منذ يوم الثلاثاء 2 من أكتوبر/تشرين الأول 2018، والصحفي السعودي جمال خاشقجي متواري عن الأنظار، مختفيًا أو مخفيًا، وسط غموض غير مفهوم في الإجراءات الأمنية والدبلوماسية للسلطات التركية، وفيما أذاعت عدد من وسائل الإعلام خبر “مقتله بتقطيع جثته إربًا إربًا”، ما زالت السلطات التركية، بما يشمل الرئيس رجب طيب أردوغان، تشير إلى ضرورة عدم الاستعجال وانتظار نتائج التحقيقات الأمنية.
وفي ظل استمرار اختفاء أثر خاشقجي، تبقى عدة تساؤلات تدور حول الأزمة: ما الذي حدث بالضبط في القضية؟ هل يؤدي ذلك لأزمة حقيقية بين السعودية وتركيا؟ ما خطوات تعاطي تركيا مع الأزمة؟
سرد كرونولوجي للأزمة
ـ الثلاثاء 2 من أكتوبر/تشرين الأول 2018: أشاعت وسائل الإعلام التركية والعربية، وقت الظهيرة، خبر اختفاء المستشار الملكي السعودي السابق جمال خاشقجي، داخل القنصلية السعودية بحسب ما صرحت به خطيبته لقناة “تي آر تي” التركية، ووفقًا لرواية خطيبته أيضًا، فإن القنصلية أخبرتها أنه غادر القنصلية عند الساعة الواحدة ظهرًا.
ـ في اليوم التالي الأربعاء 3 من أكتوبر/تشرين الأول 2018: أشار المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن، إلى أن المعلومات الأمنية تفيد بأن خاشقجي ما زال داخل القنصلية، وفي ذات اليوم، الأربعاء، عملت السلطات التركية على استدعاء السفير السعودي لدى أنقرة، للاستفسار منه عن الحادث، وهو الأمر الذي واجهته المملكة “بندية” ظهرت باستدعاء الخارجية السعودية السفير التركي لديها بعد “سويعات” من استدعاء سفيرها في أنقرة من السلطات التركية.
مجريات القضية إلى الآن، تظهر عدم وجود دليل فعلي ملموس على تورط القنصلية السعودية باختطاف أو اغتيال خاشقجي، لذا إلى الآن تُظهر الجمهورية التركية نوعًا من الاتزان من موقفها حيال القضية
ـ الخميس 4 من أكتوبر/تشرين الأول 2018: أصدرت القنصلية السعودية في إسطنبول بيانًا نشرته وكالة الأنباء السعودية “واس”، أشار إلى أنها تتابع قضية “اختفاء خاشقجي”، مؤكدةً مغادرة خاشقجي مقرها.
ـ الجمعة 5 من أكتوبر/تشرين الأول 2018: في إشارةٍ لاستمرار القضية في إطار المستوى التقني بين وزارتي خارجية البلدين، صرح ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، بأن خاشقجي ليس في السفارة، مبينًا أنه يمكن السماح للسلطات التركية بالدخول إلى القنصلية.
ـ السبت 6 من أكتوبر/تشرين الأول 2018: فتحت نيابة إسطنبول، السبت، تحقيقًا في الأمر، كما أشارت رويترز، مساء ذات اليوم، إلى أن الشرطة التركية تعتقد أن خاشقجي قتل في القنصلية السعودية، واختتم الأمر بإشارة الناطق الرسمي باسم حزب العدالة والتنمية التركي عمر جيليك، إلى أن السلطات التركية ستكشف الجهة المسؤولة قريبًا.
ـ الأحد 7 من أكتوبر/تشرين الأول 2018: علّق الرئيس أردوغان، لأول مرة على القضية، مشيرًا إلى أن السلطات التركية ستعلن النتائج للعالم مهما كانت، مضيفًا أنه ما زال لتركيا “توقعات إيجابية” بشأن القضية، وفي ذات اليوم، نفت القنصلية النبأ الذي أوردته وكالة رويترز عن مقتل خاشقجي داخل السفارة، أيضًا، وصل وفد أمني سعودي للتحقيق في قضية اختفاء الصحفي، وغادر القنصلية بعد ساعتين من دخولها دون الإدلاء بأي تصريحات.
هل يؤدي ذلك إلى أزمة بين الطرفين؟
مجريات القضية إلى الآن، تُظهر عدم وجود دليل فعلي ملموس على تورط القنصلية السعودية باختطاف أو اغتيال خاشقجي، لذا إلى الآن تُظهر الجمهورية التركية نوعًا من الاتزان من موقفها حيال القضية.
وفي هذا الإطار يذكر أن القنصلية السعودية تتمتع بحصانة دبلوماسية مؤسسية تكتسبها من اتفاقية فيينا للشؤون القنصلية الموقعة عام 1963، وهذا يمنع السلطات التركية من اتخاذ إجراءات أمنية موسعة، لكن يمكن لتركيا أن تتجه على صعيد دبلوماسي، إلى إجراء تفاوض أو تشاور على صعيد تقني يحوي الأمر بأقل إحراج دبلوماسي، إذ تمس القضية، في حال ثبت فعلًا اعتقال خاشقجي في السفارة، بهيبتها الدبلوماسية أمام النخبة العربية الموجودة على أراضيها.
يشوب القضية الكثير من التعقيدات، انطلاقًا من تداخل سيادة البلدين في القضية
وفي حال ثبت تورط السلطات السعودية في اختطاف أو إخفاء خاشقجي، وفي حال فشل التفاوض التقني، فإن الأمر سينتقل إلى المستوى الدبلوماسي الرفيع، وهذا ما يعني ميلاد إرهاصات أزمة دبلوماسية، قد تشمل مطالبة تركيا بإغلاق القنصلية والاتجاه نحو تخفيض التمثيل الدبلوماسي.
وفي الغالب، تتأرجح الأزمة الدبلوماسية لتكون جزئية، وسرعان ما يتم استيعابها، نظرًا لترابط العلاقات الأمنية والسياسية والاقتصادية بين الطرفين، لا سيما في ظل الأزمات التي تمر بها تركيا، وبالأخص فيما يتعلق بالقضية السورية، حيث تخشى تركيا من التصعيد مع السعودية، مخافة إقدام الأخيرة على التصعيد ضدها بتقديم دعمها لأكراد سوريا، أو من خلال مجارة الخطط الأمريكية في تأسيس كيان إداري فيدرالي في شمال شرقي سوريا، فضلًا عن رغبة تركيا في عدم إثارة سخط المملكة التي يتوقع أن يكون لها دور ملموس في عملية إعادة إعمار سوريا، عوضًا عن إمكانية رفض المملكة العربية السعودية لأي اتهامات تركية، نظرًا لأن القنصلية تعني سيادتها، ولا يجوز لأحد التدخل في شؤونها الداخلية، إضافةً إلى حاجة تركيا لاستقرار اقتصادي مع دول المنطقة، في ظل حالة التدهور الاقتصادي التي يشهدها اقتصادها.
لكن في حال لم يتم استيعاب الأزمة على النحو المذكور، يمكن أن تنقل تركيا القضية إلى أروقة الأمم المتحدة أو المحاكم الدولية، ويبدو أن سيناريو الاحتواء والاستيعاب هو الأكثر رجوحًا.
في الختام، يشوب القضية الكثير من التعقيدات، انطلاقًا من تداخل سيادة البلدين في القضية، لكن يبدو في جميع الأحوال أن الضغوط الأمنية والسياسية والاقتصادية الواقعة على تركيا في الفترة الحاليّة، قد تؤدي إلى اضطرار تركيا لاستيعاب الأزمة واحتوائها، ويبقى التحليل مرتبطًا بانتظار دليل واحد يثبت تورط القنصلية السعودية فعلًا في إخفاء خاشقجي.