تعتبر المدارس الأهلية في العراق من الظواهر التي انتشرت في الآونة الأخيرة، حيث أصبحت إعلانات المدارس الأهلية على أرصفة الشوارع بصورة ملفتةٍ للغاية، وأصبح إقبال الناس عليها يتوسع بشكل كبير بعد اكتظاظ الطلبة في المدارس الحكومية، خصيصًا بعد أحداث تنظيم “داعش” في السنوات الأخيرة، مما اضطر كثير من الأهالي إلى إرسال أولادهم إليها، لتصبح ملجأً لكثير من الخريجين المعلمين، للحصول على وظيفة فيها، بعد انقطاع الأمل من المدارس الحكومية.
لماذا المدارس الأهلية؟
يلجأ كثيرٌ من الأهالي في العراق وخصوصًا أصحاب الدخل الجيد إلى إرسال أبنائهم للمدارس الأهلية، وذلك لما تمتاز به من خدمات متعددة، وفي هذا السياق يقول الأستاذ عبد الخالق ذنون مدير ثانوية الموهوبين في الموصل: “قلة عدد الطلبة في الصف الواحد، في المدارس الأهلية يقوم المدرس بواجبه برغبة وأمانة وإخلاص، وكذلك ارتباط الإدارة والمدرسين مع الطلبة وأولياء الأمور بعلاقة أساسها الاحترام المتبادل والمودة”.
وأوضح ذنون أن بعض الأهالي يلجأون إلى قسم من المدارس الأهلية التي يضمن فيها الطالب النجاح وخاصة في الصفوف غير المنتهية، وأفاد ذنون أن المدارس الأهلية الملتزمة تتابع المستوى الدراسي والعلمي لطلابها، واستدعاء أولياء أمور الطلبة المقصرين في متابعة دروسهم، وكذلك تستخدم بعض المدارس الأهلية المواد غير الدراسية لتنمية مهارات الطلبة والارتقاء بشخصياتهم في مجابهة الحياة، بالإضافة لاستخدامها لطرق التدريس الحديث والوسائل التعليمية المتطورة.
ويفضل كثيرٌ من الأهالي التوجه إلى المدارس الأهلية لأنها تغنيهم عن المدرس الخصوصي وكذلك نسب النجاح الكبيرة في المرحلة المنتهية يعتبر عامل قوة للمدرسة، وفي هذا السياق يتحدث مؤسس مدرسة الأمل في الأعظمية، الأستاذ عبد الستار عبد الجبار موضحًا أن إقبال الطلبة على المدرسة الأهلية يزداد سنويًا بسبب ما تمتلكه من موارد بشرية تصقل مواهب الطالب وتؤهله للمراحل المنتهية دون الحاجة إلى التدريس الخصوصي.
تعد مشاكل التعليم في العراق من المشاكل الرئيسية في البلاد
يقول الأستاذ ناهض الرمضاني مؤسس لمجموعة مدارس أهلية داخل وخارج العراق إن الناس يرغبون بإرسال أولادهم إلى المدارس الأهلية لسببين: أولهما: عامة الناس حينما لا يجدون مدارس حكومية جيدة، فإنهم يضطرون للجوء إلى المدارس الأهلية، رغم أنها بأجور في مقابل تعليم مجاني، يُفترض أن توفره الدولة لكل طفلٍ عراقي، فهو خيارٌ ليس متاحًا للجميع، وبفعل الضرورة يذهب الناس إلى هذا الخيار الذي قد يكلف بعض العوائل المتوسطة وقليلة الدخل مبالغ تُرهِقُ ميزانياتهم.
وأوضح الرمضاني أن هناك طبقةٌ أخرى من الناس تفضل أن يذهب أبناؤهم إلى مدارس خاصة، أملًا في تعليم أرقى، وهناك طبقةٌ مظهرية تفعل ذلك بدافع حب التباهي أو الظهور، وهذا قليلٌ في مجتمعاتنا، ولكنه موجود في مجتمعات أخرى، يدفع فيها الآباء مبالغ طائلة لتسجيل أبنائهم في الحضانة مثلًا.
هل عالجت المدارس الأهلية مشكلة التعليم؟
تعد مشاكل التعليم في العراق من المشاكل الرئيسية في البلاد وعلى مدار الحكومات لم تحل أزمة التعليم بل أصبح في تراجع مستمر، فالتعليم الذي كان في الثمانين مختلفًا تمامًا عن التعليم بعد الألفين، وهكذا استمر التعليم في تدهوره إلى يومنا هذا، ولكن يبقى التساؤل: هل ساهمت المدارس الأهلية في حل مشكلة التعليم، من حيث جودة المحتوى والتعامل الإنساني؟ يجيبنا الأستاذ عبد الخالق ذنون مدير ثانوية الموهوبين قائلًا: “نعم عالجت المدارس الأهلية جزء من مشكلة التعليم، فحقيقة تعتمد المدارس الأهلية بشكل عام على المدرسين الأكفاء ذوي الخبرة الذين تتوفر فيهم الرغبة، ويقبلون على التدريس بشغف وجد واجتهاد، مع سعيهم للارتقاء بالمستوى العلمي للطلبة وهي أشبه ما تكون بالدروس الخصوصية”.
وأضاف ذنون: “ساهمت المدارس الأهلية في التخفيف من التكتل الحاصل في المدارس الحكومية من ناحية أعداد الطلبة، وكذلك أوجدت نوعًا من المنافسة والتحدي للمدارس الحكومية، التي أخذ بعضها يستعيد موضعه التربوي والتعليمي”.
يشكو كثير من التربويين من المدارس الأهلية كونها ساهمت بوجود مشاكل وآثار سلبية على المدارس الحكومية، وساهمت بتكريس طبقية التعليم، واستقطبت المدرسين أصحاب الكفاءة من المدارس الحكومية
وأفاد الأستاذ ناهض الرمضاني قائلاً: “في الحقيقة يجب ألا نطلب من المدارس الأهلية بإمكاناتها المتواضعة جدًا، قياسًا بإمكانات الدولة، فلا تستطيع هذه المدارس أن تعالج مشكلة التعليم، ولكن في المقابل بإمكانها أن تخلق أنموذجًا جيدًا ومنافسًا للتعليم الحكومي، وهذا التنافس قد يُحفّز المدارس الحكومية على أن تُقدّم جهودًا أفضل وتعليمًا أرقى وحدث هذا الاحتكاك فعلًا، وأدّى إلى نتائج إيجابية”.
ومن خلال تجربة عمله في المدارس الخاصة أوضح الرمضاني: “أذكر أننا كنّا نتبادل الزيارات ونتشارك في إقامة الأنشطة مع مدارس حكومية، وكان هذا الاحتكاك والتشارك مفيدًا للطرفين وله أثر تحفيزي جيد بالنسبة للطرفين، ولكنّ هذا الشيء لا يعني أن بإمكان المدارس الأهلية معالجة مشاكل التعليم في العراق، لأن هذا الموضوع فوق طاقتها وليس من واجباتها أصلًا”.
صف في أحدى المدارس الأهلية
ما الآثار السلبية للمدارس الأهلية على الحكومية؟
يشكو كثير من التربويين من المدارس الأهلية كونها ساهمت بوجود مشاكل وآثار سلبية على المدارس الحكومية، وساهمت بتكريس طبقية التعليم، واستقطبت المدرسين أصحاب الكفاءة من المدارس الحكومية، وفي هذا السياق أوضح الأستاذ عبد الخالق ذنون قائلاً: “الآثار السلبية قليلة مقارنة بالإيجابيات، وبإمكاننا أن نحصرها، بانسحاب المدرسين والمديرين الأكفاء من المدارس الحكومية إلى الأهلية، وذلك عن طريق التقديم إلى التقاعد قبل الموعد القانوني، أو أخذ إجازة طويلة المدى دون راتب أو بالراتب الإسمي فقط”.
وأضاف: “المردود المالي لكوادر التدريس أفضل من الراتب الشهري في المدارس الحكومية، وهذا يخلق إحساسًا بالغُبن والظلم، مما قد يؤثر سلبًا على الكادر التدريسي في المدارس الحكومية من حيث الدافعية والالتزام بجودة التعليم”.
هذه الإشكاليات والفساد موجود في النظام التربوي الحكومي والأهلي أيضًا، وهو بحاجة إلى انتباه من الحكومة ومتابعة وتثقيف، فالمجتمع قادرٌ على تشخيص الخلل في المدارس
وأفاد الأستاذ ناهض الرمضاني: “أما الآثار السلبية فهي كثيرة، خصوصًا إذا كانت الدولة غافلة عن متابعتها، التي قد يقودها أو يملكها بعض الأشخاص غير التربويين، وبعض الاشخاص الطامعين بتحقيق الربح المادي فقط، فقد يسيئون التصرف ويستغلون هذه المدرسة لتحقيق منافع مادية على حساب سوء تربية الطالب”.
وأضاف الرمضاني: “هناك تجارب سيئة سمعناها في بعض الأحيان، ومحاولات لإنجاح الطلبة بكل سهولة، وحدوث حالات غش جماعي خصوصًا خارج العراق، فبعض إدارات المدارس كانت تدعو الطلاب وتعدهم بالمساعدة بالامتحانات الوزارية، وحدث نتيجة لهذا مشاكل كثيرة أدت إلى خسارة بعض الطلاب لعام دراسي، رغم أنهم كانوا متفوقين، لأن القاعات الدراسية التي امتحنوا فيها اُتهمت بالغش الجماعي فعوملوا كالبقية”.
وأكد الرمضاني قائلاً: “هذه الإشكاليات والفساد موجود في النظام التربوي الحكومي والأهلي أيضًا، وهو بحاجة إلى انتباه من الحكومة ومتابعة وتثقيف، فالمجتمع قادرٌ على تشخيص الخلل في المدارس، لأن الأخطاء التي تحدث في المدارس تحت الأنظار ويمكن تشخيصها، والمطلوب بعد التشخيص هو معالجتها لكي لا تتكرر ولا تستمر هذه الظواهر السلبية”.
يبقى التساؤل المطروح: ما مدى إمكانية استمرار المدارس الأهلية؟ هل توجد إمكانية لتوسعتها لتصبح رئيسية بدل الحكومية؟ وذلك بأن تكون بأسعار مناسبة ومدعومة من الحكومة، وكذلك اعتناء مديريات التربية بتطبيق قوانين التعليم الأهلي، لكي لا تتحول إلى بؤر للفساد وإنجاح الطلبة بصورة غير شرعية.