ترجمة وتحرير نون بوست
انتشرت الميليشيات في جميع أنحاء ليبيا مقتطعة مساحات شاسعة من الأرض ومنفذة عددًا متزايدًا من الاغتيالات والهجمات. هذه معضلة حقيقية، والحل الذي اقترحته الولايات المتحدة وبدأت بالفعل في تنفيذه هو إدخال المزيد من الميليشيات والمجموعات المسلحة إلى ليبيا.
هل تدرب الولايات المتحدة جنودًا ليبيين في جزر الكناري؟ وإذا كانت الإجابة بلا، فهل تخطط واشنطن لذلك؟
كان هذا هو السؤال الذي سألته للمتحدث باسم القيادة الأمريكية في أفريقيا (أفريكوم)، وكان رده “إنني مندهش من ذكرك لهذا الأمر، أنا لم أسمع به من قبل، وأتساءل من أين سمعت ذلك”.
لقد تم ذكر هذه المهمة الغامضة على الأرخبيل الإسباني، بالقرب من الساحل الشمالي الغربي لأفريقيا خلال جلسة إحاطة رسمية قدمها رئيس آفريكوم “ديفيد رودريجيز” في خريف 2013، وفي الأشهر التي تلت ذلك، تم وضع الخطة على الرف بشكل دائم لصالح بعثة تدريبية نُفذت بكاملها في بلغاريا.
وثيقة الإحاطة تقول إن “الجيش الأمريكي يبحث عن حلول بسيطة لمشاكل شديدة التعقيد، وكذلك يطرح تساؤلات خطيرة حول الأساليب المتكررة التي تستخدمها الولايات المتحدة لوقف العنف، وعما إذا كانت هي السبب في إطلاق شرارة العنف بالمقام الأول”.
ساعدت الولايات المتحدة في الإطاحة بالديكتاتور الليبي معمر القذافي عبر الضربات الجوية والصاروخية ضد أهداف النظام وبالدعم اللوجستي وبالمراقبة لليبيا، لكن ليبيا انزلقت إلى فوضى متزايدة وانتشرت الميليشيات وبعضها ميليشيات جهادية في جميع أنحاء البلاد، والحل الذي تفتقت عنه أذهان الأمريكيين هو حقن البلاد بمجموعة مسلحة أخرى.
لقد صعدت الميليشيات في ليبيا بعد سقوط القذافي محاولة السيطرة على أكبر مدن ليبيا، محاولة ملء الفراغ الأمني بسبب انهيار النظام القديم، ومشكلة تحديًا حقيقيًا أمام الحكومة المركزية الجديدة.
في بنغازي وحدها، صعد عدد من تلك الميليشيات المسلحة، ويوم 11 سبتمبر 2012، شهدت تلك المدينة التي تُعتبر مهد الثورة الليبية، هجومًا على البعثة الأمريكية بالقرب من منشأة للمخابرات المركزية الأمريكية، أسفرت عن مقتل السفير الأمريكي وثلاثة آخرين. وخلال السنة التي تلت ذلك، تزايد تأثير الميليشيات على كامل التراب الليبي مترافقًا مع فوضى عارمة في معظم القطاعات.
في نوفمبر من عام 2013 قال قائل العمليات الخاصة الأمريكية “وليام مكرافن” في مكتبة رونالد ريغان الرئاسية “إن واشنطن ستساعد ليبيا عن طريق تدريب بين 5000-7000 جندي تقليدي، بالإضافة إلى قوات مكافحة الإرهاب هناك”، كما صرح “إننا سنمضي قدمًا لإيجاد وسيلة فعالة لبناء قوات ليبية لا يتم تشغيلها من قبل الميليشيات، وهناك بعض المخاطر في ذلك”.
بعد ذلك بقليل طلب رئيس الوزراء المخلوع مؤخرًا “علي زيدان” من الولايات المتحدة تدريب قوات الأمن في بلاده.
هذا التدريب، صرح مسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية أنه “سيبدأ في 2014 في بلغاريا وسيستمر لعدد من السنوات”.
وأينما كان مكان التدريب، فإن الولايات المتحدة وضعت خطة من أربعة مراحل “لبناء القطاع الأمني لليبيا بشكل كامل”، المراحل تبدأ مع وضع القواعد وبناء الاستراتيجية للقطاع الأمني الليبي، ثم تدريب قوات متعددة ليست فقط قوات الأمن الليبية، لكن قوات أخرى متخصصة في محاربة الإرهاب، والمرحلة الثالثة تشمل تطوير قدرات وزارات ليبيا المختلفة مثل وزارات العدل والدفاع والداخلية، وتعزيز جهاز التدريب الأمني، أما المرحلة الرابعة فإن الدور الأمريكي سيتراجع إلى المراقبة ودعم القوات المدربة من قبل الولايات المتحدة وحلفائها.
ربما لن تدرب القوات الأمريكية جنديًا ليبيًا واحدًا في جزر الكناري، لكن هناك خطة لإنشاء جماعة مسلحة على الأقل لحقنها في بحر ليبيا المضطرب بالفعل، وهذه الخطة تمضي قدمًا بالفعل.
لأكثر من عام ونصف العام، سيطرت الميليشيات على أكبر موانئ ليبيا، وقتلت ميليشيات أخرى متظاهرين عزل، وأفرغت بلدات كاملة من سكانها، ميليشيات أخرى تخصصت في الجريمة المنظمة وتهريب المخدرات والخطف والإتجار بالبشر. المسلحون كذلك قتلوا أجانب، استهدفوا مسيحيين مصريين، حاربوا قوات حكومية، هاجموا مؤسسات الدولة، واختطفوا رئيس الوزراء!
يتفق معظم الخبراء أن ليبيا بحاجة إلى تعزيز حكومتها المركزية، وضرورة تقديم مساعدة عاجلة لنظم العدالة والأمن، لكن تلك المساعدة غير معروفة المسار، وكيفية المساعدة تبقى غير واضحة.
إن الفشل في تخيل النتائج المترتبة على تدخل الولايات المتحدة المباشر في ليبيا لا يمكن إصلاحه، وهذا أدخل البلاد في دوامة من العنف أثرت على مصالح الولايات المتحدة بشكل مباشر. مخاطر التدخل في المرة الأولى لم تتوقف على ليبيا، بل ساعدت في زعزعة استقرار الدول المجاورة، وتعزيز قدرات الجماعات الإرهابية المحلية والمساعدة في انتشار الأسلحة التي غذت الصراعات الإقليمية القائمة في سوريا ومصر وغزة إلى الحد الذي جعل نائبة وزير الدفاع للشؤون الأفريقية “أماندا دوري” تعترف في مؤتمر صحفي مؤخرًا في البنتاغون أن “تداعيات الإطاحة بالقذافي كانت أسوأ مما توقعنا”.
قد لا تكون هناك دولة تعرف الحل الصحيح في ليبيا، لكن دولة واحدة أثبتت قدرة مخيفة على اتخاذ كل القرارات الخطأ، وسواء خارج طرابلس أو في بلغاريا أو في جزر الكناري، فإن هذه الدولة لا يجب أن تكون مسؤولة عن عملية حساسة مثل بناء قوة أمنية متماسكة في ليبيا المنقسمة، وحتى إذا كانت ستفعل، فهل الحل هو إنشاء قوة منفصلة مدربة بعيدًا عن الوطن من قبل الأجانب واستخلاصها من ميليشيات زعزعت استقرار ليبيا في المقام الأول؟!