مع قدوم شهر أكتوبر من كل عام تتوق الأنظار إلى عاصمتي السويد والنرويج حيث الإعلان عن أسماء الفائزين بجوائز نوبل في المجالات الست، الفيزياء، الكيمياء، الأدب، السلام، الطب والاقتصاد، فيما يتم تسليم الجوائز رسميًا في العاشر من ديسمبر، نوبل للسلام في مدينة أوسلو بينما الجوائز الأخرى من مدينة ستوكهولم بحضور ملك السويد.
117 عامًا مضت على تأسيس الجائزة الأغلى في العالم والتي كانت نشأتها الأولى عام 1901 مُنح خلالها قرابة 884 جائزة كان للولايات المتحدة نصيب الأسد منها بحوالي 346 جائزة بما نسبته 30% تلتها بريطانيا بنسبة 15% ثم ألمانيا وفرنسا والسويد، ومن بعدها روسيا واليابان وكندا، فيما كانت حصة الدول العربية مجتمعة قرابة 10 جوائز فقط.
فوز الشاعرة والأديبة العراقية نادية مراد بجائزة نوبل للسلام في دورتها الحالية، والذي جعل للعرب ما نسبته 0.95% من الجوائز التي منحتها المؤسسة السويدية هذا العام، أعاد ملف الخصومة بين الدول العربية والجائزة إلى الأضواء مجددًا، مثيرًا العديد من التساؤلات حول هذا الغياب الطويل الذي لايتناسب مطلقًا مع نسبة سكان العرب إلى سكان العالم هذا بخلاف الإمكانيات والثروات التي تمتلكها الدول العربية.
10 جوائز عربية
بدأت علاقة العرب بـ “نوبل” مع عام 1978، حين منحت جائزة نوبل للسلام إلى الرئيس المصري الراحل أنور السادات (1918- 1981) مناصفة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحم بيغين، وكانت العلاقة الثانية في عام 1994، حين مُنح الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات (1929- 2004) جائزة نوبل للسلام أيضا، مناصفة كذلك مع وزير الخارجية الإسرائيلي شيمون بيريز، ثم الدكتور محمد البرادعي والذي منحها كذلك في 2005، مناصفة مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي كان يديرها في ذلك الوقت.
وفي عام 2011، حصلت الناشطة اليمنية توكل كرمان جائزة نوبل للسلام مع الرئيسة الليبيرية إلين جونسون سيرليف، والناشطة الليبيرية ليما غوبوي، لتصبح أول امرأة عربية تحصل على الجائزة، وبعدها بأربعة سنوات اقتسمت أربع منظمات تونسية جائزة نوبل للسلام العربية الخامسة، “لمساهمتها في إنجاح مسار الانتقال الديمقراطي في تونس.
مستوى الإنفاق على البحث العلمي بالعالم العربي لا يتعدى 1% من إجمالي الناتج القومي حيث بلغت هذه النسبة في الإمارات 0.6 %وفي المغرب 0.64% وفي تونس 1.02%
بعيدًا عن السياسة والسلام، كان العالم المصري أحمد زويل (1946- 2016) العالم العربي الوحيد الذي حصل على الجائزة في إحدى مجالات العلوم التطبيقية، حيث حصل على جائزة نوبل في الكيمياء عام 1999 عن أبحاثه في مجال الفيمتو ثانية، علمًا مع أن هناك عالمان آخران من أصول عربية حصلا على جوائزنوبل العلمية، البريطاني من أصل لبناني، بيتر مدور (1915-1987)، والذي حاز جائزة نوبل في الطب عام 1960، الأميركي من أصل لبناني، إلياس جيمس خوري (1928)، والذي حصل على جائزة نوبل في الكيمياء سنة 1990، عن أبحاثه في تطويره نظرية ومنهجية التركيب العضوي.
فيما جاء الأديب المصري الراحل نجيب محفوظ في المرتبة الثانية من حيث تاريخ العرب مع الجائزة الدولية، إذ حصل على جائزة نوبل للأدب عام 1988، ليصبح العربي الوحيد الذي يحصل على هذه الجائزة حتى الآن.
نادية مراد.. العربية الوحيدة الحاصة على نوبل هذا العام
التسييس علامة استفهام
عوًل كثير على غياب الشفافية في تحديد هوية الفائزين وخضوعها للأهواء السياسية والعنصرية في غياب العرب عن جائزة نوبل، وهو ما أكده بعض الخبراء والمقربين من أروقة المؤسسة المانحة للجائزة في ظل ما يثار بشأن العديد من علامات الاستفهام حول أعضاءها.
المحامي والقانوني فريدريك هافرميل رئيس لجنة نوبل للسلام كان قد اتهم قبل ذلك بتسييس الجائزة والذهاب بعيدا عن روح وصية ألفرد نوبل، حيث قال في تصريحات سابقة له إن اللجنة ابتعدت كثيراً عن مسارها، وإنها خرقت القانون النرويجي ووصية نوبل بمنحها عدة شخصيات في السنوات الماضية، خاصة عندما مُنحت للرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما.
الشاعر شل أبسمارك عضو الأكاديمية السويدية كان له نفس الرأي تقريبًا، ففي كتابه “الجائزة” كشف عن وثائق التشاور السرية بين أعضاء جائرة نوبل، التي تم رفع السرية عنها، وهي تفصح في مجملها عن تسييس جائزة نوبل، وميولها العنصرية، فقد ذكر بعض المواقف والأحداث التي تثبت تسييس الجائزة وعدم استقلاليتها، منها رفض الكاتب المصري يوسف إدريس صفقة يتم بمقتضاها فوزه بنوبل، شريطة أن يتقاسم الجائزة مع كاتب إسرائيلي، ولرفض إدريس فلم يمنح الجائزة، كما أنه في العام 2001 منحت جائزة نوبل للأدب للكاتب الترانيدادي الأصل في. أس. نايبول المعروف بعنصريته ومعاداته للإسلام وازدرائه للأديان.
7 من بين الدول العشر الأكثر إنفاقا على السلاح عالميا، تقع في منطقة الشرق الأوسط، في مقدمتهم السعودية والإمارات والكويت.
أزمة البحث العلمي
لم يكن التسييس وحده هو السبب وراء الغياب العربي عن نوبل، إذ يتصدر تراجع البحث العلمي وغياب قيمة العلم لدى الحكومات والأنظمة العربية أبرز الأسباب التي فاقمت من تلك الخصومة، وهو ما يمكن قراءته في التقارير والإحصائيات الدولية الصادرة بشأن تقييم الجامعات العربية والكيانات العلمية بها فضلا عن مؤشرات جودة التعليم ومستوى الأمية بها.
المعدل العالمي للنشر العلمي بالنسبة للباحثين هو 1.5 بحث سنويا لكل باحث في حين لا يتجاوز هذا المعدل بالعالم العربي 0.3 بحث سنويا لكل باحث، فيما تشير التقارير الصادرة عن المنظمات الدولية إلى أن مستوى الإنفاق على البحث العلمي بالعالم العربي لا يتعدى 1% من إجمالي الناتج القومي حيث بلغت هذه النسبة في الإمارات 0.6 %وفي المغرب 0.64% وفي تونس 1.02% وفي الأردن 0.34% في حين تنفق الولايات المتحدة 3.7% وألمانيا 2.6% وكوريا الجنوبية 4% من الناتج القومي على البحث العلمي.
طبقا لتصنيف “كواكواريلي سيموندس – QS“، حول أفضل الجامعات على مستوى العالم، الذي حلل أداء 3 ألاف جامعة على مستوى العالم، خلت قائمة المائة الأولي من الجامعات العربية، وكان أول ظهور لجامعة عربية في المركز 173 باسم جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، بينما ظهرت الجامعات المصرية الأكبر والأقدم في المنطقة بدءا من المركز 551 الذي احتلته جامعة القاهرة طبقا لتقييم 2018.
وفي تقرير أعده مركز برق للأبحاث والدراسات، توقع بوصول عدد الأميين في العالم العربي لحوالي 54 مليون أمِّيا بحلول 2024، من بينهم 6.5 مليون شاب، هذا في الوقت الذي تتراجع فيه مؤشرات جودة التعليم لدى غالبية النظم التعليمية العربية، الأمر الذي انعكس بدوره على معدلات البطالة وتراجع قيمة وأهمية البحث العلمي.
تراجع حجم الإنفاق على البحث العلمي في العالم العربي مقارنة بالدول الأخرى
السلاح أولا
في الوقت الذي تتراجع فيه ميزانية البحث العلمي في الدول العربية يلاحظ على العكس منها تمامًا إفراط كبير في الإنفاق على التسليح، ولعل هذا يكشف النقاب عن قائمة أولويات النظم العربية الحاكمة، ففي تقرير صادر عن معهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام عام 2017 كشف أن 7 من بين الدول العشر الأكثر إنفاقا على السلاح عالميا، تقع في منطقة الشرق الأوسط، في مقدمتهم السعودية والإمارات والكويت.
تصدرت السعودية قائمة الدول الأكثر تسليحًا في المنطقة، متجاوزة العام الماضي 2017 حاجز الـ 69 مليار دولار، ما جعلها تتصدر المرتبة الثالثة عالميًا بعد الولايات المتحدة والصين وتتقدم على روسيا، بزيادة قدرها 9.2% عن ميزانية عام 2016، بما يعادل 10% من انتاجها القومي، فيما زادت معدلات التسليح خلال الفترة من 2008وحتى 2015 بنسبة 74%..
معدل الإنفاق الإسرائيلي على السلاح يعادل تقريبًا نفس معدل الإنفاق على البحث العلمي، بنسبة 4.7% من الناتج القومي
كما تنفق سلطنة عمان ما نسبته 12% من ناتجها القومي ، فيما بلغ 5.8% في الكويت، ، و4.8% في الأردن 4.8% ،ووصلت النسبة في لبنان لـ 4.5%، وفي البحرين وصلت النسبة إلى 4.1%، وتشير إحصائية حديثة لصندوق النقد العربي التابع للجامعة العربية أن الإنفاق الدفاعي والأمني في العالم العربي بلغ نحو 21% من النفقات الجارية خلال الفترة من 2010 إلى 2015 بمعدل وصل إلى 803 مليارات دولار، وبمتوسط 133.33 مليار دولار سنويا.
إسرائيل نموذج
يتفاقم حجم الكارثة بعقد المقارنة بين العرب وإسرائيل فيما يتعلق بالبحث العلمي وانعكاساته على مستويات التعليم بها وهوما تجسده الأرقام، إذ حصل الإسرائيليون وحدهم على أكبر مما حصل عليه جميع العرب في ماراثون جائزة نوبل، فمنذ عام 1966، حصل 12 إسرائيلي على الجائزة، 6 منهم في الكيمياء، وثلاثة في السلام، واثنان في الاقتصاد، وواحد في الأدب.
معدل الإنفاق الإسرائيلي على السلاح يعادل تقريبًا نفس معدل الإنفاق على البحث العلمي، بنسبة 4.7% من الناتج القومي، ما جعلها تتصدر المرتبة الـ 15 عالميًا من حيث حجم الأبحاث المنشورة وترتيب جامعاتها في قائمة الأكثر جودة في العالم، هذا مع الوضع في الاعتبار خصوصية الكيان الصهيوني كونه دولة محتلة يتربص بها أصحاب الحقوق من كل جانب.