بعدالة قضيتها من أطراف الأرض رغم قوة اللوبي الإسرائيلي الذي حاصر أي تعاطف معها، إلا أن صوتها لا يزال عالياً هنا.
في عالمنا يحاولون تغييب فلسطين لكسر الغضب فينا، ولكنها حاضرة في ضمير كل مواطن… وإن صمت”.
لا شك أن فلسطين ستكون في ضمير خاشقجي وإن صمت رغبة أو رهبة.
السعودية إن أفرجت عن خاشقجي، بعد أن عرف العالم كله بنبأ احتجازه بالقنصلية، فكأنما اعترفت بمسألة الاحتجاز. وهو أمر معيب أن يحدث في دولة أجنبية، وفي حال أنها لم تفرج عنه، فالأمر سيزداد سوءاً وقتامة، وستدخل السعودية في أزمة عميقة لا قرار لها مع تركيا
هذا الصمت الذي لا يُعرف مدى بقائه والذي يعتبره كثير من المراقبين، نتيجة طبيعية لغلطة عُمر ارتكبها جمال خاشقجي، بدخوله طواعية قنصلية بلاده لأمر كان من الممكن تأجيله أو حتى عدم القيام به، وهو ما أثار الكثير من الاستغراب والدهشة أن يتصرف رجل بحكمة وخبرة خاشقجي، ويقوم بعمل كان دون شك يدرك خطورة القيام بها، وهو يدرك تمام الإدراك أنه ضمن لائحة سوداء طويلة مطلوبة للسلطات في السعودية، وأن حياته لن تخلو من مفاجآت يتم أو تم الإعداد لها منذ خروجه سراً من البلاد، مثلما تم في سيناريوهات الأمراء الثلاثة، الذين لا أثر لهم حتى اليوم، وهو ما يخشى أن يتكرر مع جمال وغيره من السابقين واللاحقين!
ختام الحديث أن السعودية ستخرج خاسرة من هذا المشهد، بعد أن تواترت الأنباء حتى كتابة هذا المقال، أن خاشقجي بالفعل دخل القنصلية ولم يخرج منها، ما يفيد أنه تم احتجازه بقصد الترحيل أو التهديد أو لأي سبب كان، وهو أمر محرج للغاية لتركيا إن تجاهلت الأمر، وهي تحتضن الكثير من المخالفين لأنظمة حكم دولهم من المواطنين العرب، الذين وجدوا في تركيا ملاذاً آمناً. وتجاهل مثل هذا الحدث هو أمر مرعب مخيف لهم، ولا أظن أن يحدث مثل هذا الفعل من تركيا في عهد أردوغان.
لكن لماذا السعودية خاسرة في المشهد؟ لأنها إن أفرجت عن خاشقجي، بعد أن عرف العالم كله بنبأ احتجازه بالقنصلية، فكأنما اعترفت بمسألة الاحتجاز. وهو أمر معيب أن يحدث في دولة أجنبية تستضيف سفارتك وتثق في علاقاتك معها، ودليل كذلك على تعسف وقمع تقوم به الحكومة ضد مواطنيها أينما كانوا، وستزيد صورتها تشوهاً أكثر مما هي عليها الآن. وفي حال أنها لم تفرج عنه، فالأمر سيزداد سوءاً وقتامة، وستدخل السعودية في أزمة عميقة لا قرار لها مع تركيا، ولن تكون هادئة في كل الأحوال.. ما علينا الآن سوى الانتظار ومتابعة المشهد حتى النهاية.
المصدر: صحيفة الشرق القطرية