“خائن لله ورسوله ودينه ووطنه، يجب على المسلمين مقاطعته، فلا يعاملونه ولا يزوجونه، ولا يتوددون إليه، ولا يحضرون جنازته، ولا يصلون عليه، ولا يدفنونه في مقابر المسلمين”، هذه هي الفتوة الرسمية التي صدرت عن دار الإفتاء الفلسطينية، بحق كل من يتورط بتسريب أو بيع عقار أو منزل لليهودي داخل الأراضي الفلسطينية وعلى وجه الخصوص مدينة القدس المحتلة.
الشارع الفلسطيني عاش الأيام الماضية حالة كبيرة من الغضب والاحتقان، بعد سيطرة عشرات المستوطنين المتطرفين على عقار فلسطيني وسط مدينة القدس، اتضح فيما بعد بأنه قد تم بيعه من خلال “سمسارة أراضي” وبطرق التفافية وغير شرعية.
فضيحة تسريبات عقارات مقدسية للمستوطنين، أعاد بهذا الملف الحساس والشائك من جديد ليتصدر المشهد الفلسطيني، وسط حالة من الغضب الكبيرة في الوسط الفلسطيني، وسط اتهامات توجه نحو السلطة الفلسطينية بالتقصير في ملاحقة “السماسرة” وإغلاق عيون القضاء عنهم.
مخطط يستهدف القدس
“من المسؤول؟، ولماذا تباع للمستوطنين وكيف؟، وأين دور السلطة الفلسطينية؟، وكيف يمكن توعية أهل القدس من هذا الخطر؟، كلها تساؤلات تطرح بقوة في الشارع الفلسطيني، وتبحث عن إجابات واقعية وواضحة بعد أن تفشت هذه الظاهرة وأصبحت تقلق كل فلسطيني وتهدد وجوده على أرضه ووطنه، وتسهل لـ”إسرائيل” السيطرة على المدينة المقدسة.
وكان عشرات المستوطنين بحماية مشددة من شرطة الاحتلال، اقتحموا عقاراً تمتلكه عائلة فتيحة الذين يقطنون في الولايات المتحدة الأمريكية، وأجبروا الموجودين فيه وهم من عائلة مستأجرة من المالك الأصلي منذ 30 عاماً على إخلاء السكن، بحسب بيان لمركز معلومات وادي حلوة في بلدة سلوان.
الخبير المقدسي، وعضو الهيئة الإسلامية العليا لمدينة القدس، جمال عمرو، أكد بأن نشاط تسريب العقارات في القدس ارتفع خلال السنوات العشر الأخيرة بنسبة 400 بالمائة، مقارنة بالفترة الممتدة من اتفاق أوسلو في العام 1993 وحتى اندلاع انتفاضة الأقصى في العام 2000″
وبين المركز أن العقار منزلان مساحتهما حوالي 160 متراً مربعاً، إضافة إلى أرض تبلغ مساحتها 800 متر مربع، ومزروعة بأشجار الزيتون والتين. وخلال أقل من 24 ساعة عاد المستوطنون الخميس الماضي (4 أكتوبر)، للاستيلاء على ثلاثة عقارات مساحتها 660 متراً مربعاً وقطعة أرض مساحتها دونم في سلوان، ووادي حلوة، والبلدة القديمة في منطقة عقبة درويش، حيث بيت جودة الحسيني المطل على الأقصى مباشرة، والواقع في منطقة حساسة في قلب البلدة القديمة.
الخبير المقدسي، وعضو الهيئة الإسلامية العليا لمدينة القدس، جمال عمرو، أكد بأن نشاط تسريب العقارات في القدس ارتفع خلال السنوات العشر الأخيرة بنسبة 400 بالمائة، مقارنة بالفترة الممتدة من اتفاق أوسلو في العام 1993 وحتى اندلاع انتفاضة الأقصى في العام 2000″.
مستوطنون يستولون على منزل فلسطيني بالقدس
ويعزو عمرو ذلك إلى مجموعة من الأسباب، من بينها “ارتفاع نشاط سماسرة الاستيطان في القدس، بالإضافة لتراجع دور بلدية القدس في القيام بخدمات تدعم صمود سكان المدينة، في ظل إرهاق السلطات الإسرائيلية سكان المدينة بالضرائب والرسوم، وهو ما يدفع بالعشرات من السكان لبيع العقار والاستقرار خارج المدينة”.
وأضاف عمرو أن “السلطة الفلسطينية تمارس دور المتخاذل والمتفرج أمام الهجمة التي تمارسها شركات الاستيطان الإسرائيلية، وهذا سبب رئيسي في أخذ سماسرة العقارات حريتهم الكاملة في شراء عقارات المقدسيين، مؤكدا أن “السلطة لم تفتح أي ملف للتحقيق في حوادث تسريب العقارات، رغم وجود العشرات من الوثائق التي تشير إلى تواطؤ شخصيات فلسطينية تغاضت عنها السلطة لوقف عمليات تسريب العقارات”.
ويطلق مصطلح “تسريب” أملاك المقدسيين المختلفة؛ على الطرق الملتوية التي من خلالها يستولي الاحتلال ومستوطنوه على العقارات في القدس، حيث يقوم بعض العملاء أو الوسطاء بخداع أصحاب العقارات؛ من خلال شرائها بدعوى تطويرها أو حمايتها من الاحتلال، ومن ثم تنقل ملكيتها للاحتلال، أو للجمعيات الاستيطانية اليهودية التي تعمل في القدس.
خيانة السلطة
بدوره، يقول الخبير في القانون الدولي خالد زبارقة، إن “المشكلة في التسريب أن المتورطين فيه إلى جانب الاحتلال يريدون تحويل هذا الأمر إلى شيء طبيعي بين الفلسطينيين واليهود في القدس، وجعله عبارة عن بيع وقبض قانوني لا يوجد فيه أي مشاكل، بينما يتناسون أن الاحتلال هو من يحتل القدس ودوليًّا لا يجوز له إحداث تغيير على المنطقة المحتلة”.
يشير الخبير في القانون الدولي خالد زبارقة، أن القانون الفلسطيني يجرم تسريب العقارات ولكن القانون الإسرائيلي لا يجرم ذلك ويعتبره حقا لمن يريد البيع والشراء
ويوضح زبارقةأنه “من ناحية السلطة هناك خيانة، لذلك عليها تجريم التسريب قانونيًّا وملاحقة كل من يسرب أي عقارات، وعدم التعامل معه كمواطن مسالم، لكن هذا البند لم يفعّل حتى الآن في القانون الفلسطيني”.
ويضيف الخبير القانوني أن “من يتابع المد الزمني في السنوات الأخيرة يرى أن هناك تآكلاً في العقارات المقدسية خاصة بعد دخول المتنفذين إلى خط التسريب”، مشدداً على أنه ما زال البيع مرفوضاً لدى الشارع الفلسطيني ومجرّما في ذهنه، ولكن بسبب تورط شخصيات رسمية وكبيرة في السلطة أصبح يلقي بظلاله على نفسية الشارع الفلسطيني بخصوص هذه القضية، و”على ما يبدو أن الاتفاقيات بين السلطة والاحتلال تشجع على تطبيع الاتجار بين العرب واليهود”.
إلى ذلك، يؤكد زبارقة، أن القانون الفلسطيني يجرم تسريب العقارات ولكن القانون الإسرائيلي لا يجرم ذلك ويعتبره حقا لمن يريد البيع والشراء، وطالما كل الأطراف موقعة وموجودة لا يُلغى البيع إلا إن ثبت التزوير ويكون بادعاء التزوير من أطراف ذات صلة بالعقار وليست أطراف سياسية.
ويلفت الخبير إلى أن القانون الفلسطيني حسب اتفاق أوسلو لا يجيز لمحاكم فلسطينية مقاضاة مقدسيين، وبعد توقيع الاتفاق لا يوجد اختصاص للمحاكم الفلسطينية على شرقي القدس، ولا يستطيع أحد رفع دعوى في هذه المحاكم للعمل ضد التسريب، فالاتفاقيات وتحديداً أوسلو جردت الفلسطيني من هذه الحقوق، وصارت الجهات الرسمية شريكة في الجريمة”.
عقارات فلسطينية تحت السيطرة اليهودية
إلى ذلك، يشير أستاذ العلوم السياسية في جامعة النجاح، عبد الستار قاسم، إلى أن “السلطة الفلسطينية، التي تدعي عبر وسائل الإعلام أنها تدافع عن القدس، متورطة بشكل مباشر في عمليات تسريب عقارات المقدسيين، وهذا الافتراض يعود لمجموعة من الأسباب، من بينها أن مخصصات بلدية القدس من موازنة السلطة لا تزيد على 20 مليون دولار فقط، وهذا مبلغ لا يكفي لتطوير مشاريع البنى التحتية في الأحياء العربية بما يعزز صمود سكان المدينة”.
يقول قاسم: “لم تتبنّ محاكم السلطة أي قضية تم رفعها على شركات استيطان إسرائيلية للمطالبة باسترداد العقارات التي تم تسريبها، أو التحقيق في مزاعم تورط شخصيات من مخابرات السلطة في عمليات سمسرة لهذه العقارات”.
معركة الوعي
من جانبه عبر الأمين العام للمؤتمر الوطني الشعبي للقدس بلال النتشة، عن استيائه الشديد من عملية بيع وتسريب منازل القدس العتيقة إلى المستوطنين اليهود وجمعياتهم الصهيونية الاستيطانية، مضيفاً: “ما حصل هو جريمة نكراء وخيانة عظمى بحق القدس وفلسطين”.
وتابع النتشة: “أي عملية بيع للاحتلال ومؤسساته تعدّ باطلة وغير قانونية بحكم القانون الدولي، حيث لا يجوز قانونياً للمحتل الإسرائيلي، القيام بشراء أي عقار”. مشددًا في الوقت نفسه على ضرورة محاسبة من سوّلت لهم أنفسهم ببيع بيوتهم أو أراضيهم أو ممتلكاتهم، أو ممن سهلوا عمليات البيع للصهاينة وردعهم، مردفاً: ” لا مكان لهؤلاء بيننا، وهم خارجون عن الصف الوطني وعن المّلة أيضاً”.
ودعا النتشة المقدسيين لتحمل المسؤولية تجاه العقارات في القدس الشريف، والعمل الجاد لمنع تسريبها إلى أيدي المستوطنين، كما دعاهم لليقظة والحذر والتحري عن أي شخص أو مؤسسة تتقدم لشراء بيت أو عقار، لتفادى الوقوع في شبكة اللصوص والسماسرة والعملاء. وأكد على أن “من يريد أن يبيع؛ فعليه أن يتوجّه للأوقاف ويبيع لها”، مشدداً على ضرورة منع بيع الأفراد بشكل كامل.
وختم النتشقه بقوله إن “السلطة الفلسطينية تولي اهتماماً كبيراً لهذا الموضوع، وأن التحقيقات جارية من أجل معرفة مَن وراء هذا التسريب”، مؤكداً ” لدينا ملابسات حول الموضوع الآن نتابعها بشكل دقيق وكامل”، على حد وصفه.