بعد سنوات من الهروب والوعيد، سقط هشام عشماوي، ضابط الصاعقة المصري الذي تحول إلى أحد أخطر القيادات السلفية الجهادية المطلوبة للسلطات المصرية، بعد عملية أمنية نفذتها قوات المشير خليفة حفتر في مدينة درنة الليبية.
سقوط عشماوي في يد القوات الليبية الموالية للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ليست مجرد خبر عادي مر مرور الكرام، بل تصدر الخبر اهتمامات وسائل الإعلام العربية والدولية، لما يمثله القيادي الجهادي من أهمية بالغة وصيد ثمين خاصة للنظام المصري الذي يقود حربًا مفتوحة ضد الجماعات والخلايا الجهادية النائمة الموجودة في مناطق متفرقة من البلاد.
عشماوي، ليس مجرد قيادي عادي بإحدى الجماعات الجهادية المغمورة التي سبق أن توعدت النظام المصري بهجمات دامية ثأرية، بقدر ما هو صندوق أسود يحوي عديد من الأسرار والخفايا التي سيكون كشفها هدية ثمينة للنظام المصري العاجز إلى حد اللحظة عن “تطهير” البلاد من الإرهاب رغم سنوات من الحرب المفتوحة باستخدام القوة الغاشمة.
رغم الهالة الإعلامية المحيطة به والاتهامات الخطيرة الموجهة إليه، فإن المتأمل في مسيرة هشام عشماوي، يكتشف منذ الوهلة الأولى أن الرجل تم تضخيمه إعلاميًا أكثر من أي شيء آخر، فهذا السقوط السهل -بحسب رأيي- لأحد أبرز المطلوبين الأمنيين يشير إلى أن الصورة التي روجتها وسائل الإعلام المصرية عن عشماوي وجماعة “المرابطون” التي أسسها، كانت مغايرة تمامًا للواقع.
منذ إعلان تأسيس جماعة “المرابطون” أواسط العام 2015، انتقل عشماوي ورفاقه من مرحلة العمل “الدولاوي” إلى “القاعدي”
في عُرف الجهاديين، يُعتبر السقوط السهل لقياديي الصف الأول دليلاً على ضعف الجانب الأمني والاستخباري عندهم، وقد ينطبق الأمر على هشام عشماوي الذي لم ينجح في الهروب من النظام المصري أكثر من 5 سنوات، سقط على إثرها فريسة سهلة عند القوات الموالية للمشير الليبي خليفة حفتر في مدينة درنة واحدة من المدن التي ينشط فيها تنظيم القاعدة بصورة مكثفة.
منذ إعلان تأسيس جماعة “المرابطون” أواسط العام 2015، انتقل عشماوي ورفاقه من مرحلة العمل “الدولاوي” إلى “القاعدي”، لكن هذا التحول على مستوى البيعات، لم يصاحبه “إنجازات” تذكر على المستوى العملياتي، فالجماعة الجهادية التي أعلنت بيعتها لتنظيم القاعدة متأسية بنهج “المرابطون” بمنطقة الصحراء الإفريقية، عجزت عن منافسة “ولاية سيناء” عملياتيًا، كمًا وكيفًا.
قبل مبايعته لتنظيم القاعدة، كان ضابط الصاعقة المصري السابق، أحد القياديين البارزين بأنصار بيت المقدس، ليصبح على إثر انشقاقه أحد أبرز المطلوبين له على خلفية دعوته للانشقاق عنه ومبايعة تنظيم القاعدة في مرحلة أولى، والانتقال لقتاله في درنة والوقوف صفًا واحدًا مع مجلس مجاهدي درنة في حربه ضد الفرع الليبي لتنظيم الدولة الإسلامية.
مثل سقوط عشماوي بيد القوات الموالية لحفتر، ضربة قاصمة لتنظيم القاعدة وجماعة “المرابطون” التي لا تكاد تجد لها وجودًا على أرض الواقع، خاصة بعد تصفية ساعديه عمر رفاعي سرور، في 10 من يونيو الماضي في درنة، وعماد الدين عبد الحميد الذي لقي مصرعه في أثناء هجوم الواحات البحرية في أكتوبر 2017، مما يثير عديد من نقاط الاستفهام عن الصورة التي لطالما سوقها الإعلام المصري عن أحد أخطر المطلوبين الأمنيين في مصر.
عشماوي الذي يقبع الآن في أحد سجون حفتر، سيكون كنزًا ثمينًا من المعلومات التي قد تساعد في القضاء على ما تبقى من خلايا القاعدة في ليبيا ومصر
بعد أكثر من 5 سنوات من الحرب المشتعلة في ليبيا، أصبح تنظيم القاعدة منهارًا ومتقهقرًا وغير قادر على الوقوف بفعل قوة الضربات التي تلقاها من خصومه على الأرض، فإما اختطاف وتصفيات لأبرز قيادييه من القوات الخاصة الأمريكية، وإما اعتقال وتصفية لمن تبقى منهم يخطط ويقاتل على الأرض، من طرف قوات حفتر أو قوات حكومة الوفاق الوطني.
خلال العام الأخير، تحول تنظيم القاعدة في ليبيا من مرحلة الهجوم ومحاولة انتزاع مناطق جديدة إلى مرحلة البحث عن مخابئ آمنة ومعسكرات في مناطق نائية بعيدة عن أعين المخبرين والطائرات دون طيار، بعد أن خسر عشرات قياديي الصف الأول في معاركه مع مختلف أطراف الصراع في ليبيا، حتى إن البعض أصبح يتحدث اليوم عن اقتراب اجتثاث تنظيم القاعدة هناك، الأمر الذي سيستغله المشير خليفة حفتر في ترويج صورته على أنه المحارب الأول للإرهاب في القارة الإفريقية.
من المؤكد أن عشماوي الذي يقبع الآن في أحد سجون حفتر، سيكون كنزًا ثمينًا من المعلومات التي قد تساعد في القضاء على ما تبقى من خلايا القاعدة في ليبيا ومصر، ولكن ذلك يبدو أمرًا صعب الحدوث في وقت يعلم فيه المتابعون لشؤون الجماعات الجهادية أن الجهاديين لطالما غيروا خططهم العملياتية وتخلصوا من كثير من أسرارهم التنظيمية التي لم تعد بيد شخص واحد، خلال السنوات الأخيرة، وهو ما يفسر سبب صمودهم إلى حد اللحظة رغم تصفية واعتقال عشرات القياديين منهم.