لعل أكثر ما يحتاجه العراق اليوم هو الإستثمار، صحيح أن الوزارات العراقية المختلفة تملك ضمن مديرياتها دوائر خاصة بالإستثمار، إلا أن أول قانون خاص للاستثمار في العراق سُنّ في عام 2006 تحت الرقم (13)، ليأذن القانون بعدها بإنشاء هيئة متخصصة بالاستثمار في كل محافظة، تتولى من خلالها الهيئة عمليات الترويج للفرص الاستثمارية ومنح الرخص، وتتمتع هذه الهيئات بقدر كبير من الاستقلالية، بحسب القانون.
قانون الاستثمار العراقي
حاول المشرعون العراقيون من خلال سنّ قانون الاستثمار رقم (13) لسنة 2006 توفير بيئة قانونية للمستثمرين العراقيين والأجانب من خلال نص القانون على توفير الدولة للأراضي التي سيستخدمها المستثمرون في مشاريعهم، مقابل بدلات إيجار منخفضة نسبيًا، فضلاً عن إعفاءات جمركية وضريبية مغرية، تشمل ضمانات للمستثمرين بعدم مصادرة المشاريع أو تأميمها.
إذ شهد الاستثمار في السنوات الأولى لسن القانون المباشرة بترخيص وتنفيذ بعض المشاريع الاستثمارية في مختلف المحافظات، ومع تقدم الوقت، بدأت المعرقلات في اعتراض طريق المستثمرين، ما حدا بمجلس النواب العراقي إجراء عدة تعديلات على القانون ليتلاءم مع الواقع العراقي.
أهم المعوقات
يعد الملف الأمني أحد أبرز التحديات التي تواجه المستثمرين والشركات على حد سواء، فالنزاعات العشائرية وتدخلات بعض المتنفذين في عمل الشركات، إضافة إلى خطر انتشار الجريمة المنظمة والجماعات الخارجة عن القانون، وقيام الأخيرة بفرض الأتاوات على الشركات وتهديد مصالحها وعمالها في حال عدم دفع تلك الإتاوات، الأمر الذي دعا العديد من الشركات العالمية إلى إعادة النظر في العمل والإستثمار في العراق، بحسب دراسة أعدها مركز النهرين للدراسات الاستراتيجية.
في ظل تنافس دول العالم لتوفير المناخ الاستثماري الملائم وتقديم الامتيازات الجاذبة للاستثمار الأجنبي، فإن أهم ما يعرقل دخول المستثمرين الأجانب للبلاد هو عدم الاستقرار السياسي الذي تعاني منه الدولة العراقية
يقول المهندس أنس العبيدي في حديثه لـ “نون بوست” إن معضلة الملف الأمني واحدة من المعرقلات التي تواجه الإستثمار في العراق، لكنها ليست الوحيدة، إذ أن البيروقراطية الإدارية التي يعاني منها العراق وتضارب القوانين التي تعمل وفقها الوزارات العراقية، تمثل حجر عثرة أمام سرعة تنفيذ المشاريع الاستثمارية.
العبيدي أوضح أن البطء في تخصيص الأراضي للمستثمرين، إضافة إلى التأخر في منح المستثمرين الأجانب سمات الدخول إلى البلاد، تعد عائقا آخر أمام المستثمرين، لافتا إلى أنه ما لم تُعِد الحكومة المقبلة النظر في جميع هذه المشاكل، فإن الإستثمار في العراق سيراوح مكانه.
وعن الحلول الممكنة في سبيل تجاوز هذه العقبات الإدارية، أشار العبيدي إلى ضرورة تفعيل قانون مجالس المحافظات وتحويل صلاحيات الوزارات الخدمية إلى المحافظات، إضافة إلى تحويل ملكية الأراضي إلى هيئات الإستثمار لتجاوز عقبة تخصيص الأراضي، مشيرا إلى تجارب كثيرة في دول مجاورة كالأردن ومصر التي حولت ملكية الأراضي فيها لدوائر الاستثمار، بحسبه.
وحول ذلك، يقول الكاتب الصحفي عزيز الكعبي إنه في ظل تنافس دول العالم لتوفير المناخ الاستثماري الملائم وتقديم الامتيازات الجاذبة للاستثمار الأجنبي، فإن أهم ما يعرقل دخول المستثمرين الأجانب للبلاد هو عدم الاستقرار السياسي الذي تعاني منه الدولة العراقية، إذ يشهد العراق اضطرابات ونزاعات داخلية مستمرة ما يشكل عائقا أمام تنفيذ الاستثمارات المحلية والأجنبية التي تعول عليها الحكومة العراقية في إصلاح واقع البنى التحتية والخدمات.
قانون الاستثمار .. حاجة ملحة للتعديل
رغم أن قانون الاستثمار شهد العديد من التعديلات الجوهرية على نصوصه خلال السنوات العشر الماضية، إلا أنه وبحسب المستشار القانوني “خالد زكي” فإن القانون لا يزال بحاجة إلى تعديلات جوهرية أهمها، إضفاء الملكية الكاملة للمستثمرين الأجانب على مشاريعهم، إضافة إلى إلغاء شرط توظيف العمالة المحلية بنسب مرتفعة، بحسبه.
يدور الحديث في العراق هذه الأيام عن دور الإستثمار في إعادة إعمار ما دمرته الحرب التي عاشها العراق خلال السنوات الماضية، إلا أن مشكلات كبيرة تقف عائقا أمام ذلك، أهمها هو النظام الإداري العراقي، وعدم اعتماد العراق في اقتصاده على مبدأ السوق المفتوح بصورة كاملة.
ورغم أن قانون الاستثمار العراقي المعمول به حاليا في البلاد، جعل من هذا البند المتعلق بالتوظيف شرطا لا مفر منه في ترخيص المشاريع الاستثمارية للأجانب بغية توفير فرص العمل، إلا أن زكي يرى في حديثه لـ “نون بوست” أن البلاد تسير في أولى خطوات الاستثمار، وأن المستثمر الأجنبي من خلال ضخه ملايين الدولارات في مشروعه، فإنه بالمقابل يرغب في جذب عمالة ماهرة قد لا تتوفر في العراق في الوقت الحاضر، مشيرا إلى أن جذب العمالة الماهرة والكوادر المتخصصة سيوفر على العراق نقل التكنولوجيا الحديثة في شتى المجالات، بحسبه.
دور الاستثمار في إعادة الإعمار
يدور الحديث في العراق هذه الأيام عن دور الإستثمار في إعادة إعمار ما دمرته الحرب التي عاشها العراق خلال السنوات الماضية إثر سيطرة تنظيم الدولة “داعش” على مساحات كبيرة من البلاد في يونيو/ حزيران 2014، إلا أن مشكلات كبيرة تقف عائقا أمام ذلك، لعل أهمها هو النظام الإداري العراقي، وعدم اعتماد العراق في اقتصاده على مبدأ السوق المفتوح بصورة كاملة.
إذ أنه ومع تضرر وتدمير أعداد كبيرة من الجسور والمستشفيات والبنى التحتية في محافظات الأنبار ونينوى وصلاح الدين وكركوك، فإن الاستثمار لن يكون مفيدا في إعادة إعمار هذه النبى التحتية، فالمستثمر غايته الربح وهذه المنشآت المدمرة كانت تخدم العراقيين بالمجان، ما يحتم على الحكومة إعادة إعمارها دون المستثمرين، لتعود كما كانت، فضلا عن أن توفر البنى التحتية الضرورية كالجسور والمطارات والمستشفيات يعد من أهم المرتكزات التي على الحكومة توفيرها لجذب الاستثمارات للبلاد.