في خطوة مفاجئة، قبلت السلطات المغربية المشاركة في اجتماع جنيف الذي دعا إليه المبعوث الشخصي الخاص للأمين العام للأمم المتحدة المكلف بملف الصحراء هورست كوهلر، بهدف استئناف المفاوضات مع جبهة البوليساريو بحضور كل من الجزائر وموريتانيا، عقب الرفض القاطع الذي سجلته المملكة في السابق ومطالبتها بضرورة إدراج الجارة الشرقية الجزائر كطرف مباشر في الملف لا مجرّد ملاحظ.
قبول المغرب، التوجه لهذه الجولة من المفاوضات رغم عدم الاستجابة لشروطه السابقة، اعتبره البعض رضوخًا من المملكة لضغوطات غربية وأممية مورست عليها، فيما اعتبره آخرون إستراتيجية مغربية لجلب الجزائر لطاولة المفاوضات مهما كانت الصفة التي تحملها.
الأطراف الأربع توافق
موافقة الحكومة المغربية على الدعوة الأممية جاءت على لسان الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالمجتمع المدني والعلاقات مع البرلمان، والناطق الرسمي باسم الحكومة مصطفى الخلفي، خلال مؤتمر صحفي عقده في رئاسة الحكومة مساء أول أمس الخميس.
وأعلن مصطفى الخلفي، أن المغرب قرر الاستجابة لدعوة تلقاها من المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، لمناقشة موضوع الصحراء في جنيف، المقرر إجراؤها في الأسابيع المقبلة، وقال الخلفي: “المغرب قرر الاستجابة لأن هذه الدعوة جاء فيها أنها وجهت إلى المغرب والجزائر وموريتانيا أيضًا”.
جاءت هذه الموافقة عقب قرار مماثل من جبهة البوليساريو التي تدعو لانفصال الصحراء عن المغرب، فيما لم تتلق الأمم المتحدة بعد ردًا من دول الجوار (موريتانيا والجزائر (تحتضن مخيمات الصحراويين ومؤسساتهم)، وسط أمل “غوتيريس” بأن تحضر دول الجوار إلى لقاء سويسرا “بحسن نية ودون شروط مسبقة”، وسبق أن حدّد هورست كوهلر الأطراف الأربع 20 من أكتوبر/تشرين الأول للرد على الدعوة، وحدد المبعوث موعد المباحثات يومي 4 و5 من ديسمبر/كانون الأول المقبل في جنيف.
منذ يونيو/حزيران 2007، أجرى المغرب وجبهة البوليساريو جولات عدة من المفاوضات، تعود آخرها إلى شهر مارس/آذار 2012
يسعى المبعوث الأممي الجديد للصحراء الغربية هورست كولر الذي تسلم منصبه في أغسطس/آب 2017، خلفًا لكريستوفر روس الذي قدم استقالته بعد مهمة استمرت ثماني سنوات، اتسمت بالتوتر بين المغرب والأمم المتحدة، إلى إحياء عملية السلام وإحياء الوساطة بين المملكة المغربية وجبهة البوليساريو والخروج من الطريق المسدود في هذا النزاع القديم.
ضغوطات كبيرة؟
قرار المغرب اعتبره البعض مفاجئًا، كون المملكة كانت ترفض إلى وقت قريب المشاركة في أي مفاوضات لا تكون فيها الجزائر طرفًا مباشرًا، فهي تعتبر الجزائر الطرف الأساسي في الأزمة وأي حلّ قادم سيكون معها لا مع غيرها.
ويقول بعض الخبراء إن هذه الموافقة جاءت نتيجة الضغوطات الممارسة ضدّ المملكة من قبيل تلويح الولايات المتحدة الأمريكية بفرض عقوبات إذا لم تتحرك الدولية لتحريك المياه الراكدة منذ ما يقارب عقدًا من الزمن، في حين ساندت روسيا خطوة المبعوث الأممي بفرض المفاوضات مطالبة هي الأخرى بضرورة إيجاد حل للملف.
وفي نهاية أغسطس/آب الماضي قال رودني هنتر المنسق السياسي لبعثة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة، في كلمة له أمام أعضاء مجلس الأمن الدولي، إن بلاده لا تستطيع تحت أي ظرف من الظروف، الاستمرار في دعم بعثات الأمم المتحدة لحفظ السلام التي توجد في مناطق النزاع لعشرات السنين دون تحقيق أي تقدم على أرض الواقع.
وأضاف الدبلوماسي الأمريكي أن هذه البعثات تدعم الوصول إلى حلول سياسية، ولكنها في واقع الأمر تعمل على إدامة الوضع القائم، وتابع، “سنواصل ممارسة الضغوط لمعرفة ما إذا كانت أطراف النزاع تعمل مع الأمم المتحدة في سبيل إحراز تقدم في المجال السياسي، وإذا لم تقم بذلك فإننا سنقوم بما تقوم به تلك البعثات، ومهما يكن الأمر فإننا لا نخدم الوسطاء في شيء حين نسمح بأن يكون الوضع القائم هو الغاية في حد ذاته”.
قال في كلمته: “يجب ألا نسمح للوساطة أن تعمينا عن حقائق ما يفعله الناس لبعضهم البعض على الأرض، نريد أن تحل النزاعات بطرق دبلوماسية، ولكن عندما لا يكون ذلك، يجب أن نتحلى بالشجاعة لقول ذلك وتقديم إجابات، هذه هي الطريقة التي نساعد بها الوسطاء”، وتابع “يجب على أطراف النزاع أن تعلم بأنه ستكون هناك عواقب إذا لم يلتزموا بالمحادثات”.
وتتسم المفاوضات بين الطرفين بالجمود، فمنذ يونيو/حزيران 2007، أجرى المغرب وجبهة البوليساريو جولات عدة من المفاوضات، تعود آخرها إلى شهر مارس/آذار 2012 في بلدة مانهاست (بالولايات المتحدة)، دون أن تتوج بنتائج تذكر، وبعد سنوات من الجمود، مدد مجلس الأمن حتى نهاية أبريل/نيسان 2018 مهمة قوات الأمم المتحدة (مينورسو) المكلفة خصوصًا بالإشراف على وقف إطلاق النار الموقع في 1991.
وتعتبر “الصحراء الغربية” الواقعة على الساحل الأطلسي، وفق الأمم المتحدة، أرضًا متنازعًا عليها بين المغرب وجبهة “البوليساريو”، يسيطر المغرب على 80% منها ويقوم بإدارتها بصفتها الأقاليم الجنوبية، بينما تشكل المنطقة الواقعة تحت سيطرة جبهة البوليساريو بين منطقة سيطرة المغرب وموريتانيا 20% من مساحة الصحراء الغربية، وأقيم في الثمانينيات “جدار دفاعي” كما تسميه السلطات المغربية يبلغ طوله 2700 كيلومتر، ويقسم المستعمرة السابقة من الشمال إلى الجنوب.
أدمنو: هذه الصفة يمكن أن تتحول من ملاحظ إلى مفاوض
صحيح أن شروط المملكة المغربية لم تتحقّق كلها، لكن موافقتها حضور هذه الجلسات لا يأتي في إطار ضغط مورس ضدها بل من صميم توجهها وسياساتها، وفقًا لأستاذ العلوم السياسية في جامعة محمد الخامس بالرباط المغربي عبد الحفيظ أدمنو.
وفي حديثه لنون بوست، قال أدمنو: ” الشروط لم تتحقق بعد لكن المنهجية تقتضي التفاوض مع المعنيين الأساسيين وهما الجزائر وموريتانيا، فهذه رغبة المغرب لأنه يعرف أن القرار في هذا الملف لدى قصر المرادية (مقر الحكومة الجزائرية) وليس في تيندوف (مقر البوليساريو)”.
وأوضح الأستاذ المغربي أن الجزائر التي كانت دائمًا ترفض الحضور في أي لقاء له علاقة بالصحراء، ستشارك في هذه الجلسات وستقدّم رأيها في الملف ويمكن أن تكون طرفًا في الحل وهو ما كان المغرب يؤكده سابقًا، فالمعني الأساسي بالمساعدة على إيجاد حل هي الجزائر بالدرجة الأولى ثم موريتانيا، وفق قوله.
تصرّ الجزائر على رفض إجراء مفاوضات مباشرة مع المغرب
رغم حضور الجزائر وموريتانيا كملاحظ وليس مفاوضًا، رأى أدمنو أن “هذا الأمر جيد فدخولهما بهذه الصفة مهمّ للمغرب من حيث درجة تأثيرهما حتى في مسار المفاوضات خاصة مع التحولات التي تعرفها القضية داخل الأمم المتحدة والتطورات الأخيرة في موقف الدول الكبرى وفي مقدمتها الولايات المتحدة التي أكدت دعمها الواضح لمقترح الحكم الذاتي”.
وأضاف “هذه الصفة يمكن أن تتحول من ملاحظ إلى مفاوض، وأن تكون الجزائر طرفًا في إيجاد أي تسوية وفق ما أكده الملك محمد السادس في خطاب ثورة الملك والشعب السنة الماضية عندما أكد أهمية الجزائر في الحل بل هي الحل كله، فهي حاملة المشروع فكريًا ودبلوماسيًا وماليًا وفوق ترابها”، وفق قوله.
ومن المنتظر أن يفتح التفاوض مع الجزائر الباب لأمور عديدة كانت عالقة فيما سبق، خاصة أن البوليساريو لا تملك قرارها بيدها، كما أن دعوة موريتانيا ستسهم في خطوة إيجابية تجاه حل القضية، ضمن الإطار الذي يضمن سيادة المغرب على الصحراء والنقاش بشأن مسألة الحكم الذاتي، وفق قول العديد من المحليين المغاربة.
أسليمي: هناك متغيرات يجب الانتباه إليها
رئيس المركز الأطلسي للدراسات الإستراتيجية والتحليل الأمني، عبد الرحيم المنار أسليمي أكّد وجود متغيرات في ملف الصحراء يجب الانتباه إليها، وقال في تصريح لنون بوست: “هذه التغييرات تتمثل أولاً، في طلب المبعوث الانضمام في جنيف لمائدة مستديرة للنقاش بشأن ملف الصحراء وليس مفاوضات”، كوهلر يدرك جيدًا صعوبة الذهاب مباشرة إلى مفاوضات، فاختيار المسؤول الأممي هذه الصيغة المتمثلة في مائدة مستديرة لا تعني بالضرورة أن الأطراف ستذهب بعد المائدة المستديرة إلى مفاوضات.
ثاني المتغيرات وفقًا لأسليمي تتمثّل في كون “رسالة كوهلر المتضمنة لدعوة مباشرة إلى الجزائر وتصريح غوتيريس بخصوص حضور الجزائر، يشيران بوضوح إلى تحول كبير في ملف الصحراء يتمثل في أنه بات ملفًا للمفاوضات المباشرة بين المغرب والجزائر وليس بين المغرب والبوليساريو، لذلك سيراقب كل المتتبعين كيف سيكون موقف الجزائر، وقد باتت الآن الطرف الأول المباشر في أي مفاوضات مقبلة بشأن ملف الصحراء”.
يرفض المغاربة المسّ بوحدة أراضيهم
أما فيما يخص المتغير الثالث فيتمثّل في أن “المغرب يذهب إلى جنيف بتوازنات جديدة تصب في صالحه منها قرارات مجلس الأمن التي تغيرت لغتها وباتت تشير إلى الواقعية في الحل، وهي إشارة مستمدة مما وصل إليه المبعوث الأممي السابق، فالسوم لما أشار إلى أن ما يطالب به البوليساريو والجزائر مستحيل، إضافة إلى التحولات التي جرت في مواقف العديد من القوى الدولية المؤثرة في الملف التي تشير إلى جدية وواقعية ومصداقية مقترح الحكم الذاتي”.
رابع المتغيرات التي يجب الانتباه إليها وفق الخبير المغربي يتمثّل في “معطى مخاطر التحالف الميداني والأيديولوجي بين حزب الله والبوليساريو والتحالف الجزائري الإيراني سيكون له تأثير في الملف، فالمعطيات الجيو أمنية تغيرت في المنطقة وسيكون لها تأثير على المائدة المستديرة للنقاش في جنيف وتأثير على أي مستقبل للمفاوضات مع الجزائر”.
لزرق: مصير القضية مرهون ببروز جيل جديد داخل النظام الجزائري متحرر من عقد الماضي
أمام هذه المتغيرات الجديدة يقول عبد الرحيم المنار أسليمي: “المغرب يذهب إلى جنيف دون ضغوطات وإنما يحضر إلى جنيف للنقاش مع الجزائر بشأن ملف الصحراء، وسيكون الوفد المغربي مكونًا من وزير الخارجية وممثلي الأقاليم الجنوبية المغربية رؤساء الجهات المنتخبين، والمغرب يحضر المائدة المستديرة بجنيف لمناقشة نقطة واحدة هي مقترح الحكم الذاتي المشار إليه في كل قرارات مجلس الأمن منذ سنة 2007”.
بدوره أوضح الخبير السياسي المغربي رشيد لزرق في تصريح لنون بوست أن “الجزائر طرف أساسي في هذا الصراع، لهذا فإن مجلس الأمن وفق قراره رقم 2414، المؤرخ 27 من أبريل/نيسان 2018، استحضر هذا المعطى من أجل حل النزاع حلاً سياسيًا عبر حرصه على دعوة الدول المجاورة خاصة الجزائر من أجل المساهمة في ايجاد حل سياسي متوافق بشأنه”.
منذ 1975 يسيطر المغرب على قسم كبير من الصحراء الغربية
أضاف الخبير المغربي، “مسألة الصحراء للمغرب مسألة وجود وليست مسألة حدود، لهذا فإنه لا يمكن للمغرب التنازل في المفاوضات عن سيادته على الأقاليم الجنوبية، لهذا يظل تطوير الحل المغربي القائم على منح الأقاليم الجنوبية حكامًا ذاتيًا موسعًا، والتفرغ للتنمية التي هي المطلب الحقيقي لكل الشعوب المغاربية”.
وأكّد رشيد أن “النظام الجزائري مدعو لاستحضار هذا المعطى، بعيدًا عن الحسابات الضيقة التي عطّلت مسيرة الديمقراطية والتنمية، وبعيدًا عن محاولة تصدير مشاكله الداخلية، فإطالة الصراع هو تضييع لإمكانات المنطق في الصراعات بدل توحيد الجهود لتحقيق التنمية الشاملة والتكامل الإقليمي”، مؤكّدًا أن مصير القضية مرهون ببروز جيل جديد داخل النظام الجزائري متحرر من عقد الماضي.
الجزائر ترفض مفاوضات مباشرة مع المغرب
هذا الإصرار المغربي على وجود الجزائر كطرف مباشر في أي مفاوضات، يقابله إصرار جزائري برفض إجراء مفاوضات مباشرة مع المغرب، وترى الجزائر أن النزاع يجب أن يحل بين الصحراويين والمغرب دون أن تستبعد “مواكبة” الطرفين في مباحثاتهما.
وأكد عبد القادر مساهل وزير خارجية الجزائر قبل أيام أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، أن الجزائر تعتبر أن حل النزاع في الصحراء الغربية “لا يمكن أن يتم إلا بممارسة شعب الصحراء الغربية لحقه غير القابل للتصرف أو التقادم، في تقرير المصير”.
كان رئيس الحكومة المغربية سعد الدين العثماني اعتبر الثلاثاء من المنبر ذاته أن الصحراء الغربية هي “مصدر عدم استقرار وعقبة أمام اندماج المغرب العربي”، وطلب من الجزائر “تحمل مسؤولياتها السياسية والتاريخية”، متهمًا إياها بأنها تقف وراء الأزمة.
ومنذ إعلان الملك الحسن الثاني عن “المسيرة الخضراء” في 16 من أكتوبر/تشرين الأول 1975 التي “أسفرت عن تحرير ولايات الجنوب”، يسيطر المغرب على قسم كبير من هذه المستعمرة الإسبانية السابقة التي تغطي منطقة صحراوية شاسعة تبلغ مساحتها 266 ألف كيلومتر مربع، مستندًا إلى رأي استشاري لمحكمة العدل الدولية أقر بوجود روابط قانونية وأواصر بيعة بين الملوك المغاربة وشيوخ الصحراء عبر تاريخ البلاد.
في مقابل ذلك تطالب جبهة البوليساريو، المدعومة من الجزائر، التي أعلنت قيام جمهورية عربية ديمقراطية، باستفتاء لتقرير المصير، ومنذ 2007، فيما تقترح الرباط منح الصحراء الغربية حكمًا ذاتيًا تحت سيادتها من أجل التوصل إلى حل للأزمة باعتبارها جزءًا لا يتجزأ من أراضيه.