“زيليس – أرزيلا – أصيلا” كلها أسماء تطلق على جوهرة الشمال المغربي التي ترصع ضفة المحيط الأطلسي، مدينة أصيلة إحدى أقدم المدن التاريخية العريقة في المملكة المغربية التي تبدو للناظر إليها من أول وهلة كأنها لوحة تشكيلية كبيرة متعددة الزوايا، مدينة جمعت بين التاريخ والفن والطبيعة الغراء وأخلاق أهلها العالية، فكانت بمثابة ملتقى الحضارات التي يجد فيها الزائر ضالته.
مدينة أصيلة
على بعد نحو 40 كيلومترًا جنوب مدينة طنجة أقصى شمال المغرب، تستقبلك مدينة أصيلة التي يعود تاريخ نشأتها إلى أكثر من ألفي سنة، ويقول مؤرخون إنها استقبلت أفواجًا من الفينيقيين والقرطاجيين، قبل أن تعيش تاريخًا رومانيًا باسم “زيليس” الذي يرجح جل الدارسين أنه أصل اشتق منه الاسم الحاليّ للمدينة.
تشتهر أصيلة بشواطئ طويلة من الرمال الذهبية الناعمة
يتوافد الزوار على مدينة أصيلة من كل حدب وصوب، إذ يزورها المغاربة من باقي مدن البلاد، كما يتوافد عليها الزوار الأجانب لاستنشاق هوائها النقي والاستمتاع بسكينتها وهدوئها وجمال طبيعتها الأخاذة، فمؤهلات المدينة السياحية تشكل عامل جذب رئيسيًا للسياح من داخل وخارج أرض الوطن.
تقع المدينة على ساحل المحيط الأطلسي، في امتداد غني بالنقاط الشاطئية التي تحلو فيها السياحة الشاطئية، وتعد شواطئ المدينة التي تمتد على طول 17 كيلومترًا من أهم وسائل الجذب السياحي، حيث تستقطب هذه الشواطئ آلاف المصطافين سنويًا من داخل المغرب وشبه الجزيرة الإيبيرية بشكل خاص.
يسحر جمال المدينة كل ناظر إليها
تشتهر أصيلة بشواطئ طويلة من الرمال الذهبية الناعمة، على غرار شاطئ برادايس الذي يعد أحد الشواطئ الساحرة في المغرب العربي، ويقع في المنطقة الجنوبية من مدينة أصيلة حيث الرمال والشمس الذهبية والبحر الأزرق، ويعتبر شاطئًا مثاليًا للاستجمام والاسترخاء.
نجد أيضا شاطئ الرميلات الذي يزوره السياح للاستمتاع بأقنعة الصلصال الأخضر المفيدة لبشرة الوجه، إذ يحتوي هذا الشاطئ على كميات كبيرة من هذه المادة الطبيعية، وغير بعيد عنه يوجد أحد أهم المنتجعات السياحية بالمدينة مارينا غولف وشاطئ سيدي مغايت الذي يقع على بعد 4 كيلومترات من المدينة، جهة مدينة العرائش.
حدائق غناء تحتفي بذاكرة أعلام الثقافة
إذا حللت بمدينة أصيلة عليك أن تزور حدائقها الغناء التي حملت أسماء عدد من رموز الثقافة والإبداع الأدبي في المغرب والعالم العربي وإفريقيا، الذين اعتادوا زيارتها منذ 1978، تاريخ انطلاق فعاليات موسمها الثقافي الدولي.
ما يميز المدينة أن أغلب الجداريات داخلها مهيأة بشكل جيد للرسم عليها
في هذه الحدائق العمومية التي تتوسط المدينة وأنجزت بكيفية متقنة تدل على رؤية فنية راقية، لك أن تحظى بلحظات من الهدوء والراحة وسط عبير زهر ونبات موزع على جنباتها بعناية كبيرة وأشكال هندسية غاية في الروعة، ومدرجات وأحواض مائية زادتها أناقة وجمال.
ضمن هذه الحدائق نجد حديقة المفكر الفيلسوف المغربي محمد عابد الجابري، وحديقة الروائي السوداني الطيب صالح، والشاعر الفلسطيني محمود درويش، وحديقة الشاعر الكونغولي تشيكايا أوتامسي الذي ظل منذ لحظة حلوله بهذه المدينة سنة 1981 هائمًا في عشقه وحبه لها، وغيرهم.
جداريات تجمع فناني العالم
إن كنت من هواة الثقافة والفن، لك أن تزور المدينة في شهر يوليو/تموز خلال فعاليات الموسم الثقافي للمدينة، خلاله تتزين جدران أصيلة بألوان متجددة وتصورات جمالية مختلفة وتواقيع فنانين عالميين ومحليين تعطي المدينة فرصة تجديد نفسها.
في تلك الفترة تحتضن جدران المدينة أكبر معرض فني مفتوح في البلاد، حيث تنسجم ألوان اللوحات المتناثرة مع لون البياض والزرقة اللذين يميزان المدينة، ولك أن تشاهد طوال أيام المهرجان عشرات الفنانين من مختلف الدول والمدارس الفنية الذين يعرضون فنهم، سواء داخل رواق مركز الحسن الثاني للملتقيات الدولية أم من خلال لوحات تشكيلية على الجدران الخارجية للمدينة العتيقة ومنازلها.
تحتضن المدينة سنويًا مهرجانًا تتحول فيه جدران المنازل إلى لوحات فنية
ما يميز المدينة أن أغلب الجداريات داخلها مهيأة بشكل جيد للرسم عليها، بحيث تمنح الفنان منصة تواصلية يضيف إليها نقشات ريشته حتى تخرج لوحة فنية متناسقة ومعبرة، تتجدد خلال السنة المقبلة في أثناء فعاليات الموسم الثقافي للمدينة.
منازل بيضاء ذات نوافذ زرقاء
إلى جانب تنافس السكان على إيجاد جداريات تتأقلم مع ما يريد الفنانون، يتنافس أهالي المدينة أيضًا على تزيين عتبة المنزل بتشكيلة من النباتات المزدانة بالألوان وتبييض منازلهم باللون الأبيض فيما تُمنح النوافذ اللون الأزرق.
وكانت جوهرة الشمال المغربي قد حصلت على جائزة “آغا خان” لفن العمارة، إذ إن أزقتها التي رُممت وتصطف فيها منازل بيضاء ذات نوافذ خضراء أو زرقاء تعتبر من نقاط تميز المدينة، فكل من زارها يؤكد أن المدينة تستمد بعض سحرها من دروبها الضيقة وأزقتها الجميلة وبيوتها المتراصة وشرفاتها الأندلسية الرائعة.
معالم تاريخية
يضاف لكل المزايا التي أتينا على ذكرها، المعالم التاريخية والعمرانية الكثيرة التي تزخر بها مدينة أصيلة، التي تعزز هويتها كمركز ثقافي وتراثي، في مقدمتها برج “القمرة” ومركز المراقبة على المحيط الذي تفيد المصادر التاريخية أن ملك البرتغال دون سيباستيان انطلق منه لخوض معركة وادي المخازن، حيث هُزمت جيوشه على يد الملك السعدي أحمد المنصور.
تتخلل أسوار المدينة العتيقة عدة أبواب
ويعتبر” برج القمرة” المكان التاريخي الذي قضى فيه الملك “دون سيباستيان” ليلته الأخيرة قبل أن يقود جيوشه لمعركة وادي المخازن أو معركة الملوك الثلاثة، التي جمعت بين الملكين السعديين المتنازعين على الحكم عبد المالك السعدي وابن عمه المتوكل والمتحالف مع الملك البرتغالي “سيباستيان”، حيث لقي الثلاثة مصرعهم في هذه المعركة.
وفي أقصى زاوية للمدينة على البحر، ينتصب قصر الريسوني الفخم والحصين الذي يعد من أهم المعالم السياحية في المدينة، الذي تحول فيما بعد لما يسمى بقصر الثقافة، فهو يعبر بنقوشه ومعماره عن الطابع الإسلامي الأصيل، وقد شيد القصر القائد أحمد الريسوني بداية القرن الـ20، وأعيد ترميمه من مؤسسة منتدى أصيلة ليصبح معلمًا بارزًا يحتضن تظاهرات ثقافية وفنية.
زخرفة برج القمرة
يتميز هذا القصر بالسقوف الرائعة والأعمدة الرخامية، كما يشكل الفناء الذي يتوسطه محورًا مركزيًا للبناية، حيث ينفتح على فضاء مريح يتحول في نفس الوقت إلى مصدر إضاءة بالنسبة لباقي مرافق البناية، وينفتح الفناء على صالات مزينة بالزليج الذي يتناسق مع سقف مزين بخشب منقوش وفق تقاليد الصنعة والمعمار التقليدي المغربي الأندلسي.
وتتخلل أسوار المدينة العتيقة عدة أبواب هي باب البحر وباب السوق وباب القريقة وباب الحومر وباب القصبة، تؤدي جميعها إلى عدة ساحات مشهورة هي ساحة القمرة وساحة الطيقان، كما تشتهر المدينة ببرج القريقة المطل على المحيط، ويتيح فرصة مشاهدة غروب الشمس في مشهد لا يغيب عن أذهان كل من عاش اللحظة.
هذا بعض ما تتميز به جوهرة المحيط الأطلسي مدينة أصيلة المغربية، ذات السحر الأخاذ والجمال الكبير والمعمار البهي والتاريخ العظيم والفن البديع التي ينصح الجميع بزيارتها للتمتع بسحرها عن كثب، فالكلمات لن تفي حقها.