يعتبر الشباب العمود الرئيسي في المجتمع وطاقاته المتفجرة تشكل الركيزة الأساسية في بناء المجتمع ونهضة الأمم، وقد أولت الحضارات المختلفة الشباب اهتمامًا خاصًا، وكان لعنصر الشباب على مر العصور دوره الريادي في الدفاع عن الأمة ضد الأخطار المحدقة بها جنبًا إلى جنب مع دوره في البناء والتنمية والعمل الجماعي الذي يكرث المهارات كافة للنهضة بمجتمعه.
لكن حالة الشباب الآن بين جنبات الضياع والفشل نظرًا للأحوال التي تطرأ عليه بين الحين والآخر والحرب ومآسيها لها دور رئيسي في فشل المجتمع وانحداره، وبعد الاستقرار النسبي في ريف حلب الشمالي، افتتحت العديد من المعاهد المتخصصة في التعليم الشعبي للحد من انحدار المجتمع.
يتوجه أحمد حافظ 35 عامًا في الصباح إلى مركز التعليم الشعبي في المدينة التي يقيم بها، ويخضع في معهد التعليم الشعبي لدورات تدريبية في صناعة المعجنات والحلويات، يقول لـ”نون بوست”: “بدأت الدوام في معهد التعليم الشعبي منذ أشهر عندما تم افتتاحه من مكتب التربية في المجلس المحلي”.
مركز التعليم الشعبي في مدينة مارع
افتتحت التربية التركية بالتعاون مع مديرية التربية التابعة للمجلس المحلي في مدينة مارع مركزًا للتعليم الشعبي، كما شملت مراكز التعليم الشعبي ريفي حلب الشمالي والشرقي (درع الفرات)، بعدما تفاقمت أزمة البطالة في المنطقة نتيجة توقف المعامل والصناعة، إضافة إلى توقف عمل الكثير من الموظفين السابقين لدى الدولة.
وأضاف حافظ: “أعمل في محل لصنع الحلويات في المدينة منذ سنوات بعدما توقف عملي في أحد معامل صناعة الحلويات المشهورة بمدينة حلب قبل انطلاق الثورة، والآن أخضع لهذه الدورات التدريبية لأزيد من مهاراتي في صناعة المعجنات والحلويات”.
تقدم مراكز التعليم الشعبي تعليمًا خاصًا جديدًا من نوعه في المنطقة، يهتم بالمهن الشعبية المتنوعة الصغيرة والكبيرة، ومن بينها الخياطة وصناعة المعجنات والحلويات، وعدد من المهن التي تعين الأسر في المنطقة على فتح باب رزق يعينهم.
توقفت العديد من المشاريع والأعمال الصغيرة في المناطق المحررة نتيجة الحرب التي عاشتها لسنوات
وأوضح: “لدي عائلة مكونة من ستة أشخاص أعمل على إعالتهم، وفي الفترة الأخيرة وجدت صعوبة في البحث عن فرصة عمل تمكنني من ممارسة المهنة التي رافقتني منذ سنوات”، ويحاول أحمد أن يتقن طريقة صناعة الحلويات والمعجنات وهي الخطوة الأولى التي ستمكنه من افتتاح محله الصغير، ليتمكن من إعالة أسرته، وأشار: “بعد خضوعي للدورة التدريبية أستطيع إيجاد فرصة عمل أو افتتاح معملي الخاص في صناعة الحلويات والمعجنات، رغم وجود صعوبة بالغة في ذلك”.
توقفت العديد من المشاريع والأعمال الصغيرة في المناطق المحررة نتيجة الحرب التي عاشتها لسنوات، وكلما اشتدت الحرب في سوريا كبرت أزمة البطالة واتسعت معاناتها على الشباب، نظرًا لتدفق آلاف العوائل والأسر السورية من مناطق مختلفة إلى الشمال السوري، مما جعل فكرة إيجاد فرصة عمل أمر ليس بالسهولة التي يمكن أن تجدها في أي دولة أخرى، وإضافة إلى ذلك تردي منتجات المحاصيل الزراعية التي دمرت العديد من المشاريع الزراعية التي كانت تعيل عشرات الأسر.
دورة تركيب الطاقة الشمسية والصيانة الكهربائية
ماذا تقدم مراكز التعليم الشعبي؟
تهدف معاهد التعليم الشعبي في مناطق ريفي حلب الشمالي والشرقي، لتعليم الحرف والمهن الشعبية التي تمكن الشباب الناشئ من إيجاد فرصة عمل في المهنة التي يتقنها بعد خضوعه لاختبار فيها، وكذلك تقدم دورات محو الأمية.
التقى “نون بوست” مدير معهد التعليم الشعبي في مدينة مارع عاصم الصالح الذي قال: “تم افتتاح مركز التعليم الشعبي قبل عدة أشهر في مدينة مارع، والهدف منه تعليم جميع الشباب الذي يبحثون عن فرص عمل، ولا يمكنهم الخوض بها نظرًا لضعف خبرتهم في المجال المرغوب”.
يتضمن الجانب التعليمي محو الأمية واللغة التركية في مستواها الأول للمعلمين والمعلمات، أما الجانب الحرفي والمهني يتضمن التصميم الغرافيكي ومهارات إدارية
وأوضح: “يقدم المركز عدد من الدورات التعليمية التي تستهدف الأعمار كافة، ومن هذه الدورات التدريبية في المعهد جانب حرفي ومهني وآخر تعليمي”.
ويتضمن الجانب التعليمي محو الأمية واللغة التركية في مستواها الأول للمعلمين والمعلمات، أما الجانب الحرفي والمهني يتضمن التصميم الغرافيكي ومهارات إدارية، إضافة إلى تركيب الطاقة الشمسية والكهرباء المنزلية وصناعة الحلويات والمعجنات والخياطة وتصفيف الشعر الذي يستهدف السيدات اللاتي فقدن أزواجهن خلال الحرب أو بحاجة إلى العمل.
ويستهدف المركز كلا الجنسين من الذكور والإناث، وخلال عمله في الأشهر القليلة الماضية استقطب المركز 250 متدربًا من الذكور و300 متدربة من الإناث، وموزعين على كل الدورات المقدمة من مركز التعليم الشعبي.
التربية التركية تدعم مراكز التعليم الشعبي وتمنح المتخرجين شهادات
التربية التركية تدعم مراكز التعليم الشعبي وتقدم شهادات للمتخرجين
قدمت التربية التركية الكثير من الخدمات التعليمية في مناطق معركتي درع الفرات وغصن الزيتون بريف حلب، في خطوة منها لتأهيل الشباب في المنطقتين لسوق العمل وتمكينهم من إيجاد فرص بعد خضوعهم لدورات في معاهد التعليم الشعبي.
وقال الصالح لـ”نون بوست”: تدعم التربية التعليم التربوي في المنطقة، وإضافة إلى ذلك أنشأت مراكز للتعليم الشعبي في كل مركز مدينة في منطقة معركة درع الفرات”، وتتعامل التربية التركية مع المجلس المحلي ومكتبه التربوي في كل مدينة كممثل تعترف به بشكل رسمي، وعن طريقه تقدم جميع الخدمات والمشاريع في المنطقة.
تحاول تركيا تأمين مستلزمات الحياة اليومية للمناطق التي تدعمها في كل من درع الفرات وغصن الزيتون، ومن أهمها المشاريع التي تقدم دعمها عن طريق المجالس المحلية
وأوضح الصالح: يخضع المتقدم في نهاية الدورات التدريبية في مختلف المجالات لاختبار يمكنه من نيل شهادة مصدقة من التربية التركية والمجالس المحلية في المنطقة حال اجتيازه للاختبار في المجال المختص فيه، ويقوم على المركز عدد من المدرسين والمهندسين في مختلف المجالات المطلوبة يمكنهم تمكين الشباب، وإتاحة الفرصة لهم للإبداع في مهنتهم التي يرغبون بها.
ونوه الصالح أن المركز سيفتتح عددًا من الدورات التدريبية المهنية، ومن ضمنها دورات في تعليم الحلاقة الرجالية وكهرباء السيارات وصيانة الأجهزة المحمولة وتصليح الأدوات الكهربائية، فيما يواجه الشباب السوري في المناطق المحررة ضعف الإمكانات نظرًا لعدم وجود فرص عمل تعيل أسرهم وسط ضعف مادي يرافقهم في ظل الحرب الدائرة، ولعل معاهد التعليم الشعبي ستمكن الشباب من إيجاد فرص عمل تعينهم على مشاق الحياة في الوقت الحاليّ.
وتحاول تركيا تأمين مستلزمات الحياة اليومية للمناطق التي تدعمها في كل من درع الفرات وغصن الزيتون، ومن أهمها المشاريع التي تقدم دعمها عن طريق المجالس المحلية، وهذه المشاريع أسهمت بشكل كبير في تأمين فرص عمل للكثير من الشباب والشابات، لكن التضخم السكاني الكبير في الشهور الأخيرة أضعف سوق العمل.