في ظل تواصل ضغوطات وتحركات المنظمات الغربية، الساعية لوقف بيع الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية وإلغاء جميع الصفقات معها، نظرًا لاستعمالها في جرائم حرب وانتهاك حقوق الإنسان، تسعى السلطات في هذا البلد العربي إلى المناورة والبحث عن أسواق جديدة تمكنها مما تريد دون السؤال عن الغرض من شراء الأسلحة.
الرياض وجدت ضالتها في دولة جنوب إفريقيا، حتى أنها تفكّر جديًا في شراء حصص في شركة “دينيل” الدفاعية الحكومية، فضلًا عن شراء حصص في عديد الشركات الخاصة، وفقا لما أكّدته تقارير إعلامية وأمنية.
الضغوطات تتزايد
قبل شهر من الآن، أوقفت الحكومة الإسبانية بيع أربعمئة قنبلة عالية الدقة للسعودية، خوفًا من استخدامها في قصف المدنيين في اليمن. وتعد إسبانيا رابع مصدّر للأسلحة إلى السعودية، وهو ما يثير احتجاجات منظمات حقوقية عديدة تتهم الملك الإسباني بتسهيل هذه الصفقات، نظرًا لعلاقته الجيدة بالأسرة الحاكمة في السعودية.
إلى جانب ذلك، تبحث الحكومة الكندية امكانية وقف بيع الأسلحة إلى السعودية في حال ثبت استخدام مركبات عسكرية كندية الصنع ضد الشيعة في منطقة القطيف، التي كانت تسودها الاضطرابات، بالمنطقة الشرقية بالمملكة العربية السعودية. وقالت ناتاشا نيستروم، المتحدثة باسم وزارة الخارجية الكندية إن حكومتها أعربت للسعودية عن قلقها من أن العمليات الأمنية في الجزء الشرقي من البلاد قد لا تتوافق مع القانون الدولي، وفقاً لدويتشه فيله الألمانية، في وقت سابق.
المملكة المتحدة أيضًا تشهد نفس الجدل، حيث تسعى حملة كبرى لوقف مبيعات الأسلحة إلى السعودية. حيث قضت “المحكمة العليا” في يوليو/ تموز أن الحكومة كانت على حق في القيام بأعمال تجارية مع السعودية. غير أن محكمة الاستئناف سمحت لمنظمة “الحملة ضد تجارة الأسلحة” بتقديم طلب استئناف ضد هذا القرار.
طالب سيناتور أميركي بوقف مبيعات الأسلحة للسعودية في حال تأكدت مسؤولية المملكة عن اختفاء خاشقجي
تقول المنظمة إن الحكومة البريطانية تنتهك سياسة تصدير الأسلحة ومنح تراخيص تصديرها إلى دول مثل السعودية، لأن هذه السياسة تنص على أن من الواجب على الحكومة البريطانية أن ترفض منح التراخيص إذا ما كان هناك خطر واضح بأن هذه الأسلحة ربما تستخدم في انتهاكات لحقوق الإنسان.
وفي ألمانيا تثير الصادرات العسكرية إلى السعودية الجدل منذ عدة سنوات. وكان الائتلاف الحاكم في ألمانيا قرر في يناير/كانون الثاني وقف بيع السلاح لأطراف الصراع في اليمن، إلا أنه تراجع عن ذلك مؤخرًا تحت ضغط السعودية وهو ما ساهم في مزيد تأزم الأوضاع داخل حكومة ميركل.
وفي فرنسا، أحالت منظمتان حقوقيتان تطالبان سلطات البلاد بوقف بيع السلاح للسعودية والإمارات قضية إلى مجلس الدولة بالبلاد في حزيران/أيار الماضي، وأكدتا أن الأسلحة الفرنسية تستخدم حاليًا في الحرب على اليمن. وكانت “دروا سوليداريتيه”، وهي منظمة قانونية غير حكومية، و”اسر” المتخصصة في قضايا التسلح طالبتا في آذار/ مارس بسحب رخص التصدير للسعودية والإمارات. وأمهلتا رئيس الوزراء دوار فيليب شهرين لتنفيذ ذلك.
تظاهرة في بريطانيا للمطالبة بوقف بيع السلاح للسعودية
من جهتها، طالبت أنيا باكن ريسي رئيسة منظمة “المستقبل بأيدينا” النرويجية سلطات بلادها بسحب استثمارات الصندوق السيادي النرويجي أو “صندوق التقاعد الحكومي”، في شركة ريثون العالمية التي تبيع أسلحتها للسعودية، حيث تُستخدم تلك الأسلحة في حرب اليمن.
وقالت ريسي في تصريح للجزيرة إن “من غير المقبول على الإطلاق أن تُستثمر أموال الشعب النرويجي المحفوظة في صندوق النفط، في شركة ريثون للسلاح، التي تبيع أسلحتها إلى نظام مستبد وقمعي في السعودية، وهي التي يقصف بقنابلها المدنيون والأبرياء والأطفال في اليمن“.
حتى في الولايات المتحدة، هناك نقاش حول هذا الموضوع. حيث طالب السيناتور الأميركي راند بول بوقف مبيعات الأسلحة للسعودية في حال تأكدت مسؤولية المملكة عن اختفاء الصحفي السعودي جمال خاشقجي. وقال بول خلال مشاركته ببرنامج إذاعي: “علينا وقف بيع الأسلحة لهم، إذا كانوا مسؤولين عن ذلك، أو حتى إن وجدت إشارات بأن مقتل الصحفي يعتبر أمرًا هامًا بالنسبة لهم“.
التوجه نحو جنوب إفريقيا
هذه الضغوطات الممارسة على البلدان الغربية لوقف بيع الأسلحة إلى السعودية، خلّفت لدى مسؤولي المملكة مخاوف كبرى من امكانية فقدان أبرز أسواق الأسلحة التي تشتري منها عتادها العسكري الذي تستعمله في حرب اليمن وقمع الحركات الاحتجاجية داخل المملكة وفقا لعديد التقارير.
لهذا السبب تسعى السعودية إلى تنويع شركاءها والتوجه إلى أسواق بلدان جديدة لا همّ لحكوماتها بحقوق الإنسان، وهو ما وجدته في جنوب إفريقيا التي تسعى إلى إنعاش صناعة الدفاع التي تعاني من تأثير خفض الإنفاق الدفاعي على المستوى العالمي وضعف السوق المحلي.
وتسعى السعودية العربية التي تستورد معظم عتادها العسكري من الخارج بسبب ضعف طاقتها الإنتاجية، إلى تطوير صناعتها الدفاعية بهدف إنتاج نصف احتياجاتها بحلول 2030 لتعزيز اكتفاءها ذاتيا. وتحتل السعودية المرتبة الثالثة في الإنفاق الدفاعي على الصعيد العالمي بعد الولايات المتحدة والصين، حيث بلغ حجم ميزانيتها الدفاعية في 2017 نحو 70 مليار دولار.
تسعى جنوب إفريقيا إلى الاستفادة من الفرص الاقتصادية التي توفرها السعودية لإنقاذ اقتصادها المنهار
حاجتها إلى السلاح لاستعماله في حروبها الخارجية والداخلية، دفعها إلى التوجه نحو جنوب إفريقيا لإبرام صفقات تسلح مع كبريات شركات إنتاج السلاح هناك، بدورها تسعى شركات الأسلحة الجنوب إفريقية جاهدة لتحصيل أكبر مكاسب مادية ممكنة من الحرب الدائرة في اليمن.
وقبل أيام، أعلن الرئيس التنفيذي “للشركة السعودية للصناعات العسكرية أندرياس شوير، أن المملكة تجري محادثات مع كبريات شركات إنتاج السلاح في جنوب إفريقيا وتدرس شراء حصة في شركة “دينيل” الدفاعية الحكومية التي تواجه متاعب.
وتوقع أندرياس شوير، في لقاء مع رويترز، أن يتم استكمال اتفاقات الشراكة الأولى مع شركات في جنوب إفريقيا بحلول نهاية العام، لكنه لم يحدد الشركاء. وقال شوير “لإيضاح الأمر، نحن نجري مناقشات مع كل الشركات الجنوب إفريقية الكبرى، ليس فقط باراماونت، وليس فقط دينيل“.
مشاركة #الشركة_السعودية_للصناعات_العسكرية في معرض أفريقيا للدفاع والطيران (AAD 2018) لتعزيز حضورها في القارة الأفريقية واستكشاف الفرص الممكنة pic.twitter.com/Z8dc8qZzAJ
— SAMI (@SAMIDefense) September 19, 2018
شوير قال إن الشركة السعودية للصناعات العسكرية تسعى إلى الانتهاء من جميع شراكاتها الخارجية بحلول نهاية العام المقبل. وتابع “نجري مناقشات مع حكومة جنوب إفريقيا لتحديد فرص إقامة شراكات استراتيجية يمكن أن تشمل استثمارا ماليا من جانبنا في دينيل. لم يتقرر ذلك بعد، لكنه أحد الخيارات“.
نهاية الشهر الماضي، شاركت الشركة السعودية للصناعات العسكرية في فعاليات معرض إفريقيا للطيران والدفاع 2018 الذي عقد في قاعدة ووتركلوف العسكرية بمدينة سنتوريون في جنوب إفريقيا. ويعدّ هذا المعرض الوحيد في صناعة الطيران والدفاع على مستوى القارة الإفريقية ويجمع بين الفرص التجارية واستعراضات الطيران.
السلطات في بريتوريا لا يبدو أنها تولي اهتمام للقوانين المحلية والدولية
تعتبر الشركة السعودية للصناعات العسكرية، مؤسسة حكومية مملوكاً لصندوق الاستثمارات العامة في المملكة العربية السعودية، وتأسست في مايو من عام 2017م، وتقدم منتجات وخدمات عسكرية بهدف خفض الاعتماد على المشتريات الأجنبية في هذا المجال، ويتطلع القائمون على الشركة للمساهمة في الناتج الإجمالي المحلي للمملكة بحوالي 14 مليار ريال سعودي “3.7 مليار دولار أمريكي” بحلول عام 2030.
وأوضح المسؤول السعودي أن تأمل أن تتوفر لها التكنولوجيا التي لدى هذه الشركات، وقال “عليهم أن يلتزموا بنقل التكنولوجيا التي بحوزتهم إلى السعودية، وأن نبني معا بقدراتنا المحلية، ليس في مجال التصنيع فحسب وإنما الهندسة أيضا”. مضيفا أن تلك الشروط نفسها ستنطبق على جميع شركاء الشركة السعودية، وفي المقابل ستقدم لهم المملكة معاملة تفضيلية في سوقها أو وصولا حصريا إلى ذلك السوق.
جنوب إفريقيا لا تبالي بالقانون ولا المعاهدات الدولية
ينص قانون اللجنة الوطنية لمراقبة الأسلحة التقليدية في جنوب إفريقيا (أن سي أي سي سي) عدد 41 لسنة 2002- على أنه يجب على اللجنة أن “تتفادى نقل الأسلحة التقليدية إلى الحكومات التي تنتهك حقوق الإنسان أو تخرقها بشكل ممنهج“.
كما أن البلاد ملزمة، بموجب معاهدة الأمم المتحدة لتجارة الأسلحة التي صدقت على بنودها دون تحفظ سنة 2014، بوقف تصدير الأسلحة إذا كان من المحتمل استخدامها في انتهاكات جسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان أو القانون الدولي الإنساني.
تتهم السعودية بانتهاك حقوق الإنسان في اليمن
هذه القوانين المحلية والدولية، لا يبدو أن السلطات في بريتوريا تولي لها اهتمامًا كبيرًا، فهي مواصلة في نهجها، وتعتبر شركة “دينيل“، مصنع الأسلحة المملوك للدولة في جنوب إفريقيا، من أبرز الشركات التي تزوّد السعودية بالسلاح، وتصنع المجموعة التي تمتلك وحدات في كل من الأردن والهند، عربات مدرعة وطائرات وسفنا ومنظومات دفاعية. كما تساهم في تطوير ترسانة العهد السوفياتي من الأسلحة في بلدان عدة بالقارة السمراء.
وتسعى جنوب إفريقيا إلى الاستفادة من الفرص الاقتصادية التي توفرها السعودية لإنقاذ اقتصادها المنهار، وزار رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا السعودية في تموز/يوليو تموز وأعلن بعد ذلك أن الحكومة السعودية تعهدت باستثمار عشرة مليارات دولار في جنوب إفريقيا.
توجّه المملكة العربية السعودية نحو جنوب إفريقيا، هذا البلد الإفريقي الذي لا تربطه علاقات اقتصادية ولا ديبلوماسية قوية مع المملكة، يؤكّد حجم الضغط الممارس على حكام الرياض وبحثهم المتواصل عن شركاء جدد يمكن الاستفادة من خبراتهم مقابل عروض مالية خيالية.