“السينما الإيرانية تمكنت من التفرد بأسلوب أصيل في سوق الأفلام يتفادى الجنس والدم ويقترب من مواضيع اجتماعية أكثر بساطة يكون الأطفال في كثير من الحالات أبطال ورواد حكاياتها”. بهذا القول، افتتح السينمائي المخضرم، الفرنسي من أصل إيراني، ماماد حقيقت ، حواره مع “نون بوست”.
ماماد، الناقد السينمائي الإيراني العالمي، قال على هامش فعاليات الدورة الخامسة لمهرجان السينما والبحر المنظمة بين ٣ و٧ تشرين الأول الجاري بمير اللفت (جنوب غرب المغرب)، “أن السينما الإيرانية استطاعت الوصول إلى العالمية بفضل وفائها للمواضيع المحلية والأصيلة التي تترجم انشغالات المجتمع الإيراني ولعدم بحثها عن تقليد السينما الغربية”.
حيث تمثل الأفلام الإيرانية التي تصل إلى سوق السينما الدولية ١٠٪ من الإنتاجات السينمائية الإيرانية التي يبلغ عددها ما بين ١٢٠ و١٥٠ فيلمًا طويلاً وألفي فيلم قصير في العام. وحصدت عدة جوائز بارزة طيلة العقود الثلاثة الأخيرة مثل السعفة الذهبية والكاميرا الذهبية والأوسكار والأسد الذهبي.
ماماد حقيقت: “حاول المخرجون الإيرانيون تفادي مواضيع الجنس والعنف والدماء، في جزء من الأمر لأن النظام كان يحظر تصوير مشاهد مخلة بالآداب”
وفي نظر ماماد حقيقت، وهو أيضا كاتب بالمجلة السينمائية الفرنسية المتخصصة “دفاتر السينما”، يعود نجاح السينما الإيرانية إلى نهج تفردت به وتمثل في الالتصاق بالواقع المعاش الإيراني، وهو نهج يرجع بدوره إلى تظافر عدة عوامل فنية وتاريخية وسياسية.
فانطلاقا من عام ١٩٨٥، يوضح حقيقت، أن النظام الإيراني بتخفيف القيود التي وضعها على السينما بعد الثورة الإسلامية لعام ١٩٧٩ في مسعى منه حينها إلى تحسين صورته في العالم ، “حيث كان يطمح لاستعمال السينما في الدعاية لسياساته”.
“غير أن المخرجين الإيرانيين الذين استفادوا من هذا الانفتاح”، يواصل حقيقت، “وظفوا ذلك لصالح رؤاهم الفنية والتعبيرية، وحاولوا رصد ما يعتمل في الواقع الإيراني من حركيات بعيدا عن ممارسة أي دعاية للنظام”، يضيف حقيقت.
تولى ماماد حقيقت مسؤولية انتقاء الأفلام الإيرانية المرشحة لجائزة مهرجان كان الفرنسي لعدة دورات
ويؤكد حقيقت في حواره مع “نون بوست” أن “المخرجين الإيرانيين حاولوا تفادي مواضيع الجنس والعنف والدماء، في جزء من الأمر لأن النظام كان يحظر تصوير مشاهد مخلة بالآداب، وفي جزء آخر لأنهم وجدوا في قضايا مجتمعية أخرى أرضا خصبة للفعل السينمائي حبلى بالإشكالات المبتكرة”.
ويرى حقيقت أن هذا الواقع السياسي والتاريخي جعل الاختيار الفني للسينما الإيرانية يرسو على معالجة مواضيع بسيطة الى حد ما، لكن بشبكة قيم مختلفة عن تلك المهيمنة في الدراما الغربية تتفوق فيها قيم التضامن والإخلاص والبراءة والصداقة. وفي هذا السياق، يقول حقيقت “نلاحظ أن عددا من الأفلام الإيرانية جعلت من الأطفال أبطالها، ونقلت مشاكل المجتمع بعين الطفولة وهي عين البراءة أيضا”.
هكذا، يعتبر حقيقت، أن صناع الأفلام الإيرانيين ركزوا على الأفلام ذات البعد الإنساني وأصبغوا عليها صبغة محلية تنهل من الحياة الإيرانية التي ظلت لغزا بالنسبة للسينمائيين والمشاهدين الغربيين، “وأعتقد أن هؤلاء أعجبوا بذلك”.
يرى حقيقت أنه كلما آثرت السينما القصص المحلية والأصيلة النابعة من صلب مشاغل مجتمعها، نجحت بصفة أكبر في إثبات حضورها في المهرجانات وسوق العرض الدولية
“العين السينمائية الغربية ضاقت ذرعًا بالجنس والعنف وما شابهها من مواضيع ومن ثم وجدوا المواضيع التي تعالجها السينما الايرانية أصيلة وتركز على قيم مختلفة مثل التضامن والصداقة والإخلاص”، يقول حقيقت. ولا يفوت هذا الخبير السينمائي الإشارة إلى ميزة أخرى، على درجة بالغة من الأهمية في رأيه، تتجلى في النزعة الشاعرية للأفلام الروائية الإيرانية المتأثرة بالشعر والأدب الفارسيين.
ممثلين إيرانيين بارزين في مهرجان كان السينمائي في دورته الأخيرة
وبالمقابل، لا ينكر حقيقت أن السينما الإيرانية لها أيضا إنتاجاتها الشعبية الموجهة للاستهلاك الربحي، والتي تبتعد عن المعايير الدرامية والفنية التي تشترطها المهرجانات الكبرى. وبشكل عام، يرى حقققت أنه كلما آثرت السينما القصص المحلية والأصيلة النابعة من صلب مشاغل مجتمعها، نجحت بصفة أكبر في إثبات حضورها في المهرجانات وسوق العرض الدولية.
إلى ذلك، ترأس ماماد حقيقت لجنة تحكيم الدورة الخامسة لمهرجان السينما والبحر بجنوب المغرب التي توجت الفيلم الإيطالي القصير “Like Yesterday” (مثل أمس) للمخرجة نومي أبريا بجائزة المهرجان الكبرى.
وتولى ابن مدينة أصفهان، البالغ من العمر ٦٦ عاما والمستقر بفرنسا منذ ١٩٧٧، مسؤولية انتقاء الأفلام الإيرانية المرشحة لجائزة مهرجان كان الفرنسي لعدة دورات، كما أصدر مؤلفًا مرجعيًا عن سينما بلاده الأم بعنوان “السينما الإيرانية من ١٩٠٠ إلى ١٩٩٩”، وأخرج عدة أفلام آخرها فيلم “ملاكان” (٢٠٠٣).