يواجه الرئيس الفرنسي الشاب إيمانويل ماكرون، أسوء أيامه منذ وصوله قصر الإليزيه واعتلاءه سدّة الحكم في مايو/أيار 2017، فالأزمات تحيط به من كلّ جانب بدأ من حكومة إدوار فيليب التي استقال معظم وزراءها إلى الشارع الذي تحرك رفضا لما يعتبرونه مسّا بالنموذج المجتمعي لفرنسا.
احتجاجات وعنف
شارك مئات الآلاف من طلاب المدارس الثانوية والموظفين والعمال والمتقاعدين، أمس الثلاثاء في التظاهرات والاضرابات التي عرفتها عدة مدن فرنسية للاحتجاجات ضد سياسة الرئيس إيمانويل ماكرون، خصوصًا في شقها الاجتماعي، والتي يعتبرون أنها تضعف الشرائح الأكثر حظًا والفقيرة، وفق لما تناقلته وسائل إعلام محلية ودولية.
هذه الاحتجاجات، جاءت استجابة لدعوة ستّة نقابات، حيث قال الأمين العام للاتحاد العام للعمل فيليب مارتينيز إن التعبئة وصلت إلى “ما يقرب 300 ألف من المتظاهرين في جميع أنحاء البلاد”. وهو رقم كبير مقارنة بعدد الذين خرجوا خلال المظاهرات السابقة التي شهدتها البلاد نهاية شهر يونيو/حزيران الماضي.
يرى المحتجون، أن حكومة بلادهم تسعى إلى “تدمير النموذج الاجتماعي”، باعتبار أن الإصلاحات التي أعلنت عنها الحكومة ستقوّض التضامن والعدالة الاجتماعية
وخرجت المظاهرات في عدد من المدن الفرنسية أبرزها باريس، ليون، نيس، مرسيليا، تور، رينس وبايون. وتعتبر هذه التظاهرات أول حركة احتجاجية وطنية بعد الدخول الاجتماعي. وتسعى النقابات من خلال استئناف التحركات الاحتجاجية إلى الضغط على حكومة إدوار فيليب للتراجع عن اصلاحاتها.
ويرى المحتجون، أن حكومة بلادهم تسعى إلى “تدمير النموذج الاجتماعي”، باعتبار أن الإصلاحات التي أعلنت عنها الحكومة ستقوّض التضامن والعدالة الاجتماعية وستؤدّي إلى الاضرار بالمجتمع. وتأمل النقابات في تعبئة أخرى للتأثير على المفاوضات أو الإصلاحات الاجتماعية، مثل المعاشات التقاعدية أو التأمين ضد البطالة.
وقد اختارت منظمات المتقاعدين هذا التاريخ في 9 أكتوبر / تشرين الأول سابقًا للتنديد بإعادة تقييم معاشاتهم التقاعدية، التي تعتبر ضعيفة جدًا، وهو إجراء سيؤثر على الأشخاص الذين سبق لهم تقديم مساهماتهم في العام الماضي مع الزيادة في تكلفة التأمين الاجتماعي.
https://twitter.com/XseniaSputnik/status/1049660238733996032
شهدت المظاهرة التي عرفتها شوارع باريس اشتباكات متقطّعة بين بعض المتظاهرين وقوات الشرطة، أدّت إلى إصابة متظاهر وشرطي، وفقا لما نقلته وسائل إعلام محلية في فرنسا، كما تم القبض على أربعة أشخاص. وأظهرت العديد من مقاطع الفيديو تدخلات جهاز المخابرات العامة واستخدام الغاز المسيل للدموع ضد المتظاهرين الملثمين الذين لا يترددون في قذف الحجارة وغيرها في وجوههم.
وتقف “الكونفدرالية العامة للشغل” (سي جي تي) وراء الدعوة إلى التحرك الاحتجاجي الجديد، والذي تم الشروع في التحضير له منذ نهاية أغسطس، إلى جانب “الاتحاد الوطني للطلبة في فرنسا” و”الفدرالية المستقلة الديمقراطية لطلبة الثانويات” و”الاتحاد الوطني لطلبة الثانويات“. وتشترك هذه النقابات في موقفها المعارض لإصلاحات ماكرون وسياساته.
مخاوف كبيرة
ترمي هذه الإصلاحات التي الذي تشكل أحد الوعود الكبيرة لحملة ماكرون الانتخابية، حسب السلطات الفرنسية إلى مكافحة البطالة و”تعويض خسارة سنوات” من البطالة، إلا أن النقابات ترى عكس ذلك، مؤكّدة أن هذه الإصلاحات ترمي إلى ضرب المجتمع الفرنسي.
ومن بين هذه البنود التي تثير حفيظة النقابات العمالية، وضع سقف لقيمة العطل وقيمة التعويضات جراء الفصل التعسفي، والسماح للمجموعات التي لا يعتبر نشاطها مربحا في فرنسا بتسريح الموظفين حتى لو كانت هذه الشركات مزدهرة في العالم، ووضع عقود عمل جديدة تتيح الفصل في نهاية مهمة محددة.
أشارت تقارير إعلامية محلية، الأحد الماضي، إلى امكانية استقالة حكومة إدوار فيليب وتغييرها بحكومة ثانية
تثير عديد البنود الأخرى مثل خفض المساعدات الشخصية للسكن، وتجميد مؤشر احتساب أجور العاملين في الوظيفة العامة، وتقليص أعداد الموظفين، قلق النقابات. خطوط أخرى حمراء لا يجب تخطيها بالنسبة للنقابات العمالية كمرونة عقود العمل لفترة زمنية محددة، وعقود العمل لأجل غير محدد الذي يجري العمل به في قطاع البناء، والتفاوض من دون ممثل نقابي في الشركات الصغرى والمتوسطة، إذ تأمل الحكومة في أن يتفاوض ممثل عن العمال مباشرة مع رئيس العمل.
في شهري مايو ويونيو الماضيين، نزل عشرات الآلاف إلى شوارع فرنسا تلبية لدعوة نحو 60 حزبًا يساريًا وجمعية ونقابة، تعبيرًا عن عزمهم على التصدي لسياسة الرئيس إيمانويل ماكرو، إلا أن هذا الأخير رد من سان بطرسبورغ أن “ذلك لن يوقفه”، وأضاف أن “الإصغاء إلى الناس لا يعنى أن تكون ألعوبة في أيدي الرأي العام، وأنا لن أحكم استنادا إلى استطلاعات الرأي أو التظاهرات“.
https://www.youtube.com/watch?v=AXi9VPjRB7Y
وترى بعض الأوساط السياسية الفرنسية، ماكرون على أنه رئيس للأثرياء بعد أن قام بخفض الضرائب على الفئات الغنية والشركات في سنته الأولى في منصبه، بينما خفضت من فوائد الإسكان وزيادة ضرائب الضمان الاجتماعي التي تضرب أصحاب المعاشات التقاعدية بشكل خاص.
هل تتجه الحكومة نحو الاستقالة؟
مشاكل ماكرون لا تنتهي هنا، فالرئيس الشاب تنتظره أيام صعبة خاصة مع ورود أنباء عن إمكانية تقديم رئيس الوزراء إدوارد فيليب استقالة حكومته، بعد أن عرفت الحكومة عديد الاستقالات في قطاعات بارزة وحساسة، منها حقيبة الداخلية التي يتولاها فيليب بالنيابة بعد استقالة جيرار كولومب قبل أسبوع.
يوم أمس عقد اجتماع بين ماكرون وفيليب ، إلا أن رئيس الحكومة لم يقدم استقالته لرئيس الجمهورية، كما كان متوقعًا. وأربكت استقالة وزير الداخلية جيرار كولومب عمل الحكومة، خاصة وأنها جاءت في ظرف تعرف فيه البلاد احتجاجات كبيرة.
تبدو أيام حكومة فيليب معدودة وفقا لكثير من المؤشرات
وكان وزير الداخلية السابق جيرار كولومب استقال من منصبه، الأسبوع الماضي، مما أجبر الرئيس ماكرون على تسليم الحقيبة لرئيس الوزراء فيليب ريثما يتم إيجاد بديل. وقد صرّح كولومب، الشهر الماضي، قائلاً: “إن الحكومة افتقرت للتواضع في تعاملها مع المواطنين داعياً السلطة التنفيذية للاستماع أكثر للشعب”؛ هذه التصريحات وصفتها الصحافة المحلية آنذاك كبداية عملية ابتعاد كولومب عن السلطة بسبب امتعاضه من بعض المسائل.
وأشارت تقارير إعلامية محلية، الأحد الماضي، إلى امكانية استقالة حكومة إدوار فيليب وتغييرها بحكومة ثانية، تعهد إليها مهمة رفع التحديات التي تواجهها الرئيس ماكرون، أبرزها استرجاع ثقة الفرنسيين إزاءه وتحضير الانتخابات الأوروبية المقبلة التي تعد اختبارا سياسيا كبيرا بالنسبة لشعبية الرئيس الفرنسي.
شعبية ماكرون في تراجع
تعرف شعبية ماكرون في الفترة الأخيرة تراجعا كبيرا، حيث أفاد مركز إيلاب الفرنسي لاستطلاعات الرأي، يوم 3 أكتوبر/ تشرين الأول الحالي، بأن غالبية الفرنسيين تنظر للرئيس ماكرون على أنه رئيس “استبدادي ومتعجرف“.
انخفاض شعبية ماكرون تأتي بعد سلسلة فضائح وأحداث هزّت هرم السلطة
بحسب دراسةٍ أجراها مركز إيفوب لاستطلاعات الرأي لحساب صحيفة باري ماتش، أجراها الشهر الماضي فقد انخفضت شعبيّة الرئيس ماكرون لتصل إلى 31% من الآراء الإيجابية، وبذلك تكون شعبية ماكرون وصلت لمستوى أقل من شعبية الرئيس السابق فرنسوا هولاند في نفس الحقبة الزمنية والذي كان قد حصل شهر سبتمبر/أيلول عام 2013 على 32% من الآراء الإيجابية بعد عامٍ ونيف على استلامه للسلطة.
ووفقا لدراسة استقصائية نشرت يوم الاثنين يعتقد 69٪ من الفرنسيين أن استقالة وزير الداخلية جيرارد كولومب هي “ضربة” لرئيس الدولة، ورأى هؤلاء أن “هذه الطريقة في الاستقالة دون مراعاة رأي الرئيس هي ضربة شخصية لإيمانويل ماكرون”. فيما يعتقد 80 ٪ من الفرنسيين أن “اتصال الحكومة وإيمانويل ماكرون في هذه القضية كان سيئًا” و75٪ يعتقدون أن هذا الرحيل “هو علامة على وجود مشكلة حقيقية في طريقة حكم إيمانويل “.
يواجه ماكرون أزمات متتالية أثرت على شعبيته
يأتي انخفاض شعبية ماكرون بعد سلسلة فضائح وأحداث هزّت هرم السلطة، آخرها كان استقالة وزير الداخلية، التي سبقتها استقالة وزير البيئة نيكولا هولو، واستقالة وزيرة الرياضة لورا فليسيل احتجاجًا على سياسة الحكومة. كما تركت قضية المساعد الشخصي لماكرون، ألكسندر بينالا، أثرا سلبيا على مصداقية الرئيس، وذلك بعد أن شوهد بينالا في شريط مصور وهو يضرب متظاهرين بقوة خلال مظاهرة الأول من احتجاجات مايو العمالية.
وتزامن تراجع شعبية ماكرون، مع تراجع أنصار حركة “الجمهورية إلى أمام” التي أسّسها الرئيس قبيل الانتخابات التشريعية والرئاسية الماضية، والتحاقهم بأحزاب الوسط واليمين واليسار، نتيجة ما اعتبروه تخلي ماكرون عن البرنامج الذي انتخب من أجله.