“لم أكن قادرة على تحمل المزيد من الاغتصاب والتعذيب، فقررت أن أهرب لكن أحد الحراس أمسك بي وضربني ووضعني في الغرفة مع عشرات الحراس الذين استمروا بارتكاب جرائمهم بجسدي حتى فقدت الوعي”، هذا ما قالته الناشطة الحقوقية نادية مراد في مجلس الأمن عن الاستعباد الجنسي الذي تعرضت له لمدة 3 أشهر في عام 2014 تحت حكم تنظيم داعش الإرهابي.
قبل أيام قليلة، ذكرنا حصول الإيزيدية مراد على جائزة نوبل للسلام بواحدة من أبشع قصص الحرب على الإطلاق، فعند الحديث عن الحروب والنزاعات المسلحة لا يمكننا أن نتخيل سوى السيناريوهات المأساوية والخسارات المادية والبشرية التي قد تستمر آثارها حتى بعد أن يرحل العدو وتنتهي الحرب.
فقد اعتادت أجساد النساء والأطفال -البالغين والقاصرين- على أن تكون ساحة للصراعات السياسية، ليس كنتيجةٍ ثانوية أو عابرة، وإنما كاستراتيجية متعمدة وسياسة ممنهجة، ويمكن أن نلاحظ ذلك من خلال قراءة تاريخ الحروب والصراعات التي تعج بهذه الفظائع، وقد يكون أشهرها ما حدث الحرب العالمية الثانية وحرب البلقان والاستعمار الفرنسي ومعركة استقلال بنغلاديش وإرهاب داعش في سوريا والعراق، وغيرها من الحوادث التي شهدتها كولومبيا والكونغو ورواندا وليبيريا وبورما.
لماذا تغتصب أجساد النساء والأطفال في مناطق الحروب؟
يعرض الفيلم مقابلة مع أم وابنة ولدت جراء اغتصاب تعرضت له الأم في حرب البوسنة
تذكر منظمة العفو الدولية أن تفشي حالات الاغتصاب في الحروب ليست ظاهرة جديدة، ولكن بدأ توثيقها في العقود الأخيرة بعد أن تم تجاهلها لفترة طويلة، لأن بعض الدول كانت ترى أن العنف الجنسي جريمة فردية ضد المرأة وليست استراتيجية حربية ذات أبعاد سياسية واقتصادية تتجاوز الحالات الفردية، عدا عن عدم تقبلها لهذه الحادثة على اعتبار أنها وصمة عار اجتماعية.
وفقًا لمنظمة أطباء بلا حدود، فإن “الاغتصاب المنهجي كان يستخدم كجزء من سياسة التطهير العرقي”، ففي حرب البلقان كان الصرب ينتهكون أجساد النساء لكي “ينجبن أطفالًا صرب”
في أواخر الثمانينيات، حاولت منظمات حقوق الإنسان والمرأة تعريف الاغتصاب في مناطق الحروب كجريمة حرب وانتهاك للإنسانية، إلى أن تم اعتماد هذا التعريف بشكل رسمي في عام 2008 وبناءً على القرار 1820 الذي يشير إلى أن “الاغتصاب وغيره من أشكال العنف الجنسي يعتبر جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية وشكل من أشكال الإبادة الجماعية”.
ووفقًا لمنظمة أطباء بلا حدود، فإن “الاغتصاب المنهجي كان يستخدم كجزء من سياسة التطهير العرقي”، ففي حرب البلقان كان الصرب ينتهكون أجساد النساء لكي “ينجبن أطفالًا صرب”، وحول الإبادة الجماعية في رواندا يقول كبير مستشاري مركز العدالة العالمي أكيلا راداكريشنان، “كان العنف الجنسي وسيلة مهمة في تدمير مجموعة التوتسي (أحد أطراف النزاع)، ويقصد بهذه الأفعال تحطيم أرواحهم وإرادة العيش، وحياتهم نفسها”.
تؤكد ذلك، جيتا ساهجال مسؤولة في منظمة العفو الدولية، حيث تقول: “من الخطأ الاعتقاد بأن مثل هذه الاعتداءات تحدث تقليدًا لعادة “غنائم الحرب” أو للإشباع الجنسي، فهي غالبًا ما توجد في النزاعات العرقية كوسيلة لإدامة السيطرة الاجتماعية وإعادة رسم الحدود العرقية”، مشيرةً إلى أن النساء هن منتجات ومربيات في المجتمع، ولذلك يتم استهدافهن بإصرار وبشكل مباشر.
وتضيف ساهجال أنه “إذا أرادت إحدى المجموعات السيطرة على أخرى، فغالباً ما تقوم بذلك عن طريق تشريب النساء من المجتمع الآخر لأنهم يرون ذلك كطريقة لإضعاف المجتمع المعارض أو المختلف”، وهذا بالفعل ما كان يمارسه الصرب على نساء البوسنة والهرسك وكرواتيا، كما تم تطبيقه أيضًا من قبل الجماعات المتنافسة في كولومبيا والتي أرادت تعزيز سيطرتها من خلال الاغتصاب.
وبما أن النساء والفتيات يعتبرن المدخل أو الباب الأول للدخول إلى الحياة وإنشاء الأجيال القادمة وتأسيس الهوية الثقافية، تقول المحامية السابقة توبين ساراكي إن “الفتيات يتعرضن للاعتداءات من قبل الجماعات الإرهابية والمتطرفة لأنهم يريدون تشويه هويتهم الثقافية، فالنساء أول رواة القصص وهم من ينجبن الأطفال ويعلمنهم التصرف”.
يتمكن العدو من الاعتداء على هوية المرأة من خلال الاعتداء على جسدها أولًا ولا سيما لو أنجبت منه طفلًا، لأنه يغير التكوين العرقي للجيل القادم ويكون بمثابة “انتقام بيولوجي”
ما يعني هنا أن دور المرأة في تشكيل الوعي المجتمعي والثقافي وقدرتها على تربية على الأطفال جعلها ضحية العنف الجنسي، إذ يتمكن العدو من الاعتداء على هويتها من خلال الاعتداء على جسدها ولا سيما لو أنجبت منه طفلًا، لأنه يغير التكوين العرقي للجيل القادم ويكون بمثابة “انتقام بيولوجي” يدمر العائلة ويفرض نفسه على مستقبلها.
ولا شك أن السلطات العسكرية تستخدم العنف الجنسي لزعزعة استقرار المجتمعات المحلية وزرع الرعب في قلوب سكانها وتفتيت الأسر، فوفقًا للدراسات الحديثة، تساهم الحروب في زيادة معدلات العنف داخل الأسرة نفسها وذلك بسبب شدة توتر الفتيات وقلقهن من ارتباك ممارسات جنسية إجبارية بحقهن، إلى جانب ازدياد عنف رجال المنزل بسبب شعورهم بالعجز وفقدان السيطرة والقدرة على حماية نساءهم، فيعوضون ذلك بالغضب والاستياء.
حيث تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن ما بين 20 ألف و50 ألف امرأة تعرضن للاغتصاب خلال حرب 1992 في البوسنة والهرسك، واغتصاب ما يقدر ب 200 ألف امرأة وفتاة في جمهورية الكونغو الديمقراطية منذ عام 1998، أما مذبحة رواندا فشهدت على اغتصاب ما بين 100 ألف إلى 250 ألف امرأة خلال 3 شهور فقط في عام 1994.
تشير اللجنة الدولية للصليب الأحمر إلى وجود أدلة قوية تثبت حدوث هذه الانتهاكات بحق الرجال أيضًا خلال الاعتقالات، كجزء من ممارسات التعذيب والإذلال
ولا يتم الإبلاغ عن معظم الحالات، إذ يعيش الناجون في صمت قاهر، بينما يتحول مرتكبي هذه الجرائم بحرية، فلم يتم محاسبة سوى القليل جدًا منهم. مع العلم، أن العنف الجنسي لا يحدث فقط للنساء، إذ تشير اللجنة الدولية للصليب الأحمر إلى وجود أدلة قوية تثبت حدوث هذه الانتهاكات بحق الرجال أيضًا خلال الاعتقالات، كجزء من ممارسات التعذيب والإذلال، ولذلك لا تعتبر هذه القضية مشكلة نسائية بحتة.
وأخيرًا، أعدت عدة جهات مجموعة من الأفلام السينمائية والوثائقية التي تركز على قضية الاغتصاب كأداة حرب، ومنها “الرجل الذي يدير النساء” حول الاعتداءات الجنسية في حرب الكونغو، وفيلم “من أجل جميلة” يحكي قصص المناضلات الجزائريات في مقاومة تعذيب واغتصاب الجنود الفرنسيين، ونهاية فيلم “أبناء الحرب” عن مصير النساء المغتصبات والناجيات من حرب البلقان.