إن دخلتم لأي مكتب من مكاتب المحاماة الكُبرى في تل أبيب وطلبتم الحديث مع محام يُجيد اللغة العربية، فغالبًا لن تجدوا أحدًا بين مئات الموظفين في المكتب. فمثل العديد من المجالات في “اسرائيل” فإن تمثيل المجتمع العربي في شركات المحاماة الكبرى يكاد يكون معدومًا، كما جاء في تقرير على موقع ذا ماركر المتخصص في الشؤون الاقتصاديّة الإسرائيلية.
مؤخرًا، نشرت أيضًا صحيفة هآرتس أن عدد الطلاب العرب الذين استطاعوا النجاح في امتحان نقابة المحامين في خريف 2017 كان خُمس عدد الطلاب اليهود وفقط 7% من المتقدمين العرب نجحوا في الامتحان. وهذا ليس إلا تجسيدًا للإشكاليّات التي يُعاني منها طلبة الحقوق العرب في الجامعات الإسرائيلية.
هذه الحقائق وغيرها مثل رسالة من طالبة عربية في كليّة الحقوق في جامعة تل أبيب حول المشاكل التي تعانيها في دراستها، ساهمت في ظهور مُبادرة لدعم الطلبة العرب الذين يُعانون من مشاكل مع اللغة العبرية والتأقلم في كلية الحقوق الإسرائيلية، وهي مشاكل تحتاج الكثير من الدعم وتحتاج إلى مُبادرة تدعم الطلبة وتزيد أعدادهم كما وتتيح لهم الفرصة بالتخصص في مكاتب كُبرى وحتى في المحكمة العُليا.
بحسب “ذا ماركر”، ففي العام الأول لانطلاق المُبادرة (عام 2013) قفز عدد الطلبة العرب في كلية الحقوق من ثلّة قليلة بالكاد تصل إلى 15 شخص إلى حوالي 40 شخص في آخر ثلاثة أعوام وفي عام 2016 ازداد هذا العدد ليصل إلى 47 طالب وهو الرقم القياسي الذي لم تشهده كلية الحقوق في تل أبيب من قبل، كما أن عدد الطلبة في العام الأخير كان 43 طالبًا وهناك توقعات بازدياد أعداد الطلبة.
رغم كل التغيير فإن نسبة الطلبة العرب في الكلية لا تتلاءم من نسبة العرب في الدولة وتصل إلى 16% فقط بينما نسبة العرب في الدولة هي 20%
هذا الازدياد لم يكن بفضل ما يُسمى بـ”التفضيل المصحح” أو تسهيلات خاصّة من الجامعة لهؤلاء الطلبة العرب، بل إن الطلبة العرب يجب أن يحققوا نفس الشروط المطلوبة من الطالب اليهودي من حيث العلامات في امتحانات الثانوية وامتحانات القبول للجامعة “البسيخومتري”، إلا أن ما حصل – بحسب التقرير – هو أن الكثير من العرب مع “علامات ممتازة” قرروا التسجيل لكلية الحقوق، بالإضافة إلى أن مُبادرة دعم الطلبة العرب من قبل الجامعة ساهمت في التغيير، إلا أن هناك عوامل أخرى مثل اقبال المزيد من العرب على الدراسة الجامعية وهي وجود بيئة داعمة من قبل الطلبة العرب لزملائهم الجدد ساهمت في هذا التغيير.
رغم كل التغيير فإن نسبة الطلبة العرب في الكلية لا تتلاءم من نسبة العرب في الدولة وتصل إلى 16% فقط بينما نسبة العرب في الدولة هي 20%، إلا أن وجود هذه النسبة في جامعة تل أبيب هي مسألة تبعث على التفاؤل بالأخص لأن معظم من يتخرج من هذه الكلية التي تعتبر من أفضل كليات الحقوق في “إسرائيل” تتاح له الفرصة بالعمل في مكاتب محاماة مؤثرة على مستوى الدولة.
آلاء حاج يحيى وهي طالبة ماجستير في كلية الحقوق بجامعة تل أبيب، تدير برنامج دعم الطلبة العرب، أكدت أن “هذه المبادرة تهدف إلى مُساعدة الطلبة في مواجهة المصاعب التي تواجههم في التأقلم في الكلية، والتي تبدأ عادة من مشكلة التعامل مع مصاعب اللغة العبرية وتنتهي بكتابة أبحاث حقوقية بلغة مهنية عبريّة”. وتضيف آلاء أن طموحاتها من هذه المُبادرة لا تنتهي عند مشكلات اللغة ولكنها في الانخراط في فعاليات أكاديمية مثل المساهمة في المجلات العلمية الحقوقية التابعة للكلية، وهذه المسائل لا تساعد في الدراسة فقط بل تفتح أبواب وآفاق أوسع أمام الخريجين خلال بحثهم عن أماكن تخصص والانخراط في الحياة الأكاديمية.
تشير آلاء إلى أن لهذه المبادرة أثر مهم في صناعة التغيير، فالمجتمع العربي صغير وعندما يسمع عن نموذج حقق نجاحًا ما فإن هذا يؤثر على الطلبة ويجعلهم لا يترددون في دراسة ما يطمحون إليه
في عام 2015 وبفضل الدعم الذي قدمته المُبادرة للطلبة مثل المنح التعليمية ومساقات التقوية والجلسات الخاصة مع الطلبة وخدمات المساعدة في الانخراط بسوق العمل مثل المقابلات “التمثيلية”، كُلها ساعدت في عثور 23 طالب من أصل 25 طالب على مكان للتخصص. ولأول مرة استطاعت طالبة عربية أن تحظى بتخصص في المحكمة العُليا بدون “تفضيل مصحح”. كما استطاعت نسبة جيدة من الطلبة بالعثور على فرص في مكاتب محاماة مؤثرة. ولكن بلا شك أن هناك المزيد من الجهود التي لا بُد أن تبذل بالأخص أن تمثيل المجتمع العربي في النيابة العامة ليس كافيًا فمن أصل 950 نائب عام هناك 160 عربي فقط وهي نسبة 8.5 % فقط وهو ثُلث من نسبة المجتمع العربي.
تشير آلاء إلى أن لهذه المبادرة أثر مهم في صناعة التغيير، فالمجتمع العربي صغير وعندما يسمع عن نموذج حقق نجاحًا ما فإن هذا يؤثر على الطلبة ويجعلهم لا يترددون في دراسة ما يطمحون إليه، وهي تشير كذلك إلى أن الطلبة العرب في كلية الحقوق هم – بلا شك – من أنشط الطلبة سياسيًا في الكلية، ولا يترددون عن المشاركة في الأنشطة السياسية دخل حرم الجامعة ونسبة كبيرة منهم تشعر بأنها بدرجة ما مسؤولة عن المساهمة في النضال الوطني والسياسي، وتضيف أن اختيارهم بدراسة الحقوق هي خطوتهم الأولى في مقاومة الظلم واللامساواة في “إسرائيل”. ثم لا يلبث أكثرهم لاحقًا حتى يرى بعينه مدى صعوبة الانخراط في المجتمع الإسرائيلي ومدى التنازلات التي عليهم تقديمها من أجل ذلك، بالأخص وهم يدرسون عن قانون مثل قانون القومية.
وعن شعور الطالب العربي وهو يدرس عن قانون القومية اليهودية، أن قانون القومية يُشكك بقيم أساسية مثل المساواة والحريّة التي يتعلمون عنها في السنة الاولى. حين يرى الطالب أن هذا القانون يضر بحقه في المساواة فإنه يُدرك حينها مدى الفجوة الشاسعة بين ما يتم تدريسه له وبين الواقع الإسرائيلي وبالتالي تتولد أزمة تدفع جزء من الطلبة للمزيد من الرفض للمجتمع الإسرائيلي وهم يؤمنون أن الانخراط في هذا المجتمع هو مُجرد وهم، بينما ثلة أخرى تستمر في مُحاولات يائسة نحو الانخراط في مجتمع لا يقبلها أو أن اهتماماتهم تنحصر في المُحاولة في التركيز على تطوير أنفسهم وسيرتهم الذاتية بدلًا من الانخراط في النضال الوطني.